التقارير والتحقيقات

حفر قناة السويس بين الماضي و الحاضر

كتب : كريم دسوقي
وضع ديلسبس بوصفه رئيس شركة قناة السويس البحرية لائحة العمال الذين سيقومون بحفر القناة و تنص مواد اللائحة على الآتي :
• تقدم الحكومة المصرية العمال للشركة طبقاً للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة و طبقاً لاحتياجات العمل .
• تتراوح أجور العمال ما بين قرش و نصف القرش و ثلاثة قروش في اليوم ، و إذا كان العامل دون الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشاً واحداً في اليوم .
• تقدم الشركة الخبز إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره .
• العامل المهمل يخصم من أجره بما يتناسب مع مقدار إهماله .
• العامل الذي يهرب يفقد أجر الخمسة عشر يوماً المحفوظة بخزينة الشركة .
• عمل مستشفى ميداني بمنطقة الحفر و مراكز للإسعاف مزودة بالأدوية .
كان العمال يساقون لساحات الحفر من الوجهين القبلي و البحري و كانت مدينة الزقازيق من أكثر مناطق فرز العمال التي كان يستبعد بها أصحاب الأجسام النحيلة و يختار منهم الشبان الأقوياء الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام في أربعة أيام و يحمل كل منهم قلة ماء و كيس خبز ، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى ، فيتبع وصولهم إصدار الأوامر بتسريح العمال القدامى الذين أمضوا شهراً كاملاً و هي المدة المقررة لبقائهم ، و كانت عمليات الحفر من المشاهد المثيرة التي يحرص على رؤيتها السائحون الأجانب في هذا العصر ..
و قد حدث أن نقضت الشركة وعدها بحفر قناة ماء عزب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى لموت آلاف العمال من شدة العطش ثم توالى سقوط الآلاف أيضاً بسبب إنتشار الأوبئة و نقص المؤن و الملابس و الأحذية ، كما لم توفر الشركة وسائل متطورة في الحفر و أكره العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم و على الفأس و القفة ..
و طبقاً للتقارير الطبية المحفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية كان أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال هي النزلات الشعبية و الأمراض الصدرية و الرمدية و حالات الإسهال الشديد و الدوسنتاريا و أمراض الكبد و الجدري و السل ، ثم جاءت الكوليرا في صيف عام 1865 و عصفت بالعمال ، و تلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور ..
لا شك أن حفر قناة السويس كانت فصولا متتابعة من معاناة العمال المصريين فقد تم الحفر عن طريق سواعد نحو مليون فلاح مصري ممن أجبروا على ترك حقولهم و قراهم لكي يشقوا الصحراء في أجواء من المرض و الجوع و العطش و الأوبئة و المعاملة السيئة ، و قد مات خلال عملية الحفر أكثر من 120 ألف مصري ..
بالفعل كان هناك آلاف الضحايا الذين ذهبوا جراء حفر القناة و هذا تاريخ لا ينكره أحد تماماً كضحايا الحروب و الثورات فهناك دائماً من يدفعون الثمن من أجل تقدم و ازدهار و رفعة الوطن و عليه فإننا أيضاً لا يمكن أن ننكر الأهمية الإقتصادية الكبيرة لقناة السويس بالنسبة لمصر ، فالقناة ليست ملكاً للقطاع الخاص ، و إنما تملكها الحكومة المصرية ، و تستفيد من إيراداتها الكبيرة ، فمثلاً إيراداتها قد حققت في عام 2013 أعلى مستوى في تاريخ القناة ، حيث سجلت 37 مليار جنيه مصري أي ما يقارب 5 مليارات دولار أمريكي .

و

زر الذهاب إلى الأعلى