اسليدرالأدب و الأدباءمقالات واراءمنوعات ومجتمع

الكتب عند العرب

اعداد عادل شلبى

قلم : رضا يوسف احموى ــ تونس

من سنن الحياة تبادل وتفاعل المعلومات والأفكار بين البشر…

في مجتمع المعلومات تنتقل المعلومة بكل سهولة عبر الانترنت والوسائط المطبوعة من كتب وصحف ومجلات لكن لو رجعنا بالتاريخ قليلاً إلى الوراء قبل اختراع جان غوتنبرج لآلة الطباعة عام 1447، لتسائلنا كيف كان الناس يكتبون؟ كيف كانوا يتداولون الكتب فيما بينهم؟

ظهرت حركة التأليف والترجمة مع أوائل العصر العباسي على أيدي العناصر الفارسية التي أثرت في الأدب العربي والعناصر السريانية التي نقلت إلى العرب تراث اليونان والرومان وحضارة العالم القديم فكثرت بذلك المؤلفات . وكنتيجة لتصنيع الورق في بغداد ظهرت صناعة الوراقة وعمل بتلك الصناعة قوم عرفوا بالورّاقين.

وقديماً كان الوراقون هم الناشرين، وكانت مهمتم لا تتمثل فقط في نسخ الكتب مقابل طبعها بل لعبوا دور حراس البوابات حيث تحكموا في نشر الكتب المخطوطة، فقدموا بعضها على حساب بعض، وقاموا بأشياء لا تتفق والأمانة العلمية كتكبير الخطوط لملء مساحات كبيرة وكسب المزيد من المال، بل تعدى الأمر ذلك إلى الانتحال وإضافة إلى الناس ما ليس فيهم.

وقد شهد عصر دولة بني العباس (132هـ – 656هـ) تطوراً ملحوظاً في التأليف كما تبين المصادر التراثية،

وفي هذا السياق يقول ابن خلدون في مقدمته: “فكثرت التآليف العلمية والدواوين وحرص الناس على تناقلها في الآفاق والأعصار فانتسخت وجلدت وجاءت صناعة الورَّاقين المعانين للانتساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور الكتبية والدواوين واختصت بالأمصار العظيمة العمران” .

يقول الدكتور عبد الستار الحلوجي : إن الكتب لا توجد في أمة من الأمم إلا إذا تحققت لها عناصر ثلاثة وهي مواد يكتب عليها وأدوات يكتب بها وأناس يعرفون الكتابة بالإضافة إلى تراث فكري يحرص الناس على تدوينه وتداوله.

في وطننا العربي كانت المواد التي كتب عليها الوراقون مشتقة من البيئة التي يعيش فيها العرب . ففي الجاهلية كانوا يكتبون على “العسب” وهي جريد النخل، وعلى “الكرانيف” وهي الأطراف الغليظة من جريد النخل، كما كتبوا على “عظام أكتاف الإبل وأضلاعها” وكتبوا على الحجارة البيض الرِّقاق والتي تسمى “اللِّخاف”،

وذلك وفقاً لما جاء في كتاب الفهرست لمحمد ابن اسحق النديم .كما أنهم كتبوا على ما يرقق من الجلد ليكتب فيه وهو “الرَّق”، وكتبوا على الجلد الأحمر أو المدبوغ وهو ما يعرف “بالأديم”، وكذلك كتبوا على “القضيم” وهو الجلد الأبيض.

كما أنهم كتبوا على الصحف البيضاء من القماش والتي يسمونها “المهارق”، وكانت هذه المواد قد استخدمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في كتابة القرآن الكريم والأحاديث .

إن الفتح الإسلامي لمصر كان فتحاً في تاريخ الكتابة العربية كذلك ، إذ بدأ العرب يكتبون على “القباطي” وهو ثياب رقيقة بيضاء كانت تتخذ في مصر من “الكتان”، كما ظهرت مادة جديدة هي أوراق البردى المصري، ويؤكد على هذا جرجي زيدان في كتابه “تاريخ التمدن الإسلامي”، حيث يشير إلى أن أكثر مكاتبات الأمويين كانت على البردى والقباطي.

زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد ظهر الورق وذلك بعد أن انتصرت الجيوش العربية الإسلامية بقيادة زياد بن صالح الحارثي حاكم سمرقند على إخشيد فرغانة الذي كان يناصره ملك الصين سنة 133هـ 751م وعاد المسلمون إلى سمرقند بعشرين ألف أسير بينهم صينيون ممن يعرفون صناعة الورق، وعلى أكتاف هؤلاء الأسرى قامت صناعة الورق في سمرقند ثم انتقلت إلى الوطن العربي.

عرفت صناعة الورق في المشرق العربي وفي بغداد خاصة فى أواخر القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي) ثم انتقلت إلى المغرب العربي . عن طريق القيروان ومراكش زحفت تلك الصناعة إلى صقلية وبلاد الأندلس، وفي منتصف القرن الثاني عشر للميلاد وصلت تلك الصناعة إلى أسبانيا، ثم إلى إيطاليا بين 1268 و1276، ثم إلى سائر أوروبا.

قبل معرفة العرب بالأقلام، كانوا يستعملون آلات حادة ينقشون بها الكلمات في الحجارة، ويستدل على معرفة العرب بالأقلام بأن لفظ القلم تردد على ألسنة الشعراء في العصر الجاهلي، كما وردت تلك اللفظة في القرآن الكريم.

الحبر الذي كان يكتب به كان يستورد من الصين كما ذكر أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب التبصر بالتجارة.

يذكر الحلوجي أن الحبر كان يصنع أيضاً في بلاد العرب إما من العفص والزاج والصمغ، وإما من الدخان، والنوع الأول يناسب الرق والجلود ويسمى الحبر المطبوخ أو الحبر الرأس ويتصف بالبريق واللمعان، والنوع الثاني وهو حبر الدخان، فإنه يناسب الورق فقط ولا يصلح للجلود.

اتخذ مهنة الوراقة علماء وقضاة وأدباء، وفقاً لـ”موسوعة الوراقة والوراقين في الحضارة العربية الإسلامية” للدكتور خير الله سعيد، والتي سلطت الضوء على بعض مشاهير الوراقين ..

من الذين عملوا بمهنة الوراقة من العلماء نذكر “أبو زكريا يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا المنطقي”، الذي ولد بتكريت سنة 280 هـ، وهو فيلسوف ومنطقي، عرفته الأوساط العلمية في بغداد وفي بقية الدول العربية والإسلامية، فقد نزل بغداد في شبابه وتعلم بها وصار من أعلام المنطق في القرن الرابع الهجري، وقد أخذت الوراقة من وقته الكثير، ولكنه ظل محافظاً على تميزه في المنطق والفلسفة،

مما جعل “محمد ابن اسحاق النديم” يعاتبه على ذلك، وهما في سوق الوراقين، فرد عليه: “من أي شيء تعجب في هذا الوقت؟ من صبري؟ قد نسخت بخطي نسختين من التفسير الكبير للطبري، وحملتها إلى ملوك الأطراف، وقد كتبت من كتب المتكلمين ما لا يحصى، ولعهدي بنفسي وأنا أكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأقل.

هذا تاريخنا …

قد ننحنى للعاصفة وقد نعثر لكن لن نسقط أبدا بمشيئة الله

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى