الأدب و الأدباء

خمسُ بناتٍ

بقلم… هاجر أبو شعيشع

خمسُ بناتٍ كُنَّ هناك يضعنَ مرافقَهنَّ على سياجِ النَّافذةِ ويستندن بذقونهنّ على راحاتِهنَّ المبسوطة وينتظرنَ طائرَ الحُبَّ أن يحطَّ على الشّباك (الأولى) بنتٌ في السّابعة عشرةَ ما زالت تتحسَّسُ بباطنِ قدمَيها عتبةَ الأنوثة ويتفجّرُ فيها ينبوعٌ كُلَّ يومٍ فتشهقُ روحُها دهشةً وذهولا هذا ينبوعُ المَيل وآخرُ كانَ للأسئلة وثالثٌ كانَ للفضول ورابعٌ وخامسٌ، وعشرون ويا ألفَ رحمةٍ ونورٍ على غرقِكَ إذا كانتْ مشاعرُكَ ينابيع (الثّانيةُ) بنتٌ ما زالتْ تحتفظُ بدُميتِها الصغيرة تترقَّبُ الوقتَ المُناسبَ لتدخلَ جنَّةَ الأُمومةِ من بوابّةِ الحُب ويلدغُها عقربُ السَّاعةِ فيُوقظُ ما يغفو من ترقُّبِها على أريكةِ الانشغال لتضعَ جانبًا كُلَّ ما تزعمُ من تحقيقِ الذَّاتِ وبناءِ الكيان إلى ولادةِ ذاتٍ وبناءِ بَيت (الثّالثة) بنتٌ لم تخلَعْ بعدُ فستانَ رعونتِها القديمة ما زالتْ تُغافِلُ أُمَّها وتصبغُ شفتَيها بأحمرِ كُرةِ العَلَك وتُخبِّئُ في حقيبتِها المدرسيَّةِ مرآةً صغيرةً لتُغازلَ صباحةَ وجهِها فيها بينَ حصَّتي الرِّياضيَّاتِ والكيمياء وتتبخترُ كُلَّما زارتْ خالتَها في كعبِ حذائها العالي تُريدُ أن تتزوَّجَ لتُواعِدَ زوجَها سِرًّا وتُهاتِفَه بهمسٍ من تحتِ اللحافِ بعدَ مُنتصَفِ الليل وتُبالغَ في خفضِ صوتِها كي لا تسمعَها أُمُّها وهي تحكي لأُختَيها مُخبَّأةً وجهَها بينَ كفَّيها أنَّه -ويالَلهَولِ- أمسكَ يدَها وهما يعبُران الطَّريق إنَّه لمِنَ المَعروفِ أنَّ الزَّواجَ هو كُلُّ تلكَ الإثارةِ وارتكابِ المحظورات! (الرابعةُ) بنتٌ مُثقَّفةٌ تعقصُ شَعرَها بقلمٍ وتتوعَّدُ بآخرَ وتلبسُ عُويناتٍ لضعفِ النَّظر وتحملُ في يدِها اليُسرى ديوانَ شعرٍ أينما ذهبت وتغزلُ حكاياتٍ عن التاريخِ المَهجورِ والجُغرافيا الضَّائعة وتقرأُ الأدبَ والسّياسةَ والتربيةَ تقولُ: “ليأتِ الحُبُّ على مَهلِه أو ليذهبْ إلى جحيمِ الحرب سيجدُنا هُناك”! (الخامسةُ) بنتٌ رقيقةٌ كنسمةِ صيف هادئةٌ كليلةٍ أعلى جبل تؤمِنُ بالحُبِّ حدَّ التطرُّف وترى الزواجَ التحامًا التصاقًا بشكلٍ مؤلمٍ يُصبحُ معهُ الفراقُ عمليّةَ بَترٍ دونَ مُخدِّر تتحسَّسُ قلبَها كُلَّ مساء تجسُّه تتسمَّعُ نَبضَه: “ليسَ فيه أحد” تُمسِكُه بيدِها تُقلِّبُه شمالا ويمينًا تقلبُه وتنفضُه: “لم ينزلْ منه شيء” تخافُ، تتوجَّسُ، وفي أشدِّ لحظاتِها يأسًا تقول: “هذا قلبٌ لا يعمَلْ لم يلتقطْ أحدًا رغمَ كثرةَ المارّين”! — خمسُ بناتٍ يتَّكِئن على سياجِ النَّافذة خمسُ بناتٍ -دونَ ترتيبٍ- كُلُّهنَّ أنا! كُلُّهنَّ أنا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى