الأدب و الأدباء

فيما قالت العرافة

كانت فرحتى مبتورة في ذلك اليوم تائهة الذهن أنا .. مضطربة التفكير مشوشة المشاعر رغم أننى أمسك عقد بيتنا إلا أننى لم أجد تلك البهجة فى نفسى ، مشغولا هو بجمع الاغراض لنقلها إلى المنزل الجديد لم يلتفت لذلك الوجوم الذى لفنى.. أنزويت فى ركن بعيد أرقب الاشياء وهى تحمل على عربات النقل ..قطع الأثاث التى انتقيتها بحب لتشغل مكانها وتحمل معها أحلى ذكرياتنا فى تلك السنوات الثلاث الماضية من حياتنا. ( عتبة جديدة ) هكذا قالت ، مضى وقت منذ قابلتها صدفة فى تلك الاستراحة قبل سفرنا لقضاء شهر العسل . عبائتها الطويلة وعيناها الواسعتان وشعرها الغجرى الذى تبدو أطرافه فقط من تحت وشاحها ووجه لوحته الشمس أكدوا لى اننى أمام إحدى ضاربات الودع ، ( ابين زين واشوف الودع ) وجدت فى نفسى بهجة وفضول عارم حين مرت امامى ، كشئ من التسلية ناديتها دون أن أدرى أن كلماتها ستغير مجرى حياتى يوما .. اقتربت فى ثقة وفردت منديلها وأخرجت تلك الصدفات من شئ كانت تحمله أقرب إلى الجوال . من بين ضحكاتى أمسكت تلك الصدفات لـ ( أوشوشهم ) دون أن أدرى ماذا أقول له أعطيتهم لها وأنا أغالب ضحكاتى ، لم تتضايق منى وكأنها كانت تتوقع ذلك أو ربما تعرف أننى لم أناديها إلا للتسلية واننى لا أصدق شئ مما تقوله ، هكذا أخذت منى الصدف وتمتمت ببعض كلمات وألقت بهم فى حرص وأشارت بأصبعها بينهما واخذت تنظر لى ( بيحبك وبتحبيه وجاكى كتير وما رضيتى غير بيه ) ابتسمت وأنا أومأ برأسى ، لم أتعجب إن كانت خمنت أنني عروس جديدة وفى كل حال ما كنت لأوافق عليه إلا لو كنت أحببته . ( سكة سفر مش طويلة وعتبة جديدة بس عيونها كتيرة ) لم أفهم كلماتها ، أعرف سكة السفر فلم يكن من الصعب أن تخمن أننا في سفر خاصة فى تلك الاستراحة ولكن بقية كلماتها !! قالت مفسرة أن من يرقبنا فى سفرنا كثيرون ، ابتسمت ودعوتها لتكمل كلماتها ( رزقك كتير بس حظك فى الخلفة قليل ، عيلين بالعين مبللين وعمرهم فى الدنيا قليل ) تحمست حين لمحته وتقطيبة خفيفة متعجبة تعلو جبهته ، سحبته من يده ليجلس إلى جوارى ليستمع لها ، أبدى اعتراضا فى البداية أن يشاركني الأمر واعتقاده انها دجالة ؛ اخبرته أننا نتسلى لا اعتقادا أو تصديق ؛اجابته هى أنها لا تدعى معرفة الغيب وإنها فقط تقول ما تحسه وما يباح لها أن تعرفه أو تراه وإنها قد تصدق أو لا ، أخبرها فى حدة أنها قد تصدف . ألححت عليه أن يترك ذلك الآن ويدعنا نستمع من باب الدعابة ، جلس على مضض وعلى سبيل التكذيب أخذ الصدف من بين يديها ثم همس بجوارهم فى استخفاف واعطاهم لها ، فى نفس جديتها ألقتهم ولكنها أطالت النظر بينهم تلك المرة وأتخذت ملامحها حدة أكثر واستأذنتنا إن كانت تبيح بقول ما تراه فأشار لها فى لامبالاة أن تتكلم ( من دمك ، تريدك وما تريدها ، بالحب مكوية ومن قلبك منسية لك منك ذرية ذكرين ونتية ) . لم يبد أنه أعطى اهتمام لكلامها بينما كنت بدأت أنا في التفكير فيه وعدت أتذكر كلماتها عن خلفتى ، سألتها في جدية .. ترددت قبل أن تجيبني بأنني سأحمل مرتين ولكن لن يتم حملي ولن أرزق بأولاد غيرهم ثم استدارت إليه لتكمل بقية كلامها بأنه سيتزوج من أخرى لينجب منها ولدين وبنت ، ازدادت التقطيبة على وجهه ووقف لينهى ذلك الجدال كله . أفقت على هزة خفيفة من يده ، سألني مندهشا فيما كنت أفكر ، نفضت رأسي أؤكد له أنه لا شئ مهم ، أخبرتني أنه تم نقل الأثاث وعلينا ترك المنزل ، بخطى مترددة خطيت خارج المنزل وإن خانتني نظراتي وأخذت تودع المكان خلفي . شئ غريب يعتمل فى صدري منذ ارتحلنا إلى منزلنا الجديد … كل شئ هنا يخيفني ولكن مم لا أدرى … نظرات شكي تحاوطه دون داع ، أحبه كثيرا ولكن شيئا خفيا يدفعنى لمحاصرة أنفاسه .. مراقبة حركاته ، أشعر بشبح الخيانة يتراقص أمام مخيلتى طوال الوقت .. أعرف أنه حقا بدأ السأم ولكنى لا أستطيع كبح جماح نفسى .. حين جاءت قريبته تلك من سفرها لتبارك لنا على شقتنا الجديدة ، نيران يقظة اشتعلت فى ، كنت كقطة شرسة على استعداد أن انشب أظافرى فى الجميع وكأنهم جميعهم يبادرونى العداء ، أندم على تصرفاتى تلك ولكن ما تلبث أن تتكرر حتى ذلك اليوم ، كانت القطيعة الكبرى بيننا ، لم أتمالك نفسى .. دون سبب طردتها من بيتى ، وسط ذهوله لم يدر ماذا يفعل ؟! ولكننى أصررت ، رحلت فى هدوء وكأنها تفهمت الأمر ولكنه هو لم يتفهم غيرتى تلك اندلعت لتحرق كل الأشياء وأولها أنا . شيء في كلام العرافة مازال يدق في رأسي ..ينذرني انه على وشك الزواج بأخرى بحثا عن الإنجاب خاصة وأننى حملت مرتين ودون سبب أفقد الجنين قبل أن يمتزج دمه بدمى ، ثلاث سنوات ليست مدة طويلة ولكنها أيضا ليست قصيرة للحد الذى يجعلنى اتجاهلها خاصة عندما أرى ارتباطه الشديد بابن أخيه والذى لم يتجاوز العام ، أشعر برغبته التى يخفيها عنى مراعاة لى .. سكوته يخنقني … يترائى لى شبح الأخرى قريب منى .. ولكن من هى ، كثيرات محل الشك أمامى حتى ظهرت ابنة عمهم تلك وكان الخلاف الأكبر منذ زواجنا والذى قطع كل سبل الوصل بيننا . مضت سنوات بعدها ، لم يتزوج من قريبته تلك أو غيرها ،فبعد انفصالنا سافر للخارج وكانت رحلة النهاية والتي لم يعد منها أبدا. لو استطيع فقط رؤيته ، لو أستطيع الاعتذار لندمت عمرى على ما كان منى ، على حماقتى وغبائى وفقدانى له .. لو كنت أعلم أن العمر قصير هكذا ما كنت فوت لحظة إلا وعشتها بقربه ولكنه القدر الذى أوقف تلك العرافة فى طريقى وحماقاتها والتى صدف منها القليل فأصابنى الجنون وفقدته فى لحظة غباء لن يكفى العمر للندم عليها الآن ، كذب المنجمون ولو صدفوا ، أه لو فهمتها من قبل ولكن الآن لا يجدى ، سأظل هكذا مكانى أنا والندم متلازمان ، فقط لو أستطيع الاعتذار ولكن ….

بقلم ولاء جمال يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى