الاسلاميات

السيرة البنوية فى ضوء القران والسنة ج43 بقلم الشيخ موسى الهلالى

مكة تتلقى نبأ الهزيمة:
فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة، تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف يدخلونها خجلا.
قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سماهم. فلما أخذ يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر: والله إن يعقل هذا، فاسألوه عني، قالوا: ما فعل صفوان بن أمية قال: ها هو ذا جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
وقال أبو رافع- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم-: كنت غلاما للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، وكنت رجلا ضعيفا أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فو الله إني لجالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، حتى جلس على طنب الحجرة «2» ، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب: هلم إلي، فعندك لعمري الخبر، قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه. فقال: يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا
__________
(1) متفق عليه، مشكاة المصابيح 2/ 345 [ط. دار الفكر] .
(2) طنب الحجرة: طرفها.

كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق «1» شيئا، ولا يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة. قال:
فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني فضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته، فضربته به ضربة فعلت في رأسه شجة منكرة، وقالت: إستضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته [وهي قرحة تتشاءم بها العرب، فتركه بنوه، وبقي ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه] .
هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، وقد أثر ذلك فيهم أثرا سيئا جدا، حتى منعوا النياحة على القتلى، لئلا يشمت بهم المسلمون.
ومن الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، وكان يحب أن يبكي عليهم، وكان ضرير البصر، فسمع ليلا صوت نائحة، فبعث غلامه، وقال: انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة- ابنه- فإن جوفي قد احترق، فرجع الغلام وقال: إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته، فلم يتمالك الأسود نفسه وقال:
أتبكي أن يضل لها بعير … ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن … على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص … ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكي إن بكيت على عقيل … وبكي حارثا أسد الأسود
وبكيهم، ولا تسمي جميعا … وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال … ولولا يوم بدر لم يسودوا

المدينة تتلقى أنباء النصر:
ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرين إلى أهل المدينة، ليعجل لهم
__________
(1) لا تبقي شيئا.

البشرى، أرسل عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرا إلى أهل السافلة.
وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى أنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبا القصواء- ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فلّا «1» .
فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلمين، فعمت البهجة والسرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلا وتكبيرا، وتقدم رؤوس المسلمين- الذين كانوا بالمدينة- إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الفتح المبين.
قال أسامة بن زيد: أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.

الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة:
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام، وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا، ثم نزل الوحي بحل هذه المشكلة.
عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشهدت معه بدرا فالتقى الناس، فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها، وليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم أحق بها منا، نحن نحينا منها العدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال: 1] فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين «2» .
__________
(1) فلا: منهزما.
(2) أخرجه أحمد 5/ 323، 324، والحاكم 2/ 326.

وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه الأسارى من المشركين، واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل عليه عبد الله بن كعب، فلما خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء، بعد أن أخذ منها الخمس.
وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث- وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أكابر مجرمي قريش، ومن أشد الناس كيدا للإسلام، وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم- فضرب عنقه علي بن أبي طالب.
ولما وصل إلى عرق الظبية أمر بقتل عقبة بن أبي معيط، وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان ألقى سلا جزور على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه، وكاد يقتله لولا أن يعترض أبو بكر رضي الله عنه، فلما أمر بقتله قال: من للصبية يا محمد؟ قال: النار «1» . قتله عاصم بن ثابت الأنصاري. ويقال علي بن أبي طالب.
وكان قتل هذين الطاغيتين واجبا من حيث وجهة الحرب، فلم يكونا من الأسارى فحسب، بل كانا من مجرمي الحرب بالإصطلاح الحديث.

وفود التهنئة:
ولما وصل إلى الروحاء لقيه رؤوس المسلمين- الذي كانوا قد خرجوا للتهنئة والإستقبال حين سمعوا بشارة الفتح من الرسولين- يهنئونه بالفتح. وحينئذ قال لهم سلمة بن سلامة: ما الذي تهنئوننا به؟ فو الله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «يا ابن أخي أولئك الملأ» .
وقال أسيد بن حضير: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت» .
ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مظفرا منصورا، قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها. فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أبي وأصحابه في الإسلام ظاهرا.
__________
(1) روى ذلك أصحاب الصحاح، انظر سنن أبي داود مع حاشيته …

وقدم الأسارى بعد بلوغه المدينة بيوم، فقسمهم على أصحابه، وأوصى بهم خيرا، فكان الصحابة يأكلون التمر، ويقدمون لأسرائهم الخبز عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قضية الأسارى:
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر:
يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهداهم الله، فيكونوا لنا عضدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر- وهما يبكيان- فقلت يا رسول الله أخبرني ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للذي عرض عليّ أصحابك: من أخذهم الفداء، فقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة- شجرة قريبة- «1» » .
وأنزل الله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 67، 68] .
والكتاب الذي سبق من الله هو قوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: 4] ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسارى ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا أكابر مجرمي الحرب الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم، ولا يكون الحكم في الغالب إلا بالإعدام أو بالحبس حتى الموت.
واستقر الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف
__________
(1) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 36.

درهم، إلى ثلاثة آلاف درهم، إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء.
ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة من الأسارى، فأطلقهم بغير فداء، منهم: المطلب بن حنطب، وصيفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجمحي، وهو الذي قتله أسرا في أحد، وسيأتي.
ومنّ على ختنه أبي العاص بشرط أن يخلي سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب، فخلاها، فهاجرت، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، فقال: «كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها» فخرجا حتى رجعا بها، وقصة هجرتها طويلة مؤلمة.
وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيبا مصقعا، فقال عمر: يا رسول الله، أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو يدلع لسانه، فلا يقوم خطيبا عليك في موطن أبدا، بيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض هذا الطلب، إحترازا عن المثلة، وعن بطش الله يوم القيامة.
وخرج سعد بن النعمان معتمرا فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد.

القرآن يتحدث حول موضوع المعركة:
وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي- إن صح هذا التعبير- على هذه المعركة، يختلف كثيرا عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح.
إن الله تعالى لفت أنظار المسلمين- أولا- إلى التقصيرات والتقاريظ الأخلاقية التي كانت قد بقيت فيهم، وصدرت بعضها منهم، ليسعوا في تكميل نفوسهم وتزكيتها عن هذه التقاريظ.
ثم ثنى بما كان في هذا الفتح من تأييد الله وعونه ونصره بالغيب للمسلمين. ذكر لهم

ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم وبسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء، بل ليتوكلوا على الله ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصلاة والسلام.
ثم بين لهم الأهداف والأغراض النبيلة التي خاض الرسول صلى الله عليه وسلم لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، ودلهم على الصفات والأخلاق التي تسببت في الفتوح وفي المعارك.
ثم خاطب المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، وعظهم موعظة بليغة، تهداهم إلى الإستسلام للحق والتقيد به.
ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، قنّن لهم مبادئ وأسس هذه المسألة.
ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، ويقوم لهم التفوق في الأخلاق والقيم والمثل، ويتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظرية، بل إنه يثقف أهله عمليا على الأسس والمبادئ التي يدعو إليها.
ثم قرر بنودا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها.
وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة الآخرى، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الآخرى، تخفيفا لكثير من الأوزار التي يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين، الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضربا في الأرض.
ومن أحسن المواقع وأروع الصدفات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ. إثر الفتح المبين الذي حصلوا عليه في غزوة بدر، فما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به الله بعد أن توج هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى الله، وحنينا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أولاهم من النعم، وأيدهم به من النصر، وذكرهم بذلك قائلا: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال: 26] .

زر الذهاب إلى الأعلى