الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** مسجد ومدرسة أم السلطان شعبان **

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

يقع مسجد السلطان شعبان في شارع باب الوزير بحي الدرب الأحمر على يمين المتجه من الدرب الأحمر إلى القلعة بين باب الوزير وجامع المارداني بالقاهرة وقد تم بناؤه في عام 770 هجرية الموافق عام 1368م خلال العصر المملوكي تحت رعاية السلطان المملوكي الأشرف ناصر الدين شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون والذى حكم مصر من عام 764 هجرية الموافق عام 1363م وحتي عام 778 هجرية الموافق عام 1377م وقد ألحقت به مدرسة أعدت لتكون مكانا لتدريس المذهب الشافعي والمذهب الحنفي والسلطان الأشرف شعبان ولد عام 754 هجرية الموافق عام 1353م في قلعة الجبَل وهو السلطان الثاني والعشرون من سلاطين دولة المماليك بمصر وقد جلس على عرش مصر بعد خلع إبن عمه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون وكان حينذاك طفلا يبلغ من العمر عشر سنوات وقد تميز عصره بسوء الأوضاع الداخلية والتدهور الشديد في كل نواحي الحياة نتيجة لصغر سنه فضلا عن النزاعات بين الأُمراء للإستبداد بالسلطة مستغلين صغر سن السلطان وقلة خبرته ولما ضعفت الدولة المملوكية آنذاك إستخف بها الأعداء وفقدت هيبتها وطمع فيها الطامعون من كل حدب وصوب فقد تعرضت مدينة الإسكندرية لحملة صليبية قادها بطرس لوزجنان حاكم جزيرة قبرص ونجحت بالفعل في السيطرة والإستيلاء عليها وتخريبها ونهب نفائسها ومتاجرها فحمل عليهم المسلمون وإشتدوا في قتالهم حتي أخرجوهم منها وبعد إستقرار الأمور للسلطان شعبان شرع في بناء المسجد والمدرسة التي سميت بإسم أمه خواندا بركة التي كانت ذات حسن وجمال وعقل ورأي سديد والتي أنشأت إلى جانب مسجد ومدرسة السلطان شعبان الربع المعروف بربع أم السلطان بالقرب من جامع الأقمر علاوة على قيسارية الجلود التي كانت تحت الربع وبلغ من حبه لأمه أنه أرسل في صحبتها حاشية كبيرة ومائة من المماليك السلطانية وفرقة موسيقية حينما خرجت إلى الحج كما إشتملت راحلتها على قطار من الجِمال محملٍ بمختلف المؤن حتى عرف حج هذا العام بين العامة بعام أم السلطان ولما توفيَت خواندا بركة دفنت في هذا المسجد المسمى بإسمها وهي في العقد الخامس من عمرها عام 774 هجرية الموافق عام 1373م .

ولهذا المسجد مدخلان أحدهما علي شارع باب الوزير وهو المدخل الرئيسي للمسجد والآخَر بِحَارة مظهر باشا ويقع المدخل الرئيسي للمسجد على يمين الواجهة ضمن جدار غائر ويتوجه عقد وتزينه تسعة صفوف من المقرنصات ويعتبر هذا المدخل بمقرنصاته المذهبة وزخارفه المورقة وكتاباته الكوفية من أجمل المداخل وأندرها تصميما وهو متأثر بنمط المباني التركية ذات التأثيرات السلجوقية التي تتميز بزخارف المداخل وكثافة المقرنصات وإستطالة العقود مثل المدخل الرئيسي لمجموعة يسل في مدينة بورصا في تركيا وقد نقش أعلى هذا المدخل كتابة تتضمن إسم منشئ المسجد وتاريخ الإنشاء وباب المسجد الرئيسي حافل بالزخارف ونقش على جانبيه كتابات تاريخية نصها بسم الله الرحمن الرحيم الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة لوالدته مولانا السلطان الملك الأشرف شعبان بن المرحوم حسين سلطان الإسلام والمسلمين قاتل الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين مظهر الحق بالبراهين حامي حوزة الدين عز نصره وللمسجد أربعة إيوانات متعامدة ومبنية من الحجر ويتوسطها صحن مكشوف أرضيته مفروشة بالرخام النفيس وفيه تقاسيم جميلة وأكبر الإيوانات هو إيوان القبلة الجنوبي الشرقي ويتوسطه محراب مكسو بالرخام وزينت بعض أضلاع أعمدته المثمنة بزخارف مورقة محفورة وقد خصص هذا المسجد لتدريس المذهبين الشافعي والحنفي كما ذكرنا في صدر هذا البحث ويحتوي المسجد كذلك على سبيل وكتاب وضريحين وتطل الواجهة الرئيسية له على شارع باب الوزير وهي مقسمة إلى جدران غائرة مستطيلة بإرتفاع المبنى تنتهي من أعلى بصفوف من المقرنصات ويتوج الواجهة شرافات على هيئة أوراق نباتية ثلاثية البتلات ويقوم على يسار الباب الرئيسي للمسجد سبيل أقيم على واجهِته حجاب من الخشب المجمع بأشكال هندسية وهو يعد النموذج الأول من نوعه والمدخل الرئيسي يؤدي إلى طرقة بصدرها صفة على يمينها باب يؤدي إلى الكتاب وعلى يسارها باب يوصل إلى طرقة مستطيلة بصدرها باب مغطى بمقرنصات عليها كتابات وعلى يمين الداخل من الدهليز لوح مصنوع من الرخام الأزرق اللون ومقسم باللون الأخضر ومنقوش فيه نص هو الحمد لله أنشأ هذه المدرسةَ المباركة مولانا السلطان المَلِك أعز أنصاره لوالدته تقبل الله منهما ويقول المقريزي هذه المَدرسة خارج باب زويلة بالقرب من قلعة الجبل يعرف خَطها بالتبانة وموضعها كان قديما مقبرة لأهل القاهرة أنشأتها الست الجليلة الكبرى أم السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة وعمِلت بها درسا للشافعية ودرسا للحنفية وعلى بابها حوض ماء للسبيل وهي من المدارس الجليلة وفيها دفن إبنها الملك الأشرف بعد قتله .

ويقع على كل جانب من إيوان القبلة غرفة ضريح مربعة الشكل مبنية من الحجر أحدهما ضريح صغير والآخر كبير ويقع الضريح الصغير وهو ضريح الرجال على يمين الإيوان في الناحية القبلية وخصص لدفن السلطان شعبان وإبنه الملك المنصور حاجي ويقع الضريح الكبير وهوضريح النساء على يسار إيوان القبلة في الناحية البحرية وخصص لدفن أم السلطان شعبان خاوندا بركة وإبنتها خواندا زهرة ويغطي كل ضريح قبة زودت مناطقها الإنتقالية من الداخل بحنيات ركنية ويعتبر هذا العنصر غير شائع في قباب العصر المملوكي إذ إقتصر على بعض قباب المباني المملوكية التي ترجع إلى النصف الثاني من القرن الثامن الهجرى الموافق للقرن الرابع عشر الميلادى ويعتبر إستخدام الحنيات الركنية في مناطق الإنتقال في القباب من مميزات القبة الفاطمية منذ نشأتها وهاتان القبتان مفصصتان من الخارج وتشبهان قبة المدرسة الركنية في دمشق التي تنتمي إلى العصر الأيوبي ولكن القبتين في مدرسة أم السلطان شعبان أكثر تطورا من قبة المدرسة الركنية ويدل ما تبقى من هذا المسجد والمدرسة على أنها كانت غنية بزخارفها فقد كانت السقوف ملونة مذهبة والأرضيات مفروشة بالرخام كما أن التذهيب كان مستخدماً في الزخارف الحجرية والرخامية وهناك كرسي نقل من المسجد إلى دار الآثار العربية من الخشب ذو ستة أضلاع محلاة بزخارف دقيقة من السن والأبنوس كما نقلت إليها أيضا مِشكاوات من زجاج بالمينا .

زر الذهاب إلى الأعلى