الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** محلات شيكوريل **

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

محلات شيكوريل هي سلسلة محلات أسسها رجل الأعمال اليهودي الإيطالي مورينيو شيكوريل وقد أممتها الحكومة المصرية بعد حرب السويس عام 1956م وقد إرتبط إسم شيكوريل بالعائلة المالكة والعائلات الأفي مصر في النصف الأول من القرن العشرين الماضي وقد تأسست هذه المحلات تحت مسمي شركة شيكوريل في عام 1887م وكان يرأس مجلس إدارتها وعميد عائلتها الإيطالية الأصل مورينيو شيكوريل والذي هاجر من أزمير بتركيا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وقد أصبحت محلات شيكوريل في غضون سنين قليلة من أكبر المحلات التجارية المشهورة في مصر وكان رأس مال الشركة نصف مليون جنيه مصرى وهو مبلغ ضخم في ذلك الزمان وكان يعمل بها عدد 485 موظفا أجنبيا وعدد 142 موظفا مصريا وعندما وصل مورينيو شيكوريل إلى مصر شارك في البداية رجل أعمال يهودى آخر إسمه هانو لمدة قليلة في محل إسمه أوبيتى بازار وفى عام 1909م إستقل شيكوريل بتجارته وقام بتأسيس أول محل خاص به سماه ليه جراند ماجازين شيكوريل وكان موقعه بجوار دار الأوبرا الخديوية القديمة في وسط القاهرة وبمساعدة أولاده الثلاثة سولومون ويوسف وسالفاتور كبر المحل وإتسع نشاطه وأصبح واحدا من أفخم المحلات في القاهرة وقام بفتح العديد من الفروع في القاهرة والإسكندرية وغيرهما .

free-2590422391146749104

bmb97qhcuaas-pm

وقد تعرض سولومون شيكوريل الإبن الأكبر لمورينيو شيكوريل للقتل بفيلته بحي الزمالك في يوم 4 مارس عام 1927م وهزت هذه الجريمة أركان مصر كلها وتحدثت عنها جميع الصحف والمجلات حينذاك بعد أن قام عدد 4 من اللصوص بإقتحام الفيلا ودخلا غرفة نوم سولومون شيكوريل وزوجته فتظاهرا بالنوم حتي لايتعرضا للإيذاء وقاموا بالهجوم علي الزوجة ووضعوا علي فمها منديل به مادة مخدرة وعندما حاولوا فعل ذلك معه بدت منه حركة أدركوا منها أنه قد أحس بهم فهجموا عليه وقيدوا قدميه بحبل وطعنوه 11 طعنة قاتلة أودت بحياته علي الفور كما قاموا بسرقة الموال والمجوهرات التي كانت بالفيلا وفروا هاربين وإتضح بعد ذلك أن إثنين ممن قتلوه كانا يعملان عنده أحدهما سائقه الخاص وأنه قد إستأمنهم علي نفسه وكان أحدهم وهو سائقه الخاص يسكن في منزله فكانت الجنايه ليست قتل وسرقة بل خيانة أيضا وقد تجرأ هؤلاء اللصوص على فعلتهم الشنيعة مستغلين طيبة نفس القتيل وعدم إكتراثه بما حدث فى منزله من سرقات قبل مقتله علي الرغم من شكه وإرتيابه فى أمر سائقه فتركه يسكن في منزله حتى كان ما كان حيث سهل السائق لباقي الجناة مهمة التسلل فى الظلام إلى فيلا القتيل عن طريق باب البدروم الذى كان يحمل مفتاحه وقد إستيقظ الخدم الذين كانوا بالفيلا حينذاك علي الأصوات التي صدرت من القتيل وزوجته ولكن كان الجمناة قد فروا ولم يلحقوا بهم فقاموا بإبلاغ الشرطة والتي تمكنت في خلال حوالي 24 ساعة من القبض علي المتهمين الأربعه وعلي رأسهم سائقه الخائن أنستي خريستو وهو يوناني الجنسية والذي كان يعيش في منزل القتيل والشاب اليهودى جونا داريو الذى كان يعمل لديه وكان القتلة اللصوص الأربعة يخططون منذ فترة لسرقة الأموال والمجوهرات في الأساس والتي قاموا بسرقتها فعلا بعد قتله كما ذكرنا في السطور السابقة وقد وجدت الشرطه المسروقات والمجوهرات تحت بلاطة في سطح منزل أحد الجناة والذين إستمر التحقيق معهم لمدة شهر تقريبا وبعد ذلك تم إحالتهم إلي محكمة الجنايات ومن الطريف أنه بعد حوالي 30 عاما من هذه الواقعة وفي عام 1957م قامت أسرة الفنان عزت أبو عوف بشراء هذه الفيلا والتي نسجت حولها أساطير وخرافات بأنه تحدث بها أشياء غريبة وتصدر داخلها أصوات أثناء الليل ومع ذلك ظلت الأسرة تقيم بها علي الرغم من ذلك غير عابئة بتلك الأساطير والخرافات .

images

%d8%b4%d9%8a%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%8a%d9%8402

وكانت لأسرة شيكوريل فيلا أخرى بمنطقة الرمل بالإسكندرية يرجع تاريخ إنشائها إلى العشرينيات من القرن العشرين الماضي وقد قام بتصميمها ثلاثة من أشهر المعماريين الفرنسيين هم ليون أزيمان وجاك هاردى وجورج بارك حيث كان الأخير لديه مكتب هندسى فى القاهرة وقد جاءوا إلى مصر بسبب الإشتراك في مسابقة معمارية طرحتها الحكومة المصرية حينذاك وقد بدأوا العمل فى الإسكندرية من خلال التعامل مع الكونت فرديناند دبانة وقاموا ببناء مجموعة من أهم المبانى أشهرها مدرسة سان مارك وفيلا شيكوريل التى بنوها على طراز Art Deco الذى كان سائدا فى النصف الأول من القرن العشرين الماضي وهو طراز يتميز بالبساطة فى التعبير وإستخدام الزخارف والحليات الهندسية والنباتية الأنيقة المبسطة وكانت هذه الفيلا مسجلة كأثر إلا أنها قد تعرضت إلي تفريغ محتوياتها ولمحاولات هدم بعد إخراجها من قائمة الآثار بقرار صادر من الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء في أواخر التسعينيات من القرن العشرين الماضي تم بموجبه رفعها من قائمة المبانى الأثرية بالمدينة وبالتالى فلا يوجد ما يحول دون هدمها بعد الحصول على التراخيص اللازمة فتم تنظيم حملة لإيقاف الهدم وتنظيم وقفات إحتجاجية لعدة أيام بواسطة المعماريين والمهتمين بالتراث وبالفعل نجح هذا الأمر ومن الجدير بالذكر أن هذه الفيلا كان قد تم تأميمها بموجب قوانين التأميم التي صدرت فى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الماضي وتم نزع ملكيتها لتصبح ملكا للدولة المصرية وفى السبعينيات كانت مقرا تابعا لرئاسة الجمهورية بل أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان مقيما بها أثناء أحداث يناير عام 1977م ويقول المعمارىون من المهتمين بحفظ التراث المعمارى من مؤسسى مبادرة أنقذوا الإسكندرية عن هذه الفيلا إن المبنى فى حد ذاته يعد تحفة معمارية ويعد من المبانى التراثية الهامة وكان مسجلا برقم 878 بقائمة الحفاظ على المبانى والمناطق التراثية بالمحافظة والتى صدر بها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 278 لعام 2008م وأن خروجه من قائمة المبانى التراثية فيما سبق هو خطر كبير يهدده لابد من التصدى له بالوسائل القانونية لعلاج الثغرات الموجودة بالقانون رقم 144 لسنة 2006م والذى يدخل من خلاله المقاولون ليتم إخراج المبانى من خلاله وهو القانون الذى يستند إلى حق الملكية وحق التصرف فيها إستنادا الى الدستور المصرى الذى يكفل حق الملكية الخاصة وحق التصرف فيها .

403733040_5d6448b7ac_o

1

وعلى الرغم من أن محلات شيكوريل كانت تعاملاتها مقصورة في الغالب على الطبقة الراقية والأرستقراطية إلا أنه في عام 1936م إفتتح سلسلة محلات أخرى إسمها أوريكو وكانت الأسعار فيها أرخص من محلات شيكوريل لكي تناسب الطبقة المتوسطة في مصر هذا وقد أصبح سالفاتور شيكوريل نجل مورينيو شيكوريل عميدا لليهود المصريين في القاهرة عام 1946م بعد رينيه قطاوى ونال شهرة كبيرة في مصر وأصبح إسمه يتردد كثيرا في الصحف والمجلات وكان اليهود المصريون في ذلك الوقت لهم نشاط تجارى وإقتصادى كبير كما كان لهم نشاط كبير في مجال تداول الأسهم والسندات والأوراق المالية بالبورصة المصرية وقد إحترق محل شيكوريل بكرات النار التي قذفت عليه أيام حرب فلسطين الأولى عام 1948م وتم إتهام أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بتدميره وفى يوم 26 ينايرعام 1952م دمر المحل مرة ثانية في حريق القاهرة وفى المرتين أعيد بناؤه مرة أخرى من جديد بمساعدة الحكومة المصرية وبقى على حاله إلى أن وضع تحت الحراسة بعد حرب السويس عام 1956م وهنا تخلى أصحابه عنه وباعوا أسهمه التي كانوا يمتلكونها لرجال أعمال آخرين مع أنه بعد ثورة يوليو عام 1952م كان سالفاتور شيكوريل حريصا على مد جسور علاقات طيبه مع الضباط الاحرار الذين قاموا بالثورة خصوصا أنه كان معروفا أيضا كرياضى سابق وكان كابتن منتخب مصر فى رياضة سلاح الشيش وكان قد شارك في دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928م ممثلا لمصر في هذه الرياضة ولكنه فى آخر الامر لحق بباقي أفراد أسرته في أوروبا و هاجر من مصر عام 1957 بعد ما تمكن من إخراج أمواله وأرصدته المالية خارج مصر .

زر الذهاب إلى الأعلى