الأدب و الأدباءمقالات واراء

جثمان الوطن يترنح ما بين حكومة فاسدة ومراجع منافقة


للكاتب
_//حسين خريبط// 

ان الدكتاورية في الشعوب النائمة من اهم مظاهر التخلف في مجتمعات العالم الثالث فالفرد فيها مظلوم ومضطهد بسبب جهله وعدم وعيه ، ونتيجة لهذا الشعور السلبي للافراد خلقت فجوة كبيرة بينه وبين كل مظاهر التحضر ، فلطالما راود المواطن في الشعوب المتأخرة احساس بالغربة وذلك لحرمانه من ابسط حقوقه بأن يعيش حياته بسلام وطمأنينة وبالتالي ينتابه شعور بالاضطهاد هذا بدوره يولد عنده صفات اتحفظ في ذكرها تفصيلاً ولكنها تتمركز حول العدوانية وعدم الانتماء للبلد .
فعندما تتحكم بالاوطان حكومات فاسدة ومستبدة من خلال سيطرتهم على مراكز السلطة وبالتالي السيطرة على عقول الناس ،حينئذٍ تتقاسم هذه الادوار جهتين اساسيتين وهما متلازمتين على الدوام دون انفصال بينهما الا وهي توأمة رجال الدين و الساسة ، وذلك للسيطرة على كل سلوك الافراد والهيمنة على قلوبهم ونفوسهم عن طريق الدين من جهة بينما يختص مافيات السلطة بالتخويف والترهيب واتباع كل وسائلهم الغير انسانية وانتهاكهم لحريات الشعوب من الجهة الاخرى وهذا سهلاً عليهم جداً لانهم يجدون الارض الخصبة لكل ممارساتهم اللا اخلاقية ، لأن العقول بحد ذاتها تفتقر الى القدرة على تنظيم فكرها وتحديد منهجها حيث تتميز بالفوضوية والعشوائية فتصبح غير قادرة على اتخاذ القرارات لذا تكون خانعة مسلمة زمام الامور لمن استغلوا جهلها لتحقيق مأربهم بما يخدم مصالحهم ولتحقيق اهدافهم في الاستحواذ واحتكار كل الامتيازات دون الاهتمام او مراعاة ان يكون ذلك على حساب الشعب المقهور .
ان قراءة سريعة عن المجتمع العراقي ستبين انه مقسم الى ثلاث كتل رئيسية تتمثل بالحكومة والشعب والمراجع الدينية فانا ارتأيت تصنيفه كان كالآتي :-
(شعب فارق الحياة والحياء) و (حكومة فارقت الوطن والوطنية )و (مراجع فارقت الله ففرقها)
فلقد ضاع الوطن ما بين مكر الكتل الحاكمة ودهاء الاحزاب الدينية وبين غفلة الشعب ، أن اغلب الحكام في الشرق الاوسط هم من الاغبياء والفاسدون المأجورين والمدعمين من قوى خارجية ، بينما في دول الغرب نرى الحكام يتميزون بالحنك السياسي والذكاء ويتسمون بشعورهم بالانتماء لاوطانهم والاخلاص لشعوبهم ويتسابقون في اثبات نزاهتهم من خلال تقديم افضل الخدمات للشعب ، ويحتفظون بخصوصية اوطانهم ولا يسمحون باي تدخلات من خارج بلدانهم في السياسات الداخلية وديناميكية حياتهم وقوانين دولتهم ، لذا يسود السلام والامان فيها .
ان العراق يعاني في الوقت الراهن من خلل في المنظومة الاخلاقية ، نتيجة الصراعات الكثيرة التي مر بها البلد منذ عدة عقود ، فمعاناتهم تجسدت بالظلم و الجور والاستبداد والحروب التي عاشوا في ظلها فأدا الى اضعاف المباديء وتراقص القيم ما بين التشبث بمورثات الماضي والبكاء على اطلالها وبين الطموح الى اللحاق بركب عجلة التقدم والحداثة بشكل فوضوي يتميز بالعشوائية مما ادى الى الانحطاط في بعض السلوكيات لفهم تقنيات التطور الحديثة باعتباطية واضحة جداً وصلت الى درجة تشويه الاعراف والعادات الفاضلة في المجتمع ، ناهيك عن ضعف الشعور بالانتماء والمسؤولية ، بيد ان انانية الافراد واللامبالاة وعدم الاهتمام بمصير البلد انتهت به الى تحقيق غايات اصحاب المصالح الحقيقيين في دمار وطننا الحبيب ، فأصبح المواطنون يتأرجحون ما بين قوى سياسية طائشة اتسمت بالفساد باعت ضمائرها ومرجعيات دينية مخادعة وافاكة تستتر تحت عباءة التقوى المزيفة .
لقد استوقفتني معادلة الخوارزمي عالم الرياضيات الغني عن الذكر والمفكر المعروف في في دول الغرب قبل العرب ، عن الاخلاق حين سُئل عن الانسان فأجاب ” اذا كان الانسان ذو أخلاق فهو = ١ ، اذا كان الانسان ذو جمال فأضف الى الواحد صفراً= ١٠ ، اذا كان ذو مال ايضاً فأضف صفراً آخر=١٠٠،
اذا كان ذو حسب ونسب فأضف صفراً آخر =١٠٠٠فإذا ذهب العدد واحد وهو الاخلاق ذهبت قيمة الانسان وبقيت الاصفار التي لا قيمه لها” مبرهناً بذلك ان الاخلاق هي اهم شيء لديمومة الحياة واستقامتها وهي من القيم العليا لتقويم الفرد وبالتالي بناء مجتمعهِ.
ان اغلب الشعوب التي شهدت تقدماً وتحضراً سريعاً هي الدول التي تعرضت لدمار شامل في بلادها من اثار الحروب التي مرت على شعوبها ولكنهم نهضوا من جديد واحيوا بلادهم بكل ما اوتوا من قوة وعزيمة وبأس ذلك بتعزيز ارادة الشعوب والتمسك بالاخلاق الحميدة والعمل لمصلحة الوطن والشعب ونبذ الفساد والمحسوبية وفصل الدين عن السياسة مع ضرورة الالتزام بالقيم الدينية الانسانية النبيلة وتسخيرها لخدمة وبناء مجتماعاتهم وضمان حريات مواطينيهم وشيوع الديمقراطية فيها . هذا على خلاف واقعنا ، فالفساد الاداري واضح للعيان ولا يختلف عليه اثنين ، وشيوع الطبقية بين فئات الشعب ، وانتشار مظاهر الفرقة بينهم من خلال زرع الفتن بين الطوائف والاحزاب الدينية والقوميات ، مما افاض الى غياب عنصر الاخلاق ، حين خنع الشعب وخضع للطغاة وترك اللصوص تنهب والمنافقين تفرق شمل ابناء وطننا الواحد باستهانة بالغة ممن حكموا الوطن من الآفات المدمرة في الوقت ذاته ظل الشعب منقاداً مطيعاً ذليلاً يستلذ بدور المسكين والمغلوب على امره .
فمتى اذن يستفيق الشعب من غيبوبتهِ … ؟ متى يصحو من سباتهِ الطويل ، لما لا نرسم مستقبلنا بأيدينا ….؟ لماذا نترك اقدارنا تصنع بيد من لا يرحم ونسلطهُ علينا …؟ متى نثور لكرامتنا وننتفض على من سرق حياتنا وتحكم بمصائرنا واستنزف ابناءئا وشوه الطفولة البريئة فضاعت ما بين يتيم ومتسول واحداث يساهمون في الجريمة ، ويستخدمون سلاحاً فتاكاً ضد الوطن حين اصبحوا العوبة بيد ارهابيين مجرمين غسلوا ادمغتهم فتحجرت قلوبهم وعقولهم …..
فـ (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) .
هنا يكمن دور المستنيرين من المفكرين والمثقفين في مجتمعنا لايقاظ الناس من غفلتها والتحرك بلا هوادة في سبيل تحقيق الصحوة المجتمعية و لمعالجة الامراض الاجتماعية وايجاد الحلول للتخلص من ازمة الهبوط بالاخلاق ، ذلك بالتعاون مع بعض المسؤولين المخلصين وبعض المؤسسات الدينية النزيهة ،
للسيطرة على المجتمع وترويض سلوكياته وتوجيهه بالاتجاه الصحيح ، عن طريق ترسيخ الشعور بالانتماء الحقيقي للوطن ونبذ العنف بكل اشكاله والقضاء على كل مظاهر التطرف في المعتقدات ،وتنوير العقول واحياء الضمائر و غرس القيم الاخلاقية الرصينة في المجتمع بمساعدة وسائل الاعلام والمراكز ذات الاختصاص ، فضلاً عن تعديل المناهج في المدارس والجامعات والعمل الجاد على وجود خطة تربوية تاخذ على عاتقها تدريب الجيل الجديد على التمسك بالاخلاقيات الصحيحة كذلك استغلال المناسبات الدينية لحث المواطنين على التكاتف وزرع المحبة وعدم تضييق الحريات بحجة الدين وذلك لغرض تقنين موجة الانحدار الاخلاقي المنتشرة في واقعنا اليوم .
ختاماً أؤكد على ان التعميم ليس منهجي ولكن هذه حقيقة واقعنا واكيد ” ان خليت قلبت” ، وهذا ما اريد الوصول اليه فمن تمسك بالفضائل وتمتع بالفطنة والذكاء الاجتماعي هو من المؤهلين ممن نتمنى ان يساهموا في اصلاح المجتمع للقضاء على امراضه وتسوية كل ما انحرف عن المسار بسبب الازمات التي حلت على ارضنا وشعبنا خلال السنوات الماضية وما نتج عنها من خراب وانقسامات مجتمعية ، متمنياً ان لا يتفصح البعض وينكر ما نعيشه من واقع فرض علينا ونتج عنه وباء تفشى بمجتمعنا بسبب الانشقاقات الدينية والسياسية التي انعكست على سايكولجية الفرد العراقي فانشأت شعباً يعاني من امراض نفسية معقدة استفحلت بصورة تثير الرعب في نفوسنا وذلك نتيجة تحصيلية لكل ما حصل للبلاد و بسبب الذئاب التي تكالبت على ارضنا وتحكمت بمصائرنا ، فمعرفة مواطن الخلل في اي مجتمع هي بداية صحيحة والوقاية منها هي اول خطوة للمعالجة السليمة ، فكما يعرف الكثير منا ويؤمن بأن طريق الالف ميل يبدأ بخطوة ، فلتكن اذن خطوتنا الاولى هي معرفة سلبياتنا والسعي الحقيقي والصادق للتغييرات الجذرية لها ، وتكثيف الجهود لصالح الوطن ولخدمة مصالح الشعب .
واخيراً اقول لمن يدعي ان العراق قد مات ، ان الله يحي العضام وهي رميم ، فسيحيا الوطن ويبعث من جديد وليموت الشامتين غيضاً ، ولنتذكر ان الظلم يعيش بالسكوت عنه ، وان الحقوق لن تضيع اذا كان هناك ورائها مطالب ، ولن يمتطي ظهورنا الا من نحني له خوفاً وذلاً ، فنحن من نصنع الطواغيت ونحن فقط من يستطع القضاء عليهم .

زر الذهاب إلى الأعلى