أخبار عالميةأخبار مصراخبار عربية وعالميةالأدب و الأدباءالثقافةحصرى لــ"العالم الحر"

الدكتور عزوز إسماعيل يبحث عن محفوظ جديد ( حركة الإبداع فى مصر 1 )

الإبداع في مصر على أشده نحن كنقاد لم نستطع مسايرة ذلك الإبداع

حركة الإبداع في مصر ( 1 ) رداً على سؤال هل لدينا نجيب محفوظ جديد؟
د. عزوز علي إسماعيل

الإبداع في مصر على أشده نحن كنقاد لم نستطع مسايرة ذلك الإبداع؛ لأن أعداد النقاد الحقيقيين قليلون إذا ما قيس بهذا الكم الضخم من الإبداع، وألاحظ أن الإبداع الروائي بالفعل على أشده وأيضاً القصة القصيرة. القصة القصيرة تسير جنباً إلى جنب مع الرواية، تريد أن تزاحم الرواية، ولكن على استحياء وهي بالفعل منتشرة، فهناك أعمال إبداعية أناقشها في المنتديات الأدبية والثقافية ألمح فيها إبداعاً حقيقياً ففي مكتبي العشرات من الأعمال الروائية التي ناقشتها أو تلك التي سوف أقرأها لأقدم عنها نقداً وأبحث دائماً عن الكتاب الشباب الذين لا يعرفهم أحد، والشعر الآن موجود ولكن بقدر بسيط إذا ما قيس بالانفجار الروائي حتى إن دور النشر تتلقف الأعمال الروائية عن الدوواين الشعرية. هذه أمثلة قليلة ولك أن تتخيل أن هناك مؤسسات عديدة في مصر تثري الحياة الثقافية وتنعشها، ولا بد للنقد من أن يشحذ الهمم للوصول إلى مرحلة عظيمة من النقد لنرتقي بأنفسنا أكثر. أما عن وجود نجيب محفوظ جديد فإن مصر وبلادنا العربية ولادة بكل ما هو جديد وأن هناك أقلاماً روائية عظيمة قدمت وما زالت تقدم لا تقل أهمية عن كتابنا الكبار، فلدينا أقلام مثل أحمد مراد وأحمد ماضي، وعلاء الأسواني وولاء كمال، أحمد خالد توفيق الله يرحمه، أحمد رجب شلتوت، طنطاوي عبدالحميد وغيرهم
ونحن في هذا التوقيت والبحث عن مبدعين حقيقيين لا بد وأن نذكر بإجلال رواد التنوير الذين نحاول أن نسير على خطاهم في إعمال الفكر نحو الدكتور طه حسين فهو رائد من رواد التنوير في مصر في القرن الماضي وياليتنا نعيد قراءة “مستقبل الثقافة في مصر” وعاصر الدكتور طه حسين مجموعة كبيرة من الأدباء والنقاد الذين قدموا كثيراً للحياة الثقافية والفكرية والأدبية منهم أحمد لطفي السيد، وأحمد حسن الزيات والعقاد والمازني وعبدالرحمن شكري وبلا شك أحمد شوقي ، وحافظ إبراهيم، وأمل دنقل بعد ذلك..وإذا كان الدكتور طه حسين قد تأثر بالأدب الفرنسي ومناهج الشك الديكارتيه، فأنا شخصياً أوافقه على ما قام فيه من شك في الشعر الجاهلي، لأن نظرية الشك لديه كان لها ما يبررها، فحين نظر إلى شعر الشمال في أهل نجد والحجاز ووجد فيه ما يدل على البيئة الجنوبية فإن الأمر يستدعي الشك وأن هذا الشعر منحول والعكس صحيح. وعلى الرغم أن كتاب “في الشعر الجاهلي ” لطه حسين أحدث صدمة حضارية كبرى تلك الصدمات التي تحتاجها الشعوب لتستيقظ من ثباتها القديم وتُعمل العقول، فإن طه حسين ظل صامداً أمام تلك العقبات التي واجهته ورغبة منه في التهدئة نوعاً ما غير اسم الكتاب وجعله” ففي الأدب الجاهلي” وحذف بعض الفقرات البسيطة منه …وفضلاً عن معارك طه حسين مع أنصار القديم والجديد، فقد ثارت معارك ضارية بين العقاد وأحمد شوقي بل إن العقاد أراد أن يخلع إمارة الشعر عن شوقي متحججاً بأنه أولى بها، وأن لديه أشعاراً ودوواين متعددة، ولكن ما كان يميز شعر العقاد أنه شعر فلسفي يميل إلى النزعة الفلسفية فلم يقبل عليه الناس كثيراً بينما كان شعر أحمد شوقي مرتبطاً بالوجدان فجنح الكثيرون نحوه فغنت له أم كلثوم العديد من القصائد.. ومن أشد المعارك أيضاً التي كانت بين مصطفى صادق الرافعي والعقاد، فكتب الأول حين هاجمه العقاد، كتابه “على السفود” والذي شوى فيه العقاد بالفعل على النار من خلال ذلك النقد اللاذع الذي وجهه للعقاد. ورد عليه العقاد رداً عنيفاً، ولكننا في الوقت الحاضر لم نجد تلك المعارك وذلك النضوج الفكري لأن مؤسساتنا الثقافية حجمت العقول في تلك الغرف وكرست للمحسوبية ناهيكم عن الجوائز وما يحدث فيها، ونلاحظ أن المعارك النقدية والأدبية مع بدايات القرن الماضي كانت قبل وجود وزارة للثقافة من الأساس، والآن لدينا وزارة ثقافة ولا يوجد للأسف مثقفون حقيقيون إلا من رحم ربي، وإن كان هناك هجوم من شخص على شخص آخر فهي معارك شخصية ومتدنية، لا يبغون من ورائها صالح اللغة وإظهار الخفي من قوتها كما كان في السابق، لذلك يقع علينا الآن المقارنة بين بدايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي في العشرين سنة الأولى من القرنين فلم نجد لينا الآن شاعراً بحجم حافظ إبراهيم أو أحمد شوقي أو كاتباً متميزاً بحجم العقاد والمنفلوطي وهؤلاء الأعلام نخجل الآن حين نذكر تلك الأسماء وما قدموه للأدب. ولنا أن نتخيل كم عدد وزراء الثقافة منذ أن كانت وزارة الثقافة مع وزارة الإرشاد وحتى الآن، فمصر مرَّت بعدد كبير من وزراء الثقافة، وكان للرعيل الأول الدور الكبير في الغرس الأولي بدءاً من الدكتور ثروت عكاشة، والذي يعود إليه الفضل مع الدكتورة سهير القلماوي في إنشاء معرض القاهرة الدولي للكتاب 1969باعتباره يؤرخ لوصول القاهرة إلى ألف عام من حياتها، والدكتور حاتم عبدالقادر مروراً بأطول فترة وزارية لوزير ثقافة وهو فاروق حسني ووصولاً إلى وقتنا الحاضر خاصة بعد 25 يناير 2011 وما أعقبها من وزراء ثقافة كثيرين وتخبط في قرارات كثيرة لا تراعي فكر الشباب الذين هم عماد الوطن.
من هنا يمكننا أن نتناول الحديث عن عن وجود نظرية نقدية حديثة وقبل أن نصل إليهاعلينا أولاً أن ندرك بعض الأمور أهمها أن النظرية النقدية يجب أن تكون إنسانية أي تمس الكيان الإنساني وتفيده ولكن في عالمنا العربي كان نقادنا الكبار حجر عثرة في عدم قيام نظرية نقدية حديثة؛ لأنهم كانوا تابعين للفكر الغربي من أوله إلى آخره، رغم أن حقيقة النطرية إنسانية عامة في المقام الأول وهم قد وأتوا لنا بنظرياته التي في الأساس نظريات عربية ولكنهم غلفوها “بسليفان”. بل إن نقادنا الكبار – مع تقديري العميق لهم – قد تلقونها على غرار”إذا قالت حزامِ فصدقوها ” وهذا ما أسميه ” التبعية الفكرية ” وهو ما أجهض قيام نظرية نقدية في الوقت الحاضر. لا بد وأن نذكر أن النقد العربي القديم والذي يبدأ تقريباً مع القرن الثاني الهجري حتى نهاية الدولة العباسية كانت به لمحات نقدية عظيمة عشنا عليها كثيراً دارسين ومهتمين، ارتقت تلك اللمحات إلى أن أصبحت نظريات نقدية بلا شك، وصنع النقد آنذاك تاريخاً عظيماً إذا ما قيس بالوقت الذي كان فيه، فلا ننسى على الإطلاق ما قام به ابن قتيبة خاصة في مقدمة كتابة “الشعر والشعراء” وقد عد ابن قتيبة طبقاً للموسوعة الفرنسية العالمية الناقد الأول الذي استطاع أن يتناول قضية القديم والحديث، رغم سبق ابن سلام الجمحي له في “طبقات فحول الشعراء” وكذلك الأمر نظرية ” النظم ” عند عبد القاهر الجرجاني وهي نظرية بلاغية لغوية تجاوزت الاحتفاء بقضية ” اللفظ والمعنى ” تلك القضية الكبيرة والتي تقريباً أخذت جلَّ فكر معاصريه إلى النص ككل فيما يعرف في وقتنا الحاضر بعلم الأسلوب، وما قام به أبو عثمان بن بحر الجاحظ من مسألة المعاني والأفكار والطبع والصنعة، ومن ثم فقد تبلورت تقريباً نظرية للشعر العربي متكاملة تحت لواء “عمود الشعر” كان لإسهام الجاحظ في البيان والتبيين والآمدي في الموازنة والمرزوقي في شرح ديوان الحماسة والقاضي الجرجاني وابن طباطبا الأثر في قيام تلك النظرية الخاصة بعمود الشعر العربي. وفي الماضي القريب اكتسحت نظريات النقد الغربية الأسواق النقدية العربية وقد كنا مرغمين على تقبلها . وأما في الوقت الحاضر أو العصر الحديث، ولكي تكون هناك نظرية نقدية حديثة لا بد وأن نكون مدركين لحقيقة معنى النظرية التي تقوم من خلال منظومة كبرى من المبادئ المتكاملة التي تجتمع جميعها من أجل تفسير ظاهرة إنسانية وهي هنا نظرية نقدية شاملة ولا بد أن تتسم بالمرونة شريطة قابليتها للتصديق شارحة للظواهر العامة في العملية النقدية الحديثة، ولن نصل إليها إلا بوضع تصور شامل لها والإخلاص للهوية العربية من خلال النقد العربي. وأنا لا أشك على الإطلاق من أن في العالم العربي نقاداً عظاماً ولديهم مؤلفات عظيمة في النقد الأدبي العربي ولكن هذه الجهود هي جهود فردية يجب أن تُجمع وأن تُعرف حتى نستطيع حصرها من خلال عمل مؤسساتي على غرار مؤسسة الفكر العربي، بأن تكون هناك مؤسسة للفكر النقدي العربي خاضعة للحكومة، لأنها مكلفة جداً ولا يستطيع أحد بمفرده القيام بها. وعلينا أن نحصي ذلك الإبداع من خلال ببليوجرافيات لدراسة ذلك الإبداع. وبهذا سوف تكون لدينا نظرية نقدية حديثة ونصل من ثم إلى العالمية .

احمد فتحي رزق

المشرف العام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى