التقارير والتحقيقات

في رسالة سرية لداعش.. القتل لمن ينوي الإنسحاب من منبج

14441050_991402767637585_7371001708988966429_n 14502931_991402714304257_7124296772406681386_n

كتبت -سمر محمد
حصل موقع أخبار الآن على رسالة سرية مكتوبة بخط اليد تُخاطب فيها “اللجنة المفوضة” في داعش المدعو “أبي يحيى الشامي ومن معه” عبر “أمير هيئة الحرب” تحضهم فيها على قتل كل من يريد أو يفكر بالانسحاب من منبج. و”أبو يحيى الشامي” هو القائد العسكري لداعش في منبج حتى ساعة انسحاب عناصره منها.
تم العثور على الرسالة المؤرخة بتاريخ 4/11/1437 هجرية، الموافق لـ8/8/2016 ميلادية من قِبل مواطن من منبج في أحد مقرات داعش عقب سحبه قواته أمام تقدم “قوات سورية الديمقراطية”.
الرسالة السرية ودلالاتها
هذه الرسالة تكشف أموراً هامة عديدة عن عقيدة داعش المتشدد القتالية ورؤيته لمقاتليه، كما يمكن اعتبارها وثيقة تاريخية ذات قيمة كبيرة في فهم آليات عمل داعش وفلسفته. وتحتوي الرسالة إشارة إلى مجموعة من المقاتلين تُسميهم “المسحورين” وتطلب من قائد داعش في منبج “الاجتهاد” في التعامل معهم وأخذ أسلحتهم وعزلهم وإلّا فقتلهم، دون أن يتضح تماماً من هم هؤلاء “المسحورين”. ونظراً للأهمية الاستثنائية لهذه الرسالة من حيث شكلها ومضمونها، فإننا نوفر هنا تحليلاً لها ونرفق صورة منها ليتسنى الاطلاع عليها.
من حيث الشكل
كُتبت هذه الرسالة بخط اليد على ثلاث ورقات صفر مخططة وقُسٍّمتْ إلى ثلاثة أقسام رئيسية بحسب مضمون كل قسم منها؛ أما ترويستها في أعلى يمين الصفحة فطُبع فيها عبارة “الدولة الإسلامية” وأسفلها كُتبتْ عبارة “اللجنة المفوضة” وفي مقابل هاتين العبارتين في أعلى يسار الصفحة كُتبت عبارة “الهدف” وأسفلها تاريخ الرسالة بالتقويمين الهجري والميلادي. وفي نهايتها، مُهرت الرسالة بخاتم يحمل عبارة “الدولة الإسلامية-اللجنة المفوضة” باللون الأحمر وإلى جانبها توقيع كاتبها وتاريخ كتابتها يوم 4/11/1437 باللون الأخضر. ويُلاحظ أن كاتب الرسالة قد استخدم مادة الحبر الأبيض “كوريكتير” ست مرات في الصفحات الثلاث لتعديل عبارات وتصحيح أخطاء إملائية وقع فيها بالمرة الأولى.
من حيث المضمون
يمكن تقسيم هذه الرسالة من حيث مضمونها إلى الأقسام التالية:
التحية وتضمنت عبارة “الحمد لله وحده والصلاة على مَنْ لا نبي بعده”.
آيتان من القرآن: “قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل..” و”كأين من نبي قاتل معه ربيون كُثر فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين…” والآيتان موظفتان بما يخدم قصد المرسل من رسالته، كما سنرى.
قصة حصار 75 يوماً في مدينة الفلوجة العراقية، وهي خبرة المرسل ينقلها إلى المرسل إليه ويذكر فيها عدداً من الحوادث عن صمود المقاتلين وعن أسلحة غير تقليدية استخدمت ضدهم وعن معاناتهم الجوع والعطش وعن حادثة تبدو غير معقولة وغير مؤكدة طبياً لرجل أُصيب في القتال “فخرج دماغه من رأسه فأرجعته بيدي ولففنا عليه خرقة وكان علاجه الوحيد مطهر منته الصلاحية وقد عافاه الله بعد أيام وأصبح يركض معنا على رجليه ..”. وقد قصد المرسل من إيراد هذه القصص، في ما يبدو، تشجيع مقاتلي داعش في منبج على الصمود والقتال حتى آخر رجل وإفهامهم أن قيادة التنظيم تدرك ما هم فيه من حالة سيئة وأنها تشبه ما مر به قادة التنظيم ذات يوم، وإلّا فإن الموت هو الجزاء.
ثم يصل المرسل إلى جوهر موضوع الرسالة حيث يبدأ بتوجيه تعليماته إلى “أبي يحيى الشامي” ومن معه في خمس فقرات لكل منها موضوع مختلف. فيأمرهم أولاً بالثبات: “أن تصبروا وتقاتلوا حتى تُقتلوا أو يفتح الله عليكم .. فمن اصطفاه الله لهذه الملحمة عندكم لهو من خيرة أهل الأرض إن صبر وثبت”. وفي الفقرة الثانية يقول المرسل: “بلغوا جميع إخواننا المحاصرين أننا لا نقبل بالانسحاب أبداً وأن يصبروا ولو بقي واحد منهم فقط، وأننا أهدرنا دم كل من ينسحب بغير إذن أي ليس لكم عندنا فيئة ما لم نأذن لكم وسنقتل كل من ينسحب أو يُحرِّض على الانسحاب ويعمل له، ونأمرك يا أبا يحيى أن تقتل كل من يحرض على الانسحاب أو يعمل له”.
أما الفقرة الثالثة من التعليمات فتتضمن إشارة غريبة إلى ما سُموا بـ”المسحورين”. فيقول مرسل الرسالة “أما الإخوة المسحورين فاجتهدوا في التعامل معهم وذلك حسب استطاعتكم وحسب ظروفكم، فإن كان بمقدوركم أخذ سلاحهم وحبسهم في مكان لا يؤذون به أحد فافعلوا، وإذا كان لهم علاج غير ذلك فاجتهدوا، وفي النهاية إن كان ليس لهم أي علاج ويشكلون خطراً عليكم فاقتلوهم…”.
أما الفقرة الرابعة فتأمر أيضاً بقتل “البعض ممن يحاول أن يسلم نفسه للكفار أو ينوي أن يسلم نفسه للكفار.. فاعلموا أن هذه ردة، فاقتلوا من ثبت عليه ذلك، ومن نوى الكفر في المآل فقد كفر في الحال”.
أما الفقرة الخامسة والأخيرة والأمر الأخير من المرسل فهو أمر بالقتل أيضاً، إذ يأمر أبي يحيى بأن يقتل من يدعو للكفار ويفرح لانتصاراتهم: “بلغنا أن البعض يدعو للكفار ويفرح بانتصارهم فهذه ردة أيضاً، فاقتلوا من يفعل ذلك إن كان عاقلاً مُدركاً”.
مأزق داعش المهزوم
من الواضح أن ثمة غرابة في شكل وآلية إيصال هذه الرسالة، فكتابتها بخط اليد ونقلها باليد، يشيران إلى ما يعتري نظام التواصل داخل داعش من عيوب. فإما أن داعش لم يجد حلاً آمناً للتواصل عبر الانترنت والهاتف وغيرهما من وسائل الاتصال الحديثة والمتاحة فلجأ إلى الأسلوب التقليدي في تبادل الرسائل وبذا يكون التنظيم في أزمة كبيرة وعميقة أو أن الرسالة كُتبتُ وأرسلت تهريباً في وقت كان المحاصرون فيه بمنبج بمعزل كلي عن العالم مفتقرين إلى أبسط أشكال التواصل الحديثة.
لكن يبقى أن مضمونها يشي بطبيعة داعش وبمأزقه الحالي بآن. إذ لا حل أمام المحاصرين في منبج إلا أن يقاتلوا حتى آخر رجل منهم، وإلا فالقتل لكن من ينسحب أو يسعى أو حتى ينوي الانسحاب. لا عجب، بطبيعة الحال، بالنسبة لتكوين داعش المتشدد أن يعالج اختلافات الرأي وأزمة مقاتليه المحاصرين بغير توعدهم بالقتل. فلا جدال ولا نقاش ولا سيناريوهات لأسوأ الأحوال. القتل وحسب ينتظرهم ما لم يحققوا النصر.
إلّا أن الفقرة الأخيرة والمتعلقة، في ما يبدو، بالمدنيين في منبج ممَنْ يعبرون عن فرحتهم باندحار داعش أو يدعون من أجل “انتصار” الكفار تكشف أكثر من أي شيء آخر نظرته للمجتمعات التي يقودها حظها العاثر إلى الوقوع تحت سطوته، وعملياً، فإما أن يكون هؤلاء مع داعش في كل ما يفعل وأما القتل أيضاً.
تبقى مسألة أخيرة ومفتوحة لمزيد من البحث والتدقيق ألا وهي مسألة “المسحورين” الذين ورد ذكرهم في فقرة خاصة في الرسالة. فمن الواضح أنهم مجموعة خاصة داخل داعش وذات سمات خاصة ولذا تتطلب معاملة ومعالجة خاصة حسب منطوق الرسالة. ويحتمل أن تكون هذه المجموعة قد هُيئت بطرق غير عادية للقيام بأعمال مألوفة. فوصف “المسحورين” يبدو غريباً عن معتقدات داعش والتنظيمات الشبيهة به، لذا من المستبعد أن يكون المقصود بها هي الدلالة اللغوية الحرفية لكلمة “مسحورين” في اللغة العربية. والأرجح أنها تُستخدم هنا بمعنى اصطلاحي له دلالة مقيدة ومحددة ومتواضع عليها في عرف داعش. فربما هي مجموعة مهام خاصة غُسلت أدمغتهم بغرض استخدامهم في عمليات معينة أو فئة اجتماعية من بلد أو منطقة معينة تتطلب بالنتيجة أيضاً نوعاً من المعاملة الخاصة.

زر الذهاب إلى الأعلى