الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** المسجد العمرى بقرية بهجورة بنجع حمادى **

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

تقع قرية بهجورة في نطاق محافظة قنا بين مدينتى فرشوط فى الشمال ونجع حمادى فى الجنوب وإسمها الفرعونى يعنى بلد الشعب وإسمها فى العصر القبطى بهو أنجمول ومعناه حظيرة الجمال ومنه إشتق إسمها الحالى بهجورة وكانت هذه القرية منذ العصر الفرعونى تتبع كورة أو مقاطعة هو وإستمر ذلك حتى العصر العثمانى بل وذكرت معها بإسم مقاطعة هو وبهجورة وتوابعهما وهذه المقاطعة كانت واحدة من أصل إحدى وعشرين مقاطعة كانت تتكون منها ولاية جرجا وقد وصفها علي مبارك بأنها قرية كبيرة من قسم فرشوط بمديرية قنا وأنها واقعة في حوض بهجورة شرقي فرشوط على نحو ثلثي ساعة والبحر في شرقيها على نحو ساعة وفيها مسجد به منارة وكنيسة للأقباط وأبراج حمام وعصارات قصب وعدد وافر من النخيل والأشجار ذات الفواكه لبعض كبرائها والمستخدمين من أقباطها ويتحصل منها كل سنه مقدار عظيم من عسل القصب والسكر الخام كما تعد قرية بهجورة من أكبر قرى مركز نجع حمادي وهي بلدة محبه للتعليم إذ يوجد بها عدة مدارس في وقت لم يكن يوجد بالكثير من القرى مدرسة إلزامية أو أولية ويرجع الفضل في ذلك إلى أحد ابناء القرية من الأعيان وهو داود تكلا بك الذي انشأ بها عددا من المدارس ووقف الأطيان والعقارات للإنفاق عليها .

وبالإضافة إلي ذلك إهتم مشايخ العربان بهذه القرية مثل الشيخ إسماعيل أبوعبدالله بالتعليم الديني الذي ظهر واضحًا بمسجدها العمري والذي أصبح منارة للعلم ومركز إشعاع لنشر وتدريس علوم الشريعة الإسلامية وعلوم الحديث والتفسير والفقه والسنة النبوية الشريفة والقراءات القرآنية وإلقاء دروس الوعظ والإرشاد به وتعريف الناس بتعاليم الدين الصحيحة وذلك لحرص الشيخ الشديد على إقامة الشعائر الدينية بقريته وقد إستقدم الشيخ إسماعيل أبوعبدالله الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لإلقاء الدروس الدينية في المسجد العمري بالقرية والإفتاء وإقامة مجالس الذكرٍ وتوفي بها في عام 1181هجرية الموافق عام 1767م كما كان المسجد العمري بمثابة بوق القرية وخاصة في فترة الإضطرابات التي كانت تمر بها البلاد في نهاية العصر المملوكي وقد تم بناء المسجد العمرى ببهجورة مع دخول الإسلام لتلك القرية أيام الفتح الاسلامى لمصر عام 21 هجرية الموافق عام 642م ثم تم تجديده عدة مرات وهذه التجديدات تركت مبانى ونقوش تدل عليها حيث يوجد أعلى المدخل الشرقى للمسجد عتب خشبى نقش عليه بالحفر البارز كتابة بخط الثلث العثمانى يبدو أنها النص التأسيسى للمسجد الحالى قبل التجديدات نصها الموجود حاليا البسملة كما يوجد أعلى الحجاب الخشبى بالمسجد نص تجديد على يد أحمد محمد همام وتوجد أيضا لوحة رخامية أعلى المدخل الشرقى نقش عليها نص تجديد فى ثلاثة سطور بالخط النسخى نصها جدد هذا المسجد المبارك الفقير عيسى أحمد همام سنة 1133 هجرية والموافق لعام 1721م وعلى هذا يمكننا القول إن المسجد العمرى ببهجورة قد جدد عدة مرات منذ العصر الفاطمى وكانت آخر هذه التجديدات فى العصر العثمانى على يد أحمد محمد همام ثم إبنه عيسى أحمد همام في العام المذكور .

وقد تم بناء المسجد العمرى ببهجورة من الطوب اللبن ومونة اللحامات من الطين والتبن مضافا إليهما قليل من الرماد وذلك فى كل جدران المسجد فيماعدا كتلتى الدخول الشرقية والغربية فقد بنيت واجهتهما بالطوب المحروق ومونة الحمرة والجير والقصرمل وكانت عموما طريق بناء المسجد هي طريقة البناء المعروفة بإسم المصرية القديمة وهى أفضل الطرق المستخدمة فى البناء وذلك لعدم وجود لحامات رأسية فوق بعضها داخل الجدران مما يزيدها قوة ومتانة وبالمسجد صف من الأعمدة الجرانيتية المزدوجة وهى أعمده تحمل فوقها تيجان رومانية وليس لها قواعد ويحزم كل زوج منها حزام من الحديد بالإضافة الى الأعمده البنائية المستديرة ويتكون المسجد من كتلتين معماريتين هما المسجد والمصلى الذى يتقدمه من الجهة الغربية والذى يبدو أنه إضافه اليه ويحتوى المسجد على صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها وأعمقها رواق القبلة والذى يتوسطه محراب بسيط خالي من الزخارف وهو أنسب التخطيطات للمساجد التى تشغل مساحة كبيرة تتسع بحورها فتكون هناك حاجة إلى بائكات ذات عقود تحمل السقف وهذا التخطيط يعد إستمرارا لتخطيطات المساجد الجامعة منذ العصر الفاطمي مرورا بالعصر الأيوبي ثم العصر المملوكى كما أن الأروقة فى هذا التخطيط تكون معدة لإستقبال المصلين وهى مسقفة لكي تحميهم من أشعة الشمس أثناء إقامة الصلاة كذلك يلاحظ إستخدام الأعمدة بدلا من الدعامات الضخمة مما يساعد على توفير أكبر مساحة خالية لإقامة الصلاة بها كما أن هذا التخطيط من شأنه أن يتيح للأروقة التمتع بإضاءة طبيعية كافية نهارا أو فى الليل من خلال صحن المسجد ومن خلال صفوف النوافذ العلوية بحيث تسمح هذه النوافذ بمرور الضوء والهواء ودرجة الإضاءة بهذه الأروقة ليست مطلوبة فقط لغرض الرؤية العادية ولكنها مطلوبة بصفة ضرورية لقراءة المصحف للذين يقرأون القرآن فى مصاحفهم فى هذه الأروقة من الدارسين والمتصوفين حيث أن معظم هذه المساجد كانت تعقد بها حلقات دروس الشريعة والفقه والسنة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم .

أما مئذنة المسجد فكانت من المآذن الأولي في مصر والتي لم يكن لها أسلوب أو طراز محلى تعرف به وإنما ظلت خاضعة للتأثيرات والطرز الأجنبية زمنا طويلا حيث تغلغلت هذه الطرز فى نظام المآذن فى مصر فقد وفدت هذه التأثيرات من سوريا والمغرب حينا ومن العراق ومن بلاد فارس حينا آخر كما رأينا مثلا في مئذنة مسجد أحمد بن طولون والتي تشبه مئذنة مسجد سامراء بالعراق ومع ذلك فقد إستطاعت المآذن المصرية منذ العصر الفاطمى أن تتلمس لنفسها طرازا أخذ يبرز شيئا فشيئا حتى ظهرت فى صورتها المصرية الصحيحة وحتى أتيح لها ان تتحرر من هذه التأثيرات خاصة في العصور المملوكية وتعتبر مئذنة المسجد العمرى ببهجورة أيضا من أمثلة الطراز المتأثر بالطرز الوافدة من خارج مصر وهي تقع بالركن الغربى من الواجهة الشمالية للمسجد ويبلغ إرتفاعها 17.5 متر وتعتبر أقدم أجزاء المسجد الباقية وهى ترجع الى العصر الفاطمى وتتكون من حطة ثمانية الأضلاع بنصف إرتفاع المئذنة تقريبا تعلوها شرفة خشبية مثمنة بارزة قليلا عن بدن المئذنة وتحملها كوابيل خشبية من أسفل ولها درابزين خشبي بسيط ثم حطة دائرية تعلوها الحطة الثالثة المكونة من عدد 8 أعمدة شبه مستديرة تحمل قمة المئذنة الذى يأخذ شكل قبة صغيرة فوقها رأس بصلية صغيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى