أخبار عالميةاسليدرالاقتصادالتقارير والتحقيقات

الانتقادات السابقة والمسار القادم لدولة اليونان مع صندوق النقد الدولي

n4hr_13811828002

اعداد : خلف الله عطاله الانصاري
واجهت اليونان انتقادات عديدة من صندوق النقد الدولي منذ 2010 حتي تاريخة ويجب ان يكون هناك مسار وحلول لحل تلك الازمة
وقال أوليفييه بلانشار المستشار الإقتصادي ومديرا لإدارة البحوث في صندوق النقد الدولي. والسيد بلانشار خبير في الاقتصاد الكلي، وذكر بوضوح الإنتقادات الخاصة باليونان ودور المسار القادم وذكر بكل وضوح أن كل الأنظار م على اليونان. ولا تزال الأطراف المعنية تسعى للتوصل إلى اتفاق نهائي، مما يثير جدلا واسع النطاق وبعض الانتقادات الحادة التي يوجه بعضها إلى الصندوق.
وفي هذا السياق، رأيت أن أطرح بعض الخواطر عن أبرز هذه الانتقادات لعلها تساعد في توضيح عدد من أهم النقاط الخلافية وتسلط الضوء على المسار الممكن.
وأهم الانتقادات في رأيي تندرج تحت العناوين الأربعة التالية:
برنامج 2010 لم يحقق إلا زيادة في الديون حتى أصبح يتطلب تصحيحا ماليا مفرطا.
تم استخدام التمويل المقدم لليونان في سداد مستحقات البنوك الأجنبية.
أدت الإصلاحات الهيكلية القاتلة للنمو، فضلا على التقشف المالي، إلى حدوث حالة من الكساد الاقتصادي.
لم يتعلم الدائنون أي شيء من السابق وواصلوا تكرار نفس الأخطاء.
الانتقاد الأول: برنامج 2010 لم يحقق إلا زيادة في الديون حتى أصبح يتطلب تصحيحا ماليا مفرطا.
حتى قبل برنامج 2010، كان دين اليونان 300 مليار يورو، أو 130% من إجمالي الناتج المحلي؛ وكان العجز 36 مليار يورو، أو 15.5% من إجمالي الناتج المحلي؛ كما كان الدين يتزايد بنسبة 12% سنويا، وهو وضع لم يكن قابلا للاستمرار بطبيعة الحال.
ولو أن اليونان تُرِكَت دون معين، لوصل بها الحال إلى العجز عن الاقتراض. ونظرا لاحتياجاتها التمويلية الإجمالية التي تتراوح بين 20 و 25% من إجمالي الناتج المحلي، كان سيتعين عليها تخفيض عجز الميزانية بهذا المقدار. وحتى إذا توقفت تماما عن سداد هذا الدين، نظرا لعجز ميزانيتها الأولية الذي تجاوز 10% من إجمالي الناتج المحلي، كان سيتعين عليها تخفيض عجز ميزانيتها بمقدار 10% من إجمالي الناتج المحلي بصفة يومية. وكان من شأن ذلك أن يستتبع عمليات تصحيح أكبر بكثير وتكاليف اجتماعية أعلى بكثير مقارنة بالوضع في ظل البرامج التي سمحت لليونان بأن تستغرق أكثر من 5 سنوات لتحقيق رصيد أولي.
وحتى إذا تم إلغاء كل الديون القائمة، كان سيتعين تخفيض العجز الأولي، وهو عجز كان بالغ الارتفاع عند بداية البرنامج. ولم يكن التقشف المالي اختيارا، بل كان ضرورة. وببساطة، لم يكن هناك بديل لتخفيض الإنفاق ورفع الضرائب. فقد كان خفض العجز كبيرا لأن العجز الأولي كان كبيرا. وكان اعتماد “درجة أقل من التقشف المالي”، أي مزيد من البطء في تحقيق التصحيح المالي، سيستتبع مزيدا من التمويل المقترن بإعادة هيكلة الديون، وكان هناك حدا سياسيا لما يمكن للدائنين الرسميين أن يطلبوا من مواطنيهم المساهمة به.
الانتقاد الثاني: تم استخدام التمويل المقدم لليونان في سداد مستحقات البنوك الأجنبية
تأخرت إعادة هيكلة الديون لمدة عامين، وذلك نظرا للمخاوف من مخاطر العدوى (حيث كانت أزمة بنك ليمان لا تزال حية في الذاكرة)، وعدم وجود حواجز وقائية للتعامل مع العدوى. ويمكن الاتفاق أو الاختلاف حول ما إذا كانت هذه الأسباب وجيهة بالقدر الكافي. أما في ذلك الوقت، فقد كانت المخاطر تعتبر مفرطة إلى درجة لا تسمح بالمضي في إعادة الهيكلة.
ونتيجة لهذا التأخير وأسباب أخرى، تم استخدام نسبة غير قليلة من الأموال المتاحة في البرنامج الأول لسداد مستحقات الدائنين قصيرة الأجل، وإحلال الدين الرسمي محل الدين الخاص. غير أن عملية الإنقاذ لم تفد البنوك الأجنبية فقط، وإنما المودعون والأسر اليونانيون أيضا، حيث كان ثلث الدين في حيازة بنوك يونانية ومؤسسات مالية يونانية أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، لم يخرج دائنو القطاع الخاص من هذه الدائرة دون تكلفة؛ فقد حدث خفض كبير في الدين اليوناني في عام 2012 حين أدت عملية إشراك القطاع الخاص إلى تقليص بنسبة تجاوزت 50% في قيمة ما يقرب من 200 مليار يورو من الدين الخاص، مما تسبب في تخفيض أكثر من 100 مليار يورو (أي 10 آلاف يورو لكل مواطن يوناني، على سبيل التحديد).
وجاء التحول من دائني القطاع الخاص إلى الدائنين الرسميين بشروط أفضل بكثير، أي أسعار أقل من السائدة في السوق وآجال استحقاق طويلة. وللنظر إلى الأمر على الوجه التالي: وصلت مدفوعات الفائدة النقدية على الدين اليوناني إلى 6 مليار يورو في العام الماضي (3.2% من إجمالي الناتج المحلي)، مقارنة بمدفوعات قدرها 12 مليار يورو في عام 2009. وبعبارة أخرى أيضا، كانت مدفوعات الفائدة في حالة اليونان أقل، كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، من مدفوعات الفائدة في حالة البرتغال أو آيرلندا أو إيطاليا.
الانتقاد الثالث: أدت الإصلاحات الهيكلية القاتلة للنمو، فضلا على التقشف المالي، إلى حدوث حالة من الكساد الاقتصادي
نظرا لضعف أداء اليونان قبل البرنامج في مجال نمو الإنتاجية، استقر الرأي على ضرورة عدد من الإصلاحات الهيكلية التي تراوحت بين إصلاح الإدارة الضريبية وتخفيض الحواجز أمام ممارسة الكثير من المهن وإجراء إصلاحات في نظام معاشات التقاعد وعملية التفاوض الجماعي والنظام القضائي، إلخ.
وكثير من هذه الإصلاحات إما لم تُنَفَّذ أو لم تُنَفَّذ على نطاق كاف. ومنيت جهود تحسين التحصيل الضريبي وثقافة السداد بالفشل الذريع. وكانت هناك مقاومة شرسة لفتح القطاعات والمهن المغلقة. واستكمل الصندوق 5 مراجعات فقط من بين 12 مراجعة كان من المقرر إجراؤها في إطار البرنامج الحالي، واستُكمِلت مراجعة واحدة فقط منذ منتصف عام 2013، بسبب الفشل في تنفيذ الإصلاحات.
وبالفعل، كان تراجع الناتج أكبر بكثير مما أشارت إليه التنبؤات السابقة. فقد كانت المُضاعِفات أكبر من المفترض في البداية. ولكن ضبط أوضاع المالية العامة لا يفسر إلا نسبة ضئيلة من انخفاض الناتج. فقد بدأ الأمر بمستوى من الناتج أعلى من المستوى الممكن، ثم ساهم في هذه المحصلة النهائية وقوع الأزمات السياسية وعدم اتساق السياسات وعدم كفاية الإصلاحات ومخاوف الخروج من منطقة اليورو وانخفاض ثقة الأعمال وضعف البنوك.
الانتقاد الرابع: لم يتعلم الدائنون أي شيء من السابق وواصلوا تكرار نفس الأخطاء
أدى انتخاب حكومة تعلن معارضتها للبرنامج في عام 2015 إلى مزيد من التراجع في الشعور بملكيته، مما تطلب إعادة النظر فيه من حيث السياسات والتمويل.
وبحسبة بسيطة، نجد أن إجراء إصلاحات هيكلية أقل، أو/و تصحيح مالي أبطأ يعني احتياجات تمويلية أكبر، كما يعني ضمناً زيادة الحاجة إلى تخفيف أعباء الديون. ولنفترض أن الدائنين الأوروبيين كانوا على استعداد للتغاضي التام عن كل الدين القائم وتقديم مزيد من التمويل – وهو افتراض متطرف – ففي هذه الحالة لن يصبح هناك احتياج يُذكر لمزيد من التصحيح. ولكن لا شك أن الدائنين كانوا مقيدين بحدود سياسية لما يمكن أن يطلبوا من مواطنيهم المساهمة به.
وعلى ذلك، فإن أي حل واقعي كان يستلزم بعض التصحيح وبعض التمويل وبعض التخفيف لأعباء الديون – أي منهج متوازن. وكان دور صندوق النقد الدولي في المفاوضات هو أن يطلب تصحيحات محددة يمكن التعويل عليها في إجراءات السياسة المتبعة، وتوضيح انعكاسات التمويل وتخفيف أعباء الديون.
وقد رأينا أن تحقيق فائض أولي صغير يزداد بمرور الوقت كان ضرورة لا مفر منها لإبقاء الدين في حدود يمكن تحملها. وبعد إمعان النظر في الميزانية، لم نجد إمكانية لتحقيق ذلك إلا من خلال إصلاح ضريبة القيمة المضافة لتوسيع القاعدة الضريبية وإجراء إصلاح في نظام معاشات التقاعد لوضعه على مسار قابل للاستمرار. وفي هذا الخصوص، تتطابق وجهات نظرنا تطابقا تاما مع آراء شركائنا الأوروبيين.
وإلى أن أجري الاستفتاء وظهرت انعكاساته المحتملة على النمو، كنا نرى، في ظل هذه الافتراضات عن الفائض الأولي، أنه يمكن الحفاظ على الدين في حدود معقولة من خلال إعادة جدولة الدين القائم وتحديد آجال استحقاق طويلة للدين الجديد. وانعكس هذا في تحليلنا المبدئي لإمكانية الاستمرار في تحمل الديون والذي أجريناه قبل الاستفتاء. وعندما أَطْلَعنا شركاءنا الأوروبيين على ما نراه من ضرورة تخفيف أعباء الديون قبل نشر التحليل بمدة طويلة، كان رأيهم أن تقييمنا مفرط في التشاؤم. ونعتقد الآن أن الاحتمال كبير في أن تتطلب التطورات الحالية مزيدا من التمويل، ليس فقط لدعم البنوك وإنما أيضا لتخفيف أعباء الديون اليونانية بدرجة تتجاوز ما ورد في تحليلنا المذكور.
المسار القادم
1- بالنظر إلى نتائج الاستفتاء، والتفويض الممنوح للحكومة اليونانية، نرى أن فرصة التوصل إلى اتفاق ربما لم تفت بعد. وينبغي أن يقوم هذا الاتفاق على مجموعة سياسات مشابهة لما تمت مناقشته قبل الاستفتاء، مع تعديلها لمراعاة طلب الحكومة الحالي عقد برنامج مدته ثلاث سنوات، وللإقرار على نحو أكثر صراحة بحاجة اليونان إلى مزيد من التمويل ومزيد من التخفيف لأعباء الديون.
2- وجوهر الأمر أن منطقة اليورو تواجه خيارا سياسيا؛ ذلك أن تخفيض الإصلاحات وأهداف المالية العامة لليونان يعني تكلفة أكبر على البلدان الدائنة. وليس دور الصندوق في هذا السياق هو التوصية بقرار معين، وإنما الإشارة إلى ضرورة المفاضلة بين تصحيح أوضاع المالية العامة وإجراء إصلاحات هيكلية أقل من ناحية، والحاجة إلى مزيد من التمويل وتخفيف أعباء الديون من ناحية أخرى.
3- إن الفرصة السانحة للتوصل إلى اتفاق في هذا الصدد محدودة للغاية، والوقت المتاح ضيق. ولا بد أن يعلم الجميع أن الخروج من منطقة اليورو سيكون باهظ التكلفة على اليونان ودائنيها. فاستحداث عملة جديدة وتعديل العملة المستخدمة في التعاقدات يثيران قضايا قانونية وفنية بالغة التعقيد، ومن المرجح أن يصاحبهما انخفاض أكبر في الناتج. وقد يمر وقت طويل قبل أن يؤدي انخفاض سعر العملة الجديدة إلى تحقيق تحسن ملموس.
وخلاصة القول إننا نعتقد في وجود مسار يمكن السير فيه. والصندوق ملتزم بمساعدة اليونان لتجاوز هذه الفترة من الاضطراب الاقتصادي. ونظرا لأن اليونان لم تسدد الدفعة المالية المستحقة للصندوق في 30 يونيو 2015، فلن يستطيع الصندوق تقديم أي تمويل إلى أن تتم تسوية هذه المتأخرات. غير أننا عرضنا تقديم مساعدة فنية عند الطلب، ولا نزال منخرطين في العمل مع اليونان بشكل كامل.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى