الأدب و الأدباءالثقافةاهم المقالاتحصرى لــ"العالم الحر"

الناقد التشكيلي والأديب سيد جمعة يكتب , مشكاة التحدى ” .. الغرابة فيها والغرائبية الكاتبة / سعاد الزامك

رأى الإنسان ظواهر الطبيعة الغريبة التي استحالت علي إدراكه

” الأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها أن تتحول الأشياء ، التي كان ينبغي النظر إليها علي انها غريبة ، إلي اشياء عادية ومالوفة ” د . شاكر عبد الحميد ” الغرابة المفهوم وتجلياتهِ في الأدب” كلمة الكاتبة : ” منذ بدء

الخليقة رأى الإنسان ظواهر الطبيعة الغريبة التي استحالت علي إدراكه ، فأثارت مخاوفهِ وشحذت خياله في محالولة لتفسيرها بمدركاتهِ البسيطة كخرافات و أساطير في كل المجتمعات علي مر العصور ” . غُلاف ” مشكاة التحدي ” للروائية / سعاد الزامك و ايضاً عنوان الرواية يضع الكاتبة فعلا في ” تحدي ” ، فا لمشكاة لفظٌاً وكلمةً وردت في القرآن الكريم وهو المَعلم الخالد للغتنا العربية والمبدعين بها لُغةً وصوتاً وفناً بصفةٍ عامة – و المشكاةُ هي الكوة او التجويف غير النافذ في الجدار و الذي كان يوضع داخلِها وحدات الإضاءة كالشمعة ، او المصباح الضوئي أو اي وسيلة إضاءة في الماضي وقبل معرفة الكهرباء – وإستخدامها كا إسم لرواية يحملُ دلالاتِ عدة ؛ منها لغة النص الراقي التي تعكس رقياٌ خاصاً وتمكن مِن الكاتبة من خلال إدراك وحفظ جماليات التعبير القرآني باللغة العربية كما وردت بالقرآن الكريم ؛ حتي أننا نجد مقاطعٌ و عبارتٍ سردية طويلة تحوي كلماتٍ تؤكد المرجعية السليمة للكاتبة ، وقدرةٍ ودرجةٍ رفيعةٍ من الإتقانِ للُغَتِها العربية الأمر الذي مع الحروف الطباعية المُختارة يجعلنا اما م متنِ يرقي لمستوي غير عادي ومتميز في أمرين ؛ تطويع اللغة العربية وإستحضار جمالِياتِها ؛ و ايضا كإضافة وتعظيم من الكاتبة للغتنا العربية و تأكيداً أنها لُغة إبداع لمن يشاء ، أن يُتقن الإبداع . ” دعاء سيدة تطرق ابواب العقد الخامس ، يتمايل قوامها بين الإمتلاء والنحافة ، ضنت علي نفسها بالأعتراف بجاذبيتها برغم مديحٌ مبالغ فيه ممن حولها ، كم تأججت وجناتها خجلا من تعلقات جريئة إلي ابعد الحدود من بعض الرجال ، رغم أنها لم تتمتع من الجمال سوس بالمقدار الذي يُخضبها بالأنوثة حسب ظنها إلا انها كانت تقطن في مقلتيها تلك الحورية التي يتساقط الرجال صرعي علي عتباتها من اجل الإستئثار بحبها دو ن الأخرين ” . وقد تفننت في لغةِ الحوار داخل النص فجعلت من عربيتهِ وإقتضابهُ بحنكةٍ ودراية يمضي في توازٍ مع السردية العربية التي إختارتها لغةٍ لنص يطوي داخلهُ سماتٍ خاصة للإختلافِ والتميز . ” العراف : لا يخدعنك الأمل بالتسرع في البناء بأية كائنة ، تمهل جيداً لأنها الوحيدة المُقدرة لك في اللوح المحفوظ لتحقيق غايتك ….. ” وتوازي ايضا مع هذا الرقي اللغوي ، لوحة الغلاف تعبيرا مرئيا شديدِ العمقِ عن الصراع الدائم والمُستمر والمُعاناة الطاحنة في دائرة أو دوائر العلاقاتِ الإنسانية والمجتمعية ، وحين تتكثف هذه المُعاناة فتكون كطاحونةٍ او دوامةٍ درامية حول المرأة سَحقاً لها وإقصاءٍ لدورِها الأنساني الموازٍ والمساوي لدور الرجلٍ حقوقاً و واجبات ، فحين هو الذي يتمسك بحقوقه كاملةٍ وغير منقوصةٍ ، وينفلتُ من واجباتهِ ، بينما هي تلتزم بل وتضحي ببعضِ مِن حقوقها ، وتتمسك في نفس الوقتِ بالواجبات ؛ ليس فقط تمسك الغريقِ بأسبابِ الحياة ، ولكن ايضاً تحقيقاً للذات وفق القيم والمشاعر و الأمال . فَيُمثلُ ” الثور” بسواد لونهِ المُضاد وقرونهِ وصلادتهِ وقوة عضلاتهِ يُمثلُ جبروت الرغباتِ العمياءِ الجامحة ، في حين تُمثلُ الأنثي المرأة وبِملامِحِها و بإغماضة عينيها تَعني عدم المبالاة و الإكتراثِ والبرود و عدم الإحتفاء … ” لملمت ثيابها الممزقة ، واعادت تنسيق شعرها المتناثر في جديلة جديدة ، ثم كفكفت دمعها بيد مرتجفة ، وحملت ابنتها تحملها قدماها بالكاد ، وغادرت الحديقة المشئومة إلي منزلها ، ظلت طوال الطريق تفكر فيما حدث ، وكيف ستواجه زوجها القاسي الطباع ؟ هل سيغفر لها خطيئة لم تقترفها وقد اُجبرت عليها …… ” الغلاف ، يُهيئ القارئ و الباحث لِمضمونٍ منثورٍ بحنكةٍ في ثنايا الرواية . إن المثير في النص هو الإبداع الهندسي في تشييد البناء الفني للرواية و التوازي الرائع بين مُكونات الأحداثِ والمشاهد المُتممة لبعضها بين ما هو اُنسي و جنيّ ، الذي تتطلب إمعاناً في فهم الجداليات ، والتهويمات بين ماهو واقعي و مُتآلف بين البشر من موروثاتٍ عتيقة تحملُ في طياتِها تعادلية وتوازنات بشرية لغير المفهوم مِن مُدركاتٍ شبه محسوسة ، وملموسة في حياة قطاعاتٍ وفئاتٍ مُختلفة من المجتمع يتساوي الجميعُ فيها ما بين الأميين والمثقفين ، وحتي بين اصحاب المُعتقدات الدينية علي إختلافها وتباينها ، هذا البناء الفني ، والمزج الرائع ، بالقطعِ والوصلِ – اشبه بالمُونتاج التقني الحديث – يُعد إسلوبا وتقنيةً مُبهرةُ للقارئ لِيتضاعف شغفهِ ورغبتهِ لإستكناه مدي هذا الترابط أو حتميتهُ غير المُبررة بين ما هو معلومٍ ومجهولٍ أسبابهُ في الواقعِ المُعاش والمحسوس والملموسِ في الحياة ، فكانت الشخصيات بِتعددها وهيئَتِها النفسية و المُجتمعية داعمة للفكرة التي قام عليها هذا الصرح الفني المُتميز الذي إعتلت به المُبدعة منصةٍ لا يرتقيها إلا قادراً علي الإضافة الراقية بعناصر إبداعية في السردِ والبناء المعماري المُختلف . وعادة ما تكون الإبداعات النسائية مُميزة و الأكثر دقةٍ وقدرة علي إبراز بعض خفايا عالم المرأة و نقاطِ قوتِها وضعفِها كا إنسانٍ لهُ ظواهرٍ وبواطنٍ مُتباينة في علاقاتهِ وتواصله مع اسباب الحياة ودرجات المُعاناة في تحقيق الطموحات و الأمال ومعالجة الإنكسارت في دروبِ ومسالك مُختلفة يَحفُ بها – احياناً – بجانبيها تهويماتٍ ، وفزاعاتٍ شبه عبثية أو غير منطقية أدعي لتصوراتٍ حدثنا عنها في كتابهِ القيم دكتور / شاكر عبد الحميد .. ” الغرابة .. المفهوم وتجلياتهِ في الأدب ” . ( 2009 – 2011 م القاهرة المنامة ) ” الأكثر غرابة من هذه الغرابة نفسها أن تتحول الأشياء ، التي كان ينبغي النظر إليها علي انها غريبة ن إلي اشياء عادية ومالوفة ” . وحيث يقول : ” … تلك العلاقات الموجودة بين إساسيات الخوف و الفزعِ والرعبِ من الإحساسات المخيفة ، وعن تطورالذات – وارتقائها – نحو السواء أو نحو التفكك والإختلال والمرض وما يُصاحب هذه الحالات من مشاعر … ” . وحين يتحدث عن فكرة القرين او الشبيه في الأدب : ” إن الإختلال عندما يتفاقم قد يؤدي إلي الإزدواج ، و قد يحدث هذا الإزدواج عند مستوي الوعي فتظهرُ الشخصية المتناقضة المدعية المنافقة أو ذات الحياة السرية … الخ ، وقد يخرج الأمر الخاص بهذا الإختلال علي السيطرة ، فتظهر ظاهرة القرين … ” . من هذا المفهوم ، وفلسفاتهُ ،التي وردت بكتاب استاذنا د . / شاكر عبد الحميد ، أنشئت الكاتبة بنياناً روئياً قوياً ، وجديدا مزجت فيهِ ما بين معاناة المرأة الشخصية في رحلتِها الحياتية الضاجة بالطموحات والمشاعر الشخصية ، وما بين الموروث الثقافي الإعتقادي السائد بين عامة البشر عن الغرابة والغرائبية الميتافيزقية و اللاعقلانية التي تحملُ في غرائبيتها المُعادل المنطقي لهذا الغير معقول والغيرِ مفهوم من إشكاليات كأنها وجود مماثل و مواز للوجود الواقعي ، والذي احيانا ما يحدثُ بينهما نوعٍ من التابادل ، والإختلاط ، والإمتزاج الذي يَقربُ من نوعية التوحد و الإحلال في حياة بعض البشر سواءٍ بصورةٍ مرضية أو بصورة مقاومة سلبية لضغوطٍ غير مُحتملة لتحقيق الرغبات او الطموحات الذاتية يقوا عصام احد شخصيات الرواية : “انتِ نتاج علاقة والدتك مع قرينها ، فكل تصرفاتك تدل أن بك جزءا من جني ، ليس عقل باطن وظاهر كما ظننت . … ” …… ” خالجها خوف شديد من كون قرينها قد وطأها وأن أحد ابنائها نتاج تلك العلاقة المُحرمة ؟ … ” هذا ملمحٍ إبداعي من قدرة الكاتبة علي إدراك الحد الوهمي والفاصل بين علاقة ثنائية مُتباينة بين نوعينِ من الخلق الإلهي ” الإنس والجنّ ” وكان مَعينها الأول هذا الموروث المتراكم والمتناقل بثباتٍ بين الأجيال ، وكيف حقق العقل البشري القاصر عن الإدراك هذا التلاحم ، والتزواج بينهما و أنشأ مساحة تربط بينهما تكون مَعبراً إلي درجةٍ من السواء النفسي ، وإنتشالاً عند حد السقوطٍ في هوة الإنكسار و الأنهيار . اختمُ بعبارة وردت في كتاب استانا ونالقدنا القدير د . / شاكر عبد الحميد .. ” إن المهم في تفسير القصة ليس الجانب الواقعي منها فقط ، ولا الجانب الخيالي فقط ؛ بل ذلك التردد و التأرجح و الإلتباس و الغموض الموجود بينهما ” . ســيــد جــمــعــه ســيــد ناقد تشكيلي واديب 21 / 3 / 2019 م

احمد فتحي رزق

المشرف العام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى