مقالات واراء

كنز لا ينضب

كتبه : د. نجوى نصر عزام 

الموهوبون …. كنز لا ينضب

لاشك أن الموهبة نعمة غالية من الله سبحانه تعالى؛ وأن الموهوبين هم أغلى ثروات الوطن، وكنزه الذي لا ينضب، بل هم عامل أساسي من عوامل نهضة الأمة، في جميع المجالات؛ فبجهدهم وفكرهم  ومن خلال إبداعاتهم وبسواعدهم  يتم استثمار وتطوير الأنواع الأخرى من الثروات؛ فأي عمل ثقافي أو حضاري يقوم أساساً على الفكر والجهد البشري، كما أن أثمن ما في الثروة البشرية وأجزلها يعود بلا جدالِ إلى إمكانات الموهوبين؛ بما وهبهم الله تعالى من تفوق عقلي وقدرات خاصة على الفهم والتطبيق والتوجيه والقيادة والإبداع، فيكونوا بذلك أقدر العناصر البشرية على إحداث التقدم ، وقيادة التنمية،  والتصدي لمعوقاتها، وحل مشكلاتها.

والفرد منا – حينما يكتشف موهبته – يجب عليه أن يتسلح بالأدوات والتقنيات التي تسهم في تطوير إمكانياته؛ كي يصبح لإنجازه معنى ودقة لا مثيل لها، تميزه عن سائر الأشخاص، حتى الذين يمتلكون نفس الموهبة، ومتى أتيح للإنسان الوقت الذي يجد فيه التقنيات والدعم – سواء كان ذلك في سنواته الأولى، أو بعد عقود من الزمن-، تبقى العزيمة والإصرار هما العامل الأقوى، الذي يثبت من خلاله الإنسان رغبته وموهبته، والتي تتضمن مكونات ثلاث، وهي القدرات العقلية العالية، و المهارات الابتكارية، و إدارة الوقت وإنجاز المهمات.

  وإدارة الوقت هي عملية يقوم بها المرء للاستفادة من الوقت المتاح له، والمواهب الشخصية المتوفرة لديه؛ لتحقيق الأهداف المهمة التي يسعى إليها، مع المحافظة على تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والحياة الخاصة، وبين حاجات الجسد والروح والعقل؛ لذا تعتبر من أهم العوامل التي تحقق للإنسان طموحه، وتصقل مواهبه؛ فالعملية إذن تعني إدارة الذات؛ فبها يستطيع الفرد أن يدير نفسه بنفسه؛ كما أنها محاولة لترويض الوقت، وفرض سيطرتنا عليه، بدلاً من أن يفرض هو سيطرته علينا!!!، للاستفادة منه، واستغلاله جيداً، واستثماره؛ باعتباره مورداَ فريداَ، لا يمكن ادخاره، وإنما يجب استخدامه بحكمة ومنطق، وهو مورد غير متجدد، بل هو من أندر الموارد، والذي إن فشلنا في إدارته، فلن تتم لنا إدارة أي شيء آخر؛ فالوقت أغلى ما يملك الإنسا؛ فهوعمره… والذي إذا ضيعه، ومضى… فلن يعود مرة أخرى، وربما كان هو الشيء الوحيد الذي تزداد قيمته باستغلاله!!!

وإدارة الوقت قضية ذاتية، يجب أن تناسب ظروف كل منا، وطبيعته؛ فالناس على اختلاف ظروفهم، يمتلك كل منهم نفس عدد الساعات اليومية؛ للعمل والنشاط، ويتوقف الفرق بينهم على استراتيجية كل منهم في إدارته لهذه الساعات، فمشكلتنا الأساسية ليست في عدم توفر الوقت الكافي لدينا؛ لتحققيق ما نريده، وأنما في عدم استغلال الوقت بالشكل الأمثل؛ لإنجاز مايجب عمله، فالوقت… لاقيمة له عند الفارغين، كما أنه لاقيمة للفارغين في هذه الحياة وبين الناس، وهنا علينا مراعاة اختلاف العقول وطريقة التفكير؛ فالعقول عالية الدافعية تميل نحو المثالية والكمال، مما يقود كثيرًا منهم إلى الالتزام المطلق، حتى النضوب، وقد يعرضهم لأزمات وضغوط نفسية شديدة.

 ولما كانت إدارة الوقت هي العملية التي تستطيع بها أن تنجز المهام والأهداف، فهي بذلك تمكنك من أن تكون فعالاً، ومن ثم.. لابد لها أن تعتمد على التخطيط والتنظيم والتحليل والرقابة والتقييم المستمر، لكل النشاطات التي يقوم بها الشخص، خلال فترة زمنية محددة؛ لتحقيق فعالية مرتفعة، في استغلال الزمن المتاح؛ للوصول إلى أهدافه المنشودة، فإن الإدارة الجيدة للوقت تعد من صفات القادة؛ لأنها تعني الكفاءة…

وإن كانت ادرة الوقت بطريقة فاعلة تعد مشكلة عامة، فإن فئة الموهوبين أكثر الناس معاناة منها، وتأثراَ بها؛ ذلك أن تلك الفئة تتمتع بصفات وخصائص متميزة، و تميزها عن غيرها؛ فمثلاَ نجد منهم المنطقيون التحليليون، الذين يعشقون الترتيب والتنظيم. في أدق تفاصيل حياهم، وكذلك منهم المفكرون الإبداعيون (الكلّيون أو “الحساسون”)، وهؤلاء لديهم طرق فضفاضة في تنظيم أمورهم. والتي قد تبدو غريبة لمن حولهم، ولكنهم يعرفون مايفعلون!!!، كذلك فإن المبدعون بطبيعتهم يميلون لأن يخرج عملهم بصورة متكاملة متقنة، الأمر الذي قد يستغرق منهم وقتاَ أطول مما يستغرقه أقرانهم؛ لانجاز نفس المهمة!!!، مما قد  يؤثر سلباَ على آدائهم بصفة عامة، وموهبتهم بصفة خاصة، وهو الأمر الذي يجعل الكثير من الآباء والأمهات يعزفون عن السماح لأبنائهم بالتعبير عن مواهبهم؛ خشية أن يؤثر ذلك على معدلهم الدراسي.

             وبرأيي… فإن نقطة الانطلاق نحو تحديد أداة إدارة وقت الموهوبين تكمن في الانتباه لعقولهم، وطريقة تفكيرهم، والتعامل مع كل واحد منهم كحالة فردية متميزة، بكل سماتها وخصائصها، مع مراعاة اعداد المناهج، وطرق التدريس، والمعلمين، وحتى طرق الاختبارات والتقييم بما يتناسب مع كل منهم، مع نشر الوعي الأسري لرعايتهم والتعامل معهم بالطرق الصحيحة، وترك مساحة زمنية كافية خلال اليوم الدراسي، وبرنامج حياتهم اليومية، حتى يفجروا ابداعاتهم وطاقاتهم، ويستطيعوا انجاز المهمة الملقاة على عواتقهم ؛ لرفعة وطنهم، ونهضته، وتقدمه بين الأمم، وذلك عندما ينجحوا في إدارة وقتهم، لا عندما يتركوا الوقت ليديرهم!!!

د./نجوى نصر عزام

 

زر الذهاب إلى الأعلى