الأدب و الأدباء

محمود والطاولة رقم ” ٧” 

 قصة قصيرة بقلم – رهام علوي

صباح كل يوم يترك محمود سيارته في المكان ذاته ويتوجه إلى المطعم ذاته ، يتوقف لحظة تسبق دخوله المطعم ، يشاهده من الخارج ، ينظر إلى الحروف المكتوبة على اللافتة الخارجية للمطعم نظرة تشعر منها وكأنه يعيد كتابة كل حرف بعينيه مرة أخرى ويلونه بلون نظرته ويزينه بمعناها. نظرة يختلط فيها الحنين مع الحزن ، يتجلى فيها الألم والأمل. من ثم يفتح الباب ويتوجه مباشرة إلى الطاولة رقم ٧ . كان كل موظفي المطعم على علم أنها طاولته المفضلة وكان ذلك السبب الذي يجعلها متاحة له بشكل دائم. يجلس هناك ، يلتقط اللوحة الصغيرة المدون عليها رقم الطاولة ، يحركه إلى الأمام والخلف بشكل متكرر ، يمعن النظر إليه. إنه رقمها المفضل كانت تختاره دائما في مقاعد السينما وطاولات المطاعم. كانت تمتلك من كل الأشياء سبعة. يعيد اللوحة المدون عليها رقم الطاولة إلى مكانها متمنيا أن يعود كل شيء إلى مكانه الأول و يطلب من النادل أصناف الطعام ذاتها كل يوم. كان يعلم أن ذهابه إلى هناك وجلوسه على الطاولة رقم ٧ ما هو إلا تعبير عن اشتياقه لحبيبته التي كانت تشاركه إفطاره هناك يوميا حتى افترقا. كان يتلمس ذكراها هناك. كان يشعر بدفء أنفاسها حوله. كان يلتقي نفسه التي عهدها وقتما كانا سويا هناك. نفسه المتفائلة الطامحة إلى غد أفضل. كلما جلس على الطاولة رقم ٧ تذكر كل يوم جمع بينهما هناك. كان يعلم أن اجترار الهموم لا يمحوها لذا كان يستثني يوم الفراق مما يجتره من ذكرياته معها. لكن اليوم على غير العادة قفز إلى عقله تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم تحديدا. اليوم مرت سنة على ذلك اليوم تحديدا. سنة كاملة كان يأتي فيها كل يوم إلى الطاولة رقم ٧ يتناول إفطاره وكأنه يلقاها هناك. أخبرته يوم الفراق أن أباها يريد منها أن تتزوج بابن عمها. كان أبوها يراه أمينا عليها ، ذا شأن في المجتمع ، ملامح مستقبله واضحة على عكس محمود. كانت هي تحب محمود وتؤمن بقدراته وترى في مستقبلها معه ما يستحق العناء والانتظار. لكن والدها كان مريضا وكان لابد لها أن تفارق محمود طاعة لوالدها حتى لا تتأثر صحته سلبا. اليوم وبعد مرور سنة وأثناء تناول محمود إفطاره ، يجدها تفتح باب المطعم متشحة بثياب الحداد ، تتوجه إلى الطاولة رقم ٧. فاجأها أن تجد محمود هناك. أغلب الظن أنها جاءت هي الأخرى لتتلمس الذكرى ولكنها إرادة الله أن يلتقيا هناك اليوم. فاضت عيناها بالدموع فور رؤيتها له. اختلط الدمع والحنين والاشتياق و العتاب والندم والألم والأمل معا في عينيها وعينيه حتى انتصر الأمل وأحتل مكانه الأول في عين كل منهما. لقد جمع الله بينهما مرة أخرى دون ترتيب أو تخطيط. جلست إلى جواره وقصت عليه ما حدث: لقد لفظ أبوها أنفاسه الأخيرة وأوصاها قبل موته أن تقضي ما تبقى لها من العمر مع من تحب. تخلى أبوها عن الحسابات المادية التي قد تغيرها الحياة في أي وقت تحت أي ظرف من الظروف واستبدلها بحسابات المشاعر التي قد تكون أكثر قدرة على البقاء والاستمرار والثبات في كثير من الأحيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى