مقالات واراء

امبراطورية المال والنفوذ في العراق

بقلم سيدمحمدالياسري
يحكى ان رجلا اسمه خرّاع انجب سبعة ذكور وسبع بنات ، وكان له بيت كبير ومزرعة ، فكان يحدث أولاده وبناته دائما وهو يمشي بمزرعته ويقول : هذا النخل زرعه جدكم وقد اشترى فسائله من فلان . وعندما يرى التين قال : هذا زرعه جدكم بالتاريخ الفلاني وحدثت هذه الحادثه ورواها، وعندما يمر بالزيتون قال : جدكم قرر ان يزرع زيتونا على الرغم ان الناس ضحكت عليه ! وكل ما يصادفه شيء قال زرعه او بناه او اشتراه جدكم ! وفي يوم وكل العائلة مجتمعة للغداء ومائدة الطعام مملوءة من المزرعة لم يحدثهم عن الثمار من المزرعة بل على الأواني والصحون والملاعق واخذ يسرد كيف اشترى جدهم تلك او هذه وكلها أصلية وغالية وكان ابنه البكر اسمه ثائر وابنته اسمها ثائرة واخر الاولاد اسمه بلاء والبنت اسمها بلوى ، فقال ثائر: يا ابي وماذا اشتريت انت ؟
وقالت ثائرة : وماذا زرعت؟
وقال بلاء : وماذا بنيت من هذه الدار؟
بينما اطرقت ابنته بلوى ثم قالت : ياابي اين انت من كل هذا؟
خجل الاب وفي حيرة وتلعثم قال : كنت في ظهر ابيكم ؟ وبعدها في بطن امكم ؟ ثم في القماط سنة ؟ فكان له اثر عليّ جعلني غير قادر على العمل ؟
فقالت بلوى : لكنك تفكر ، ولم يقمطوا رأسك!
فقال : لهذا اروي لكم واحدثكم !
كان الجد والجدة معهم : فصرخ احد الابناء بصوت عال والغضب يتملكه : لماذا لم تكن مثل جدي ؟
فقال خرّاع : جدك سيجيبك !
فقال الجد : ياحفيدي العزيز لم ابنِ شيء ولم ازرع شيء فقد وجدته مزروع ومبني من أبي ، جد خرّاع وهو ميت ولا نستطيع ان نسأله كيف بناه او زرعه !؟
لاشيء عند خرّاع ولاعند ابيه والتاريخ عن جد خرّاع مبهم لايمكن ان يستند عليه هل اشترى البيت والمزرعة ام اشترى ارضا وجعلها بيتا ومزرعة ، هكذا نحن العراقيون ، دولة يقودها خرّاع وابيه وحديث سمر بين الاباء والاجداد والاحفاد على مائدة الطعام ، ثم يذهب الجميع للنوم ليستيقظوا في اليوم التالي على نفس الوتيرة ، ويظهر ان في المزرعة فلّاح يديرها ولايعطي خرّاع واولاده الا طعام يومهم والباقي يبعيه ويقبض ثمنه ويأكل منه ثم يأخذ من المالك فاتورة الماء والكهرباء واجار البيت لانه يستثمره كي لايتعدم او تتشقق جدرانه ، في النهاية نجد دولتنا الموقرة ( خرّاع) تعمل كالاتي :-
١- قطاع الكهرباء ، بعد محاولات وصرف اموال طائلة من عام ( ٢٠٠٣ – ٢٠١٧ ) تدخل عالم الخصخصة وهي اعطاءها الى مستثمرين يجبون الاموال من المواطن بعد ان يوفروا الكهرباء تقدر بالمليارات الدولارات ، لانهم حسب تحليلهم :
أ- انهم عجزوا عن كبح الفساد فكلما ارادوا اصلاح شيء يفسد اكثر فكل لجنة تأتي لتقصي وتقصي الفساد تفسد اللجنة وتكون عالة على الشعب.
ب – ان المستثمر ( شركة ليس لها شرطة ولا امن ولا قوة ولاحول ) تستطيع ان تجبي الاموال وتنظم الكهرباء
ج – ستعين شركة الاستثمار موظفين مما يساهم في كبح البطالة
وهنا نسأل كيف دولة بتلك المؤسسات الضخمة تعجز عن الفساد وتقوم شركة برفعة !؟ والسؤال الاكثر غرابة كيف ترفع البطالة بالتعين وهي تحصد مليارلات؟ واذا كانت شركة الخصخصة تعين موظفين وتجبي وتصلح الاعطاب وتمد الكهرباء ، فما فائدة هذا الجيش العرمرم من موظفي الكهرباء هل يبقون في دوائرهم يتسامرون وبعدها يذهبون الى اهلهم وجيبوبهم مملوءة بالاموال ( الرواتب ) وكيف الدولة تستفاد من تأجير المستثمر وتأخذ منه الأموال الذي سيحصده من الشعب ؟
والسؤال الاهم من هذا كله : اذا كان النفط الذي هو ملك للشعب لم يوفر الكهرباء ولا التعليم ولا الصحة فاين حصة المواطن فيه !؟
بل الاغرب من خصخصة الكهرباء ، وفسادها التي تعتبر من الدوائر الغارقة بالوحل ، ما يقوم به البرلمان من نهب للشعب بحجة الخدمة الجهادية !؟
والعودة الى الكهرباء بسؤال غريب جدا ، اذا طبقت الخصخصة في الكهرباء – حسب ادعاء الدولة- فان الكهرباء تستقر ٢٤ ساعة ، فذا كانت هكذا يعني الدولة تقطع الكهرباء كي تمضي الخصخصة والكهرباء موجودة فعلا بالبلد ، واذا دافعت الدولة عن نفسها: ان الكهرباء غير موجودة والخصخصة سوف تجدها ! فالسؤال الخصخصة بناء محطات ام جباية ؟ واذا كانت بناء محطات فماهذه القوة التي تديرها وعجزت عنها الدولة بموسساتها، واذا كانت جباية تعود النقطة لبداية الحلقة ان الكهرباء موجودة والدولة تقطعها عن الشعب ، فلسفة الشيء الى اللاشيء وبالعكس ! مجرد شركات تبنيها الذوات السياسة واتباعهم ، امبراطورية المال والنفوذ، فقطاع الكهرباء الوحيد الذي يعاني من ثوب الدولة التي تلبسه منذ نشأتها كهيأة الى ان اصبحت وزارة ان الدولة مسؤولة عنها على الرغم من نشوء كابينات صغيرة مالية من الانفراد عنها أهلية لبعض المبيعات ثم كابينات التوليد ( الامبيرات ) الذي اسند في الاخير الى المواطن ! وتبرعت الدولة بدعم ( الكاز) الى المشغل.
فجميع الوزرات تقريبا انشغلت بالقطاع الرأسمالي حتى الداخلية والدفاع فقد استثمرت من خلال ( شركات امنية ) والصحة والتعليم والتعليم العالي ( الوزرات التي يفترض بمجانية تامة ) تشرذمت تحت اطار الرأسمالية من دون تنظيم للعلاقات كأن يكون الموظف الذي في الدولة – مثلا – لايمكن ان يعمل بها ، كي لايكون هناك خرقا بانظمة الدولة كالمعلم والمدرس يعمل في الصباح مع الدولة وفي المساء مع الرأسمالية ، والطبيب وو، والخلط يخلق تفاوت بالجعد فأما الموظف يصب جهده في الدولة او القطاع الخاص ( الرأسمالية) ويختار الطرف الثاني ، لانه استثمار شخصي وصاحبه لايمكن ان يجعله يهدر عكس الدولة التي باتت بها الرقابة شبه ميتة .
الرأسمالية اخذت مجراها بالعراق قانونيا ، واخذ التشريع يعطيها فرصة النمو اكثر من النظام الاشتراكي او الاسلامي او قطاع الدولة – ان صح التعبير- لكونها تمشي من دون هدف مرسوم لها تسير كي يسير به كل القطاعات .
من اكثر انتاج الرسمالية هي التشريعية وهي اكبر وسيلة قام بها السياسيون في الوقت الحاضر لنهب اموال الدول ، تحت اطار تشريع عام بحجة التعويضات التي نالها الساسة دون غيرهم وكأن المعركة كانت تخصهم وكأن الحرمان بات مختصر عليهم ، ولم يلتفتوا للشعب ، الذي اجبر على عمل عمله ، ولم يأخذ من البلد غير الكدح ، والنتيجة تلك التعويضات التي ارهقت البلد بالمليارات خصت شريحة الساسة من دون غيرهم وشرعوا لهم نمو مالي ورواتب فاقت اضاعف ما يعطيه البلد للشعب ، ورواتب برلمانية ومنح ووو الى ما لانهاية من السلب ، فأفرغت الدولة من ميزانيتها واصبحت مجرد نفوذ عوائل واحزاب ، ليغرق بارهاصات اجتماعية …
السؤال المحير ، الجندي الذي ضحى بحياته من اجل ايقاف سقوط بغداد من قبل همجية داعش ، ماذا اعطوه مقابل تضحيته ؟ والسؤال الاهم هل تساوي مع من ضحى في رفحاء ! والسؤال الاخطر هل توظف البديل عن ما قلب عليه ( نظام السابق) ممن يحملون رتبا كانت تتحكم بمقدرات الشعب ؟ او بالاحرى هل تساوى الذي تطوع للحشد الشعبي مع ما قدمت لهم من مدفوعات … اي كانوا .. لابخس في الشهادة فهي معيار صادق باي ظرف ان يجود الانسان بنفسه وهي غاية الجود ، لكن المعيار تعادل بالشهادة فلماذا لايتعادل بتكريم الشهيد ، المسألة واضحة ان المعيار الذي قاس به السياسيون وصوت عليه البرلمانيون وهي كلمة متبادلة لان بداخل البرلمان يسموا انفسهم برلمانيون وخارجه سياسيون ، المعيار الذي قاسوا به : هو الشهادة نفسها ، وقتها تلاعب بقيمتها اي الزمن صار يلعب بالميزان ليرفع كفه وينزل اخرى لان كفة من قاتل قوى الشر والظلام المتلبس بستار الدين والقومية والفئوية في زمننا هذا .. هو : إنه لايوجد بينهم ابناء واسر البرلمان او السياسة ! وإن وجدت فهي غاية الجود الذي بذله ولم يلتفت اليه البرلمان او الساسة بل ساقه المباديء وسيقت له الانفراد علو عائلته التي تحصد المزيد! لهذا اصبحت كفة الميزان مختلفة.
لقد رتب المشرع لنفسه قانون واصبحت السرقة ( مشرعنة ) متكونة من هرمية ذات قاعدة حزبية متعددة تنتهي الى لون واحد هو السلطة المتنفذة بالمال ، وان اختلفت الاحزاب بالايدلوجية او الدين او المذهب او القومية او الفلكلور ، بالنهاية القاسم مشترك ، فهم طاقي الرحى التي يدورها رأس الهرم ، والشعب هو حبة الحنطة التي لاتعلم لماذا وضعت بين الطاقين.
استثمار النفط وايجار الارض كله لايعود للشعب ، بل للسلطة الهرمية ، وقد وزعت الثروات على شكل استحقاق ورواتب جارية حتى بعد الموت ، وظل الشعب خادم لهذا الهرم الذي بدا واضحا لبعض الناس بينما اكثرهم بدأ بعبادة الهرم كإله يعطيه قوت يومه ويغدق عليه بالبقاء تحت سماء الوطن وفوق ارضها .
المعارضة للهرم هي داخل الهرم واحيانا تصبح الخيمة التي ترعاه وتمهد له العبادة ، بعد ان اخذ النفوذ واصبح الهدف واحد وان اختلفت الرؤية والطرق للوصول اليه ، فما تخرج معارضة الا ودخلت باطار الصورة التي رسمت لها من قبل الهرم وعلقت كلوحة تبهر الشعب لحين النهوض من غفلته ، ليبدأ برسم لوحة لنفسه ويبدأ الهرم بصنع الاطار ، في النهاية ينتظر بعضهم ان يكون قياسات الاطار الهرمي ضيقة فلاتنجح او كبيرة فيتخرج منه المعارضة ، او ضعيفة فتتهشم ، لذا يقود امل انتصار المعارضة يوما ، ويوما يطول الامل ان لاتصيح المعارضة هرما استبدايا اخر بل شعلة ثورة تقود للاصلاح والنجاح… حتى تكمل القصة بالعمل لا بالحكاية عن ابي وابي عن ابيه … وتنتهي رواية القاص بالعمل…
اللوحة رسمت سنة ١٩١٠م وعنوانها: القـاص ، بريشة الفنان الالماني لودفيغ كناوس

زر الذهاب إلى الأعلى