أهم الاخبار

حيرت قلبي

بقلم : د. محمد ابو العلا
حيرت قلبي معاك وأنا بداري واخبي قول لي أعمل إيه وياك ولا أعمل إيه ويا قلبي
بدي أشكيلك من نار حبي بدي أحكيلك ع اللي في قلبي، وأقولك ع اللي سهرني، وأقولك ع اللي بكاني، واصورلك ضنى روحي، وعزة نفسي مانعاني .
بهذا المذهب بدأ الشاعر العاشق أغنيته التي تتكلم عن الحيرة، والتي لحنها العملاق رياض السنباطي عام 1961، وقديماً كانت هناك قاعدة تقول” إذا أردت أن تتكلثم فتسنبط، وإذا أردت أن تتسنبط فترصد” أي إذا أردت أن تستمع إلى أم كلثوم فاستمع إلى الألحان التي لحنها لها رياض السنباطي، وإذا أردت أن تستمع إلى ألحان السنباطي فاستمع إلى تلك الأغنيات التي لحنها من مقام الرصد، وهذه إحدى الروائع التي غنتها أم كلثوم من مقام الرصد، وتظهر عظمة الشاعر رامي في انتقائه للفظٍ يدل على الاشتياق” بدي ” بدلاً من قوله نفسي أو عاوز، أو نحوها .
ثانياً ينتقل الملحن إلى الكوبليه الأول في صورةٍ لحنيةٍ بديعة تصور الكلمات: “يا قاسي بص في عنيا وشوف إيه انكتب فيها” بنبرةٍ حزينة، ” دي نظرة شوق وحنية، ودي دمعة بداريها”، لكنه عندما ينتقل لصورة حبيبه التي تستدعيها الذاكرة تتغير النبرة وذلك عندما يقول: ودا خيال بين الأجفان فضل معايا الليل كله، سهرني بين فكر وأشجان وفاتلي جوا العين ظله، وبين شوقي وحرماني وحيرتي ويا كتماني بدي أشكيلك من نار حبي بدي أحكيلك ع اللي في قلبي …… ، أما البعد اللحني المتميز فيزداد كلما تقدمنا في الأغنية فقرةً بعد فقرة، فها هو يظهر بجمالٍ رائع في الكوبليه الثاني في الصورة اللحنية للكلمات : ياما ليالي أنا وخيالي أفضل أصبر روحي بكلمة يوم قولتهالي، وهو يوصي أم كلثوم بالتكرار في المقطع السابق، حتى أنها تنطق بكلمة ياما ليالي بالمد الزائد ليدل على شدة وتكرار الحدث، ثم تنتقل إلى القول” وابات أفكر في اللي جرالك واللي جرالي، وأقول ماشفش الحيرة عليا لما بسلم ؟، ولا شفش يوم الشوق في عنيا راح يتكلم ؟، وهو حوار نفسي يحدث فيه الشاعر نفسه عن إحساس حبيبه عندما يراه، سؤالٌ استنكاري يجيبه الشاعر بنفسه عندما يقول” وارجع واسامحك تاني واحن لك والقاني بدي أشكيلك من نار حبي، بدي أحكيلك ع اللي في قلبي …….
وهنا تظهر مفاجآت السنباطي التي لا تنقطع في الكوبليه الأخير لكل أغنية، عندما يدخل بموسيقى هادئة للكلمات” خاصمتك بيني وبين روحي وصالحتك وخاصمتك تاني” ويكرر هذا المقطع ليفيد تكرار الحدث كلما فكر العاشق في الرحيل ، ثم يتابع ” واقول أبعد يصعب على روحي تطاوعني ليزيد حرماني”، وهنا تردد أم كلثوم هذا البيت بمزيدٍ من الأسى يوضح أهمية الحبيب بل وأهمية عدم استغنائها عنه، ولذلك دخل السنباطي باللحن الرائع للكلمات ” هفضل أحبك من غير ما اقولك ” مكرراً المقطع أكثر من مرة، ليقترب من شخصية المؤلف العاشق” أحمد رامي ” الذي يحب دون مقابل، حتى وإن كان المقابل تبادل الحب، إلا أنه هنا يكرر المقطع” هفضل أحبك من غير ما اقولك ” قبل أن تنطق بكلمة ” إيه اللي حير أفكاري ” ، كأنه يفيد التقرير لما سيحدث مستقبلاً، ثم تتغنى بها كاملةً ” هفضل أحبك من غير ما اقولك إيه اللي حير أفكاري” مكررة المقطع أكثر من مرة، وبعدها تتابع ” لحد ما قلبك يوم يدلك على هوايا المتداري” أي أنه لن يمل من تكرار الحب من طرفٍ واحد حتى تحس محبوبته !، ولذلك ينهي الأغنية بخلاف ما كان يختم به كل كوبليه، فيقول” ولما يرحمني قلبك ويبان لعيني هواك، وتنادي ع اللي انشغل بك وروحي تسمع نداك ” وهو المقطع التي تكرره أم كلثوم بفرحٍ كأنها تنتظر تلك اللحظة السعيدة، وهنا لم يقل بدي أشكيلك، لأن إرادة الشكوى قد انتهت، وإنما يقول” أرضى أشكيلك من نار حبي، وأبقى أحكيلك ع اللي في قلبي، واقول يا قلبي ليه تخبي، وليه يا نفسي مانعاني” هي حيرة لمن يحب دون أن يستطيع البوح لمن أحب، لايصورها إلا رامي ولا يصورها لحناً إلا السنباطي .

Screenshot_16

زر الذهاب إلى الأعلى