اسليدرالأدب و الأدباء

الأديب الشاعر رمضان بر يكتب ” الرَّاحِلَة “

لَم أَرَاه مُنْذُ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ حَاوَلَت التَّوَاصُل مَعَهُ دُونَ جدوي شَغَلَنِي غِيَابِه فَهُوَ لَمْ يَتَعَوَّدْ أَنْ يَغِيبَ عَنِّي كُنَّا سَوِيًّا مُتَلَازِمَيْن لَا يفرقنا شَئ
وَالْآن أَرَاه آتِيًا نَحْوِي عَلِيّ إسْتِحْيَاء أُرِي فِي وَجْهِهِ وُجُوم وَحِيرَة وَحَزِن شَدِيدٌ تَوَجَّهَت نَحْوَه لاستقبله وَمَدَدْت يَدِي أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ ارتمي فِي أحضاني وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلِيّ كَتِفِي
وَأَخَذ يَبْكِي بكائا شَدِيدًا يَرْتَعِد جَسَدِه حَاوَلَت تهدأته وَلَكِنَّه اسْتَمَرَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ عَشَرَةِ دَقَائِق عَلَيَّ هَذَا الْحَالِ مَرَّت فِيهِم بذاكرتي كُلّ ذكرياتي مَعَهُ كُلَّ آرَائِه وشخصيته وَأَنَّه رَجُلٌ صَلْبٌ لَم يَبْكِي فِي حَيَاتِهِ إلَّا عِنْدَ وَفَاةِ وَالِدَتَه وَقَدْ كَانَ يُعِير الْبَاكِين مِنْ الرِّجَالِ .
مَا بِهِ مَا الَّذِي وَصَلَ بِهِ إِلَيَّ هَذَا الْحَدِّ مِنْ الْحُزْنِ .
هَدّء بَعْض الشئ وَلَمْ أَشْعُرْ أَنِّي كُنْتُ أَحْمِلُه إلَّا أَنْ أَجْلَسَتْه عَلِيّ الْكُرْسِيّ الْمُقَابِل لِي فشعرت بِمُدَّي ثِقَلِهِ الَّذِي كَانَ فَوْقَ كَتِفِي .
أَعْطَيْته مَنَادِيل وَرُقَيّة لِيُجَفِّف دُمُوعُه وَأُخِذَت اجففها مَعَه نَاوَلَتْه كُوبا مِنْ الْمَاءِ وَجَلَسَت عَلِيّ كُرْسِيّ مُقَابِلٌ لَهُ .
ثُمّ أَحْضَرَتْ لَهُ كُوبا مِنْ عَصِيرِ بَارِد .

لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَمَا الَّذِي أَوْصَلَه إلَيَّ هَذِهِ الدَّرَجَةُ وَلَكِنِّي أَخَذَت أَحْكِي كَثِيرًا مِنْ الذِّكْرَيَات الَّتِي جَمَعْتَنَا بَعْضِهَا خَفِيفَ الظِّلِّ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ الَّذِينَ جَمَعْتَنَا بِهِم مَوَاقِف مُضْحِكَة اِبْتَسَم قَلِيلًا وَقَالَ كعادتك لاَبُدّ وَأَنْ تَأْخُذَ رَأْسِي بَعِيدًا عَنْ أحْزَانِي وَلَكِنِّي هَذِهِ الْمَرَّةِ حَمْلِي ثَقِيلٌ والمي شَدِيدٌ . حَاوَلْت أَنْ أَشْعَرَه بِعَدَم اهتمامي وَاسْتَطْرَدْت فِي حَدِيثَيْ

وتنقلت بَيْنَ الْأَحْدَاثِ وَذَكَرْته بصديقنا الَّذِي فَقَدَ ابْنَهُ وَالْآخَر الَّذِي خَسِر تِجَارَتِه وَمَنْ فَقَدَ زَوْجَتِه وَمَن شُلَّت قَدَمَاه وَمَنْ حُبِسَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيَّ وَيَقُول لَوْ احْتَمَلَت هَذَا الْأَلَم مَا كُنْت أَتَيْتك .
أَغْلَق عَلِيًّا كُلِّ الْأَبْوَابِ إلَّا أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَأَسْمَعَه .

فَقَالَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي مُنْذُ سِنِينَ اِبْحَثْ عَنْ إمْرَأَةٍ بخيالي قَد رسِمَت كُلّ تفصيلاتها وَقَد أَعْيَانِي الْبَحْث كَثِيرًا هَزَزْت رَأْسِي مَعَ إشَارَةٍ التَّصْدِيق وَإِنِّي أَسْمَعْه

فاستطرد وَإِنِّي قَدْ وَجَدْتهَا وَجَدْت كُلَّ شَيِّ كَانَ فِي خَيَّالِيٌّ عَنْ الْحُبِّ وَالْعِشْق فِيهَا وَقَدْ تَأَلَّفَت أَرْوَاحَنَا وافكارنا وانتشت قُلُوبِنَا شَعَرْتُ أنِّي وَجَدْت نَفْسِي وَجَدْت كُلَّ أَحْلاَمِي فَقُلْتُ هَذَا جَمِيل وَشْئ مُفَرِّح قَال بِالْفِعْل عِشْتُ فِي سَعَادَة مَا بَعْدَهَا سَعَادَة كُنْت انتظرها . اتلهفها . تنتظرني وتتلهفني كَانَتْ تَقُولُ لَا حَيَاةَ دُونَك لَا شَيّ قَبْلَك وَلَا شَيّ بَعْدَك .

حَتَّي أَتَتْنِي مُنْذُ أَيَّامِ لَتُخْبِرَنِّي أَنَّهَا رَاحِلَة فَلَا وُجُودَ لَهَا مَعِي وَلَا يُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَنْ تبْقِي . حَاوَلَت كَثِيرًا إقناعها .

ذَكَرْتهَا بِكُلّ شَيّ حَتَّي إنَّنِي أَخْبَرَتْهَا عَنْ حَالِي بَعْدَهَا وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لَا يهمني الْيَوْمَ إلَّا نَفْسِي
قابلتها قَبْلَ أَنْ آتِيَ إلَيْك لأحاول مَعَهَا أَنْ تبْقِي وَلَكِنَّهَا أَصَرَّت عَلِيّ الرَّحِيل لَم أَوْدَعَهَا وَلَمْ أَنْظُرْ فِي عَيْنَيْهَا وَلَمْ أَقُلْ كلمة.

دَخَلَتْ فِي شَرْنَقَة من صمْت رَهِيب وَجنُون مَاذَا حَدَثَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا .
سَكَت وَأَخَذ يَبْكِي مُجَدَّدًا وَلَكِنِّي ضَحِكْت وَقُمْت لأطيب خَاطِرِه واؤكد لَهُ أَنَّهُ حَقًّا أَحَبّ وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ مِنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْبُكَاءُ عُدْ إلَيَّ نَفْسِك وَالِي صلابتك الَّتِي عاهدتها واتمني إلَّا تَغَيَّبَ عَنِّي مَرَّةً ثَانِيَةً اِبْتَسَم ابتسامته الْمَعْهُودَةِ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ الرِّضَا مَمْزُوجَة بِحُزْنٍ وَأَلَمٍ وَاسْتَأْذَن حَتَّي يلْقِي بَعْض الرَّاحَة وَبَعْض النَّوْم
ودعته وكلي الم ولم يهدء تفكيري الهذه الدرجة احب؟ ايوجد في هذا الزمان مثل هذا الحب؟ الذي يبكي رجل صلب مثل هذا اهناك إمرأة بهذه القسوة؟
ايمكن ان تكن هي الاخري احبته ولسبب ما هجرت؟ ام انها من البداية لم تحب ؟
كلها اسألة لم اجد لها إجابة في نفسي
ولكن هل عذرته ام انني شعرت بمدي ضعفه ؟
ايعقل ان يكون الحب الحقيقي بهذه القسوة
بهذا الالم في الهجر؟

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى