مقالات واراء

الإعلام وثقافة العنف

(3) فيسبوك

بقلم : غادة ممدوح / مدرس مساعد بكلية الأداب جامعة بنها

تعددت التعريفات العربية والأجنبية للعنف والعدوان وتوصلت جميعها إلى أن العنف سلوك يصدر من فرد ما تجاه الذات أو ضد شخص آخر، وقد يكون لفظيا بالسب والشتم والإهانة ويطلق عليه العنف المعنوي، أو جسديا بالضرب والركل وغيرها من الأفعال المادية وهذا هو العنف المادي، ويختلف تفسير العنف حسب تخصصات الباحثين في المجالات المختلفة فعلماء السياسة يعرفونه بطريقة تختلف عن علماء الاجتماع والنفس عن علماء الإعلام والسياسة، والبعض يرى أنه سلوك فطري أي أنه غريزي يرثه الإنسان نتيجة مجموعة من العوامل البيولوجية والفسيولوجية ومن ذلك نظرية فرويد في التحليل النفسي ، والبعض الآخر يرى أن العنف سلوك مكتسب يتعلمه الإنسان نتيجة الظروف البيئية المحيطة والتنشئة الاجتماعية والاختلاط بجماعات الأصدقاء والتعرض لمضامين وسائل الإعلام ومن ذلك نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا. وما بين هذين الاتجاهين ظهرت آراء تجمع بين العنف كسلوك فطري والبيئة المحيطة والتنشئة الاجتماعية وعُرف هذا الاتجاه باسم “الاتجاه السوسيولوجي” الذي يجمع بين النظريات النفسية والاجتماعية معا، وظهرت أيضا آراء تقول بأن العنف نتيجة إصابات في خلايا المخ.
دور الهرمونات الجنسية في السلوك العدواني:
أما تفسير العنف في البشر بيولوجيا فقد فسره البيولوجيون بشذوذ في التركيب الجيني أو التركيبة الوراثية، ففيما بين الستينيات والسبعينات من القرن العشرين جرت أبحاث مهمة عن تكوين الكروموسومات لدى ذكور المجرمين وإناثهم، والتكوين الجيني قد بات ثابتا ومعروفا منذ 1956 حيث إن مجموع الصفات الصبغية أو الكروموسومات لدى الإنسان يحتوي على 46 وحدة صبغية- كروموسوم- منها 22 زوجا متشابها تشابها كليا(وكل صبغ أو كروموسوم يحتوي على المئات بل الألوف مما يسمى بالأجنة أو المولدات المورثات) في حين أن الزوج الثالث والعشرين من هذه الصبغات أو الكرموسومات- وهو زوج الصبغيات أو الكروموسومات الجنسية(أي المرتبط بالجنس) يختلف في خلية الذكر عنه في خلية الأنثى فهو يتكون لدى المرأة من صبغين متشابهين وكلاهما(X) ويتكون لدى الرجل من صبغين مختلفين أحدهما(X) والآخر(Y)، وقد أثبتت الدراسات أن الأفراد الذين يتميزون بالعدوانية والذين اعتقلوا بسبب ارتكابهم شتى أنواع العنف تظهر لديهم في أغلب الأحيان حالات من الشذوذ في صبغتهم الجنسية فزيادة(X) واحدة أو اثنين قد تسبب تخلفا عقليا، ولكن زيادة(Y) واحدة قد يكون لها تأثير في الغرائز الإجرامية. وقد لوحظ بالفعل وجود نسبة كبيرة من صبغية(XYY)- وهي غير طبيعية- بين المجرمين ولذلك فقد حاول بعضهم الربط بين هذا الشذوذ وبين الميل إلى العنف والعدوان عند الذكر أو الأنثى. كما يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن هرمون الذكورة(الأندروجين) هو السبب المباشر لوقوع العنف بدرجات كبيرة بين الرجال وأن هذا الهرمون يفرز بنسبة عالية أوقات النهار مما يزيد من حدة الغضب لدى الشباب وينمي مشاعر الانفعال لديهم بينما ينخفض إفرازه في المساء. ويكشف السليماني وآخرون)١٩٩٩(عن دور هرمون “التسترون” الذي تفرزه الخصيتين وأثره الواضح على السلوك العدواني عند الإنسان وخاصة في بداية مرحلة المراهقة عند البلوغ حيث يصبح المراهقون أكثر هياجًا وعدوانًا مقارنة بالمراحل العمرية الأخرى للنمو وذلك بزيادة نسبة إفراز هذه المادة عند المراهقين.

أما العنف في وسائل الإعلام فقد بدأ الاهتمام به منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي وتوصل العلماء أن التليفزيون ليس العامل الوحيد في إثارة السلوك العدواني ولكنه عامل مساعد فثمة مجموعة من العوامل الفسيولوجية والبيولوجية والبيئية وراء تلك الظاهرة، وأنه هناك ثلاثة تأثيرات للعنف الذي يتعرض له المشاهدون في التليفزيون وهي: أنه يؤدي إلى تعلم وتقليد هذا السلوك العدواني، يقلل حساسية الأفراد تجاه العنف نتيجة تعود وتكرار التعرض له فيعمل على تبلد المشاعر والأحاسيس وعدم الاكتراث بعواقب العنف السلبية، وأخيرا فإنه يزيد من خوف الأفراد من أن يصبحوا ضحايا لهذا العنف. والعنف في التليفزيون له نوعين العنف الواقعي من خلال نشرات الأخبار والعنف الخيالي أو الترفيهي الذي نراه في المشاهد الدرامية من المسلسلات والأفلام، ونجد أن العنف الواقعي أشد خطورة على المشاهدين من الأطفال وخاصة المراهقين.

وقد دار الجدل والنقاش حول العلاقة بين العنف المعروض في الأفلام التي تعرض بالقنوات الفضائية والسلوك العدواني الناتج عن تلك المشاهدة في الحياة الواقعية، وتوصل أ.د/عدلي رضا أن ثمة ثلاثة مجموعات حددت تلك العلاقة: المجموعة الأولى ترى أن العنف له تأثير سلبي على الشباب واستند أصحاب هذا الرأي على نظرية التعلم الاجتماعي حيث أن المشاهد يتعلم السلوك العدواني من التليفزيون ويقوم بتقليده على الفور، أما المجموعة الثانية فترى أن العنف له تأثير إيجابي على الشباب فهو ينفس عن مشاعرهم المكبوتة (نظرية التنفيس والتدعيم)، أما المجموعة الثالثة فهي وسط بين الرأيين السابقين ويرى أصحابها أن مشاهد العنف في الأفلام ليست ضارة وليست مفيدة ولكنها لها تأثير ثانوي فليس كل الشباب يتأثرون بالعنف التليفزيوني وبنفس الطريقة ولكن الشاب الذي لديه ميول عدوانية مسبقة predispositions aggressiveness فإنه أكثر تأثرا من غيره بالعنف في الأفلام، وحدد العلماء- ومنهم “إيرون”- في ذلك مجموعة من العوامل التي يتوقف عليها ردود أفعال الأفراد عقب مشاهدتهم للعنف المتلفز منها: نوع العنف، جاذبية الشخصيات مرتكبة وضحايا العنف، واقعية العنف، العنف المبرر، العنف الذي لا يتم معاقبته ولا يتم إبراز العواقب السلبية الناتجة عنه من الألم والضرر الذي يلحق بضحاياه ومنها ما هو متعلق بجمهور المشاهدين، وفي هذا الشأن نرى ضرورة تكاتف كل الجهود الحكومة والمدنية والشعبية والقائمين على إعداد تلك البرامج في موجهة تلك الظاهرة التي تهدد أمن واستقرار شبابنا.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى