الأدب و الأدباء

هل نحن حقا.. ( شعب متدين؟)

بقلم : طارق فريد.. كاتب وشاعر

نغمة توارثناها عبر الاجيال منذ ان كنا بالفعل شعبا متدينا وليس المقصد هنا بالتدين اقامة الصلوات والعبادات فهذا امر بينك وبين ربك وحتى لا ينحرف فكر البعض بعيدا فانا اتحدث هنا عن الدين المعاملة الدين السلوك والقيم الاخلاقية والعادات والتقاليد المستمدة من ديننا الحنيف وسيرة رسولنا الكريم. والباحث في هذا الامر يلحظ انحدارا جارفا في اخلاقيتنا وسلوكياتنا نحو الهاوية من خلال الشارع المصري وحتى لا نعمم اود ان انوه ان العاطفة الدينية كانت لدى المصريين اقوى دائما من العاطفة الوطنية وكان رجال الازهر في وقت ما يتسيدون المجتمع وزمرة المتعلمين في هذا البلد فكانت لهم الكلمة العليا في البلاد وظهر ذلك في الفترات الاولي لحكم العثمانيين الاتراك وعند توليه محمد علي حكم البلاد فقد اختاره المصريون ليكون حاكما عليهم وتحت شروط رجال الدين في ذلك الوقت لكنه ما ان استمسك بكرسي الحكم سارع بالتخلص من رجال الازهر والزعامة الشعبية .وفي مجتمعنا الان تتجه الانظار لتحسين صورة الخطاب الديني بحجة مساهمته في صناعة الارهاب وهو امر يحتاج الي تدقيق فلا دين للارهاب فالارهابي شخص مأجور ومنتفع .. حتى انه اصبح من يدعو للاصلاح وفق المنظور الديني يتهم بانه ارهابيا فقد تلاحم الهلال مع الصليب في ثورة 1919 ولم يكن هناك ارهابا وتبادل رجال الدين الاسلامي والمسيحي الزيارات بين المساجد والكنائس فكان المجتمع نسيجا واحدا تربطه علاقة الاخوة والتسامح يجسدها وقتها علاقتنا بجيراننا سواء اقباط او مسلمين فكنت تجد المسلم بالكنيسة يبارك ويهنأ بزواج صديقه او جاره القبطي والعكس صحيح وهكذا كانت شوارعنا تسودها روح الشهامة والرجولة ولعلك عشت هذه الايام عندما كنا نلعب الكرة صغارا وعندما نري بنت الجيران او اي امراة او كهلا عجوزا يمر بساحة اللعب يصيح احدنا ( وقف اللعب ) حتى يمر العابر اي من كان , لكنك اليوم ترى وتسمع سب الدين وابشع الالفاظ القذرة والمشاجرات بين البلطجيه والعربجية وحتى وانت تقود سيارتك ممكن جدا ان تندفع سيارة نحوك وتصدمك او تلتصق مقدمتها بمؤخرة سيارتك فقديما كنا نرى لوحات تشير ان القيادة فن وذوق واخلاق لكنها اليوم في شوارعنا بلطجة وقلة ادب وخناق . لقد تحول الشارع المصري الي بؤرة من الفساد تعبر عن حال هذا المجتمع الفاسد في ظل غياب تام لدور الدولة ورجال الدين والاعلام والتعليم في السيطرة على قيم هذا الشعب التي ذهبت مع مطلع ثمانيات القرن الماضي فتاهت قيمنا واخلاقنا وامالنا وطموحتنا بين الانفتاح والاستثمار وبين فساد حكامنا ومنظومة الدولة النفعية لذوي المصالح العليا , وألحق بنا سوء الادارة ضررا بالغا امتد الي الاسرة المصرية من خلال مدراسها واعلامها وفنانيها ومثقفيها .. ان شعبا يدعي التدين كما يدعي اعلامه لا يأتي بمثل هذه السلوكيات المقززة في شوارعنا كبارا وصغارا كما ان فكرة لصق تهمة الارهاب وربطها بالدين تعد امرا خطيرا للغاية ومستفزا لاصحاب العقيدة السليمة وهي تشير في حقيقة الامر الي انحراف المؤسسات الدينية عن هدف وغاية وجودها لانشغالها بامور السياسة والحكم منذ اواخر القرن الماضي فلو ان قوة الدولة حاضرة ماتسلل هؤلاء المتطرفون الي اراضينا وما انساق ورائهم مجموعة ضاله من الشباب غايتها البحث عن وظيفة او حياة كريمة وعادلة فشيوع البطالة والرشوة وغياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد والعهر الاجتماعي والاعلامي يقود حتما الي مزيد من الضغينة والكراهية لاصحاب النفوذ وهذا مايقود هؤلاء مباشرة الي الارتكاز على حجج دينية مبعثرة من هنا وهناك لتبرير حجتهم في مناهضة اشكال الحكم وهو مايصل بهم الي مايعرف بالاسلام السياسي الذي ينتهي بالتطرف والارهاب . من هنا ايضا نجد غياب الوسطية في المجتمع فشريحة كبري منه تعج فسادا تنتهج نهج قطاع الطرق وقانون الغاب وتفرض لغة القوة والبلطجة على من تراه مناسبا لاكتساب قوت يومها حراما او حلالا ، وشريحة اخرى هدامة ايضا بافكارها وسموم معتقداتها لكنها ساكنة لا تظهر عنفا وتتستر وراء ظواهر دينية براقة تتكسب من وراءها بشكل او باخر اما المعتدلون الوسطيون فهم متفرجون لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون سوي دعاؤهم حسبي الله ونعم الوكيل ..

ان شعبا كهذا لا يمكن ان نصفه بالتدين على الاطلاق ..

فصلاتك وارتدائك لملبس التقوى وكبر لحيتك ليس دليلا على تدينك فكم من فاسد يتخفي وراء ثوب الدين وانما سلوكك ومعاملتك وقيمك واخلاقك وعلاقتك بالاخر اكثر مصداقية لمن حولك لتعبر عنك اذا كنت صالحا تعمل بما أمرك به ربك ام انك من اصحاب الرياء المنافقين والمنتفعين…

( طارق فريد)

زر الذهاب إلى الأعلى