الأدب و الأدباء

طريق الحب

بقلم : عبدالمنعم هلال

كان يستيقظ من النوم ليفتح عينيه على نفس السقف و الجدران يقول لنفسه اللعنة لن أستطيع أن أنتزع الجدران من مكانها…يَنهض ليضع قدماه فى نفس الحذاء على الاقل هذا يستطيع تغييره لن يرتدى الحذاء اليوم سوف يذهب إلى الحمام حافيا !!..يغسل وجه بنفس الماء متسائلا لماذا لا يتغير لون الماء ماذا سيحدث لو أصبح لونه أزرق مثلا ؟!!…ينظر فى المرآة و نقاط الماء تتساقط على وجهه…للأسف لا يقدر على نزع تلك الملامح أيضا مثلها مثل السقف و الجدران راسخة كالجبل على صدره…نفس الإفطار يتناوله فقط ليقوم بدوره ككائن حى على أكمل وجه…يضع الإبتسامة المزيفة على فمه ليقابل بها نفس الأحداث المتكررة يوميا و كأنها إسطوانة مشروخة من كثرة الإستخدام…يرتدى ملابسه التى لو نطقت لطلبت منه الطلاق فورا..يقف فى الشارع خمسة دقائق يتأمل فى وجوه الناس إنهم لا يتغيرون ! لماذا لا يتغيرون ؟ نفس الوجوه التى أصبحت تشبه أسفلت الشوارع و حوائط البنايات…يقابل نفس الأشخاص ليضحك نفس الضحكات المزيفة التى تدارى ورائها الكثير من النحيب….يعود إلى الفراش بنفس الأمل المعتاد فى غد مختلف و لو نطق الأمل لضحك ساخرا منه…كم هو قاس عندما يصبح حتى الروتين روتينيا !!…كان عليه أن يخاطر و يفتح مساحة للحب الذى لم يكن يوما يؤمن به…كان يسمع كلاماََ كثيرا لم يصدقه أبدا عن أنه لاشىء غير الحب يمنح الأشياء صفات جديدة و يجعلها مختلفة و كأنك تراها لأول مرة…طريق الحب ملىء بالعثرات و الجروح و لكنه يستحق العناء…مع مرور الوقت و السنين و فى منتصف الطريق رأى الأمر كله من منظور جديد فجأة !! رغم يأسه الشديد فى وقت ما من أن يرى شيئا جديدا مرة أخرى و رغم إقتناعه التام أن كل الأشياء أصبحت متشابهة و مملة و لكن طريق الحب صنع له عيون جديدة محلها ليس وجه و لكنها عيون أخرى تقبع فى القلب…جعله الطريق يصنع من ألمه أملاَ و من ذكرياته المؤلمة تجارب و خبرات تكسوه بالحكمة و تجعل منه منارة للآخرين…أصبح ينظر بعينيه الجديدتين إلى قلوب الناس و ليس إلى وجوههم و لو حتى رأي من الناس ما لايرضيه فلم يعد يحزن كثيرا…لقد أصبحت روحه مُحبة….حتى عندما كان يقرر أحيانا أن يتنحى جانبا و يمضى فقد أصبح يمضى دون أن يكره و دون أن يَجرح…أدرك أنه هو مَن يستحق الحب و أن الكراهية نار تأكل كل ما فى طريقها شيئا فشيئا حتى تحرقه هو نفسه فى النهاية…أدرك أنه إذا لم يجد الحب داخله فلن يجده خارجه…إكتشف أنه عندما كان ينظر للأشخاص من حوله فى وجوهم كان يجدهم يكرَهون و يغضَبون و يحقِدون و يكذِبون و ينافقون و يعتصر الحزن و الحقد قلبه…فقط عندما استخدم عيونه الجديدة التى تنظر مباشرة إلى القلوب وجد إنهم مجرد بشر بؤساء مثله يتألمون و تائهون و تملأهم الحيرة..لم يتوصلوا بعد للحب فى داخلهم و مازالوا لا يؤمنون بإنسانيتهم ولا يستطيعون أن يسامحوا أنفسهم…هم لا يستحقون منه سوى التعاطف و الشفقة حتى و لو كان بشعور صامت من داخله…أصبح مبتسما و بشوشا قدر إستطاعته ينشر السعادة و الإبتسامة أينما كان… لم يعد ييأس من المحاولة و لا يتوقف عن الحب…لا يمارس القسوة عن عمد أو إنتقاماَ من أشخاص يعيشون فقط فى عقله مجرد ظلال لأشباح من الماضى لم يعد لها وجود…يطهر روحه من الضغينة بقدر إمكانه يوميا لكى لا يجعل من نفسه شخصاَ قاسيا بيديه….عرف أنه إن لم يستطع أن يسامح من جرحه فعلى الأقل عليه أن يسامح نفسه فاذا فقد الأمل فيمن حوله فلن يفقد الأمل فى قلبه فسيظل أولا و أخيرا قلبه هو…إن المحبة نور يولد فى قلوبنا و ينتقل وحده لينير قلوب الآخرين…

زر الذهاب إلى الأعلى