اسليدرالأدب و الأدباء

أنثى الماء

الشاعر العراقي خلف دلف الحديثي

على عيونك ألقى لونه البحرُ
وحاورَ الماءَ في كأس الضحى السكرُ

وجرّدَ الثوبَ من ألوان لحظته
وجرّ ساقَ الندى للغيبة الزهرُ

قد كنتُ أمطر زيتونا على شفتي
فأنجبَ اللفظُ لكن شابه الكسرُ

وأنت يا أنت تاريخٌ يسهّدني
وبي تزقزق أحلامُ الندى الخضرُ

هواك غصنٌ حكى للبرد عن قلقي
فمدّ وجهَكِ في أنساغه الجذرُ

دنيا من العشب كم راودت سنبلها
ولي مآربُ فيها والعصا السحرُ

ملطّخ بغبار التين ثغر غدي
والتوتُ جرّده من لونه الخمرُ

ستّون صفراً وقوفا فيّ تنحتني
ليستقيم بأعلى خاطري الصفرْ

قدّستُ روحك أطيارا تساجلُني
على غصوني فنادى ذئبه البئرُ

ألبست ثوبي الى واديك مزرعة
لمّا علوْتِ مشى في سربك النسرُ

ظلّي هنا الان عندي واطلقي فرحي
حتى العشايا بها يستأثرُ البدْرُ

أنثى من الماء منها الماء صيّرني
طفلاً وأدركني في أوّلي الكبرُ

مذ كان وجهك منسيا أتيت أنا
فعاد نهرُك يجري وانطوى الجزْرُ

فالطينُ دغدغَ كفَّ العشق وانكسرت
مرآة شعري فأوحى الشهقة الشعرُ

حقائبٌ غيمتي برقي سيكشفني
وبي يجوع ويعرى وحده التمرُ

يمتصني الخوف حتى لا أرى طرقي
وبي تتوه الخطى والرأسُ يفترُّ

حتى استقام جفافٌ فيّ صدّعني
وبي أضعتُ الانا فاستنسرُ العصرُ

يا انت يا اين لا ادري فربّتما
مني طلعْتُ ووجهي خانًهُ الطّهْرُ

أسير وحديَ بخيباتي فيدركُني
بابٌ فيأخذني في دربه الفجرُ

ومن ورائي سكوني مدّ ضجّته
وخبأَ الشيء في مجهوله الأمرُ

لا تسأليني لماذا الصيف باغتني
وفرّ مني إلى اللا ملتقى العمرُ

أنا ونفسي رحلنا منذ ازمنة
وما التقينا ولا غنّى الهوى الثغْرُ

لا تسأليني فضوء الشمع راودني
وفي الروابي حكى عن غيمتي القفرُ

من أوّل الماءِ حتى فيك صرت أنا
شيئاً وأمطرني في ثغرك القطرُ

ما زلت أدرس في تلمود مدرستي
وكلما متّ صلى في فمي الحِبرُ

بلى خذيني أنانيّ الرؤى خلدي
ليستحلّ اشتعالي وحده الفكرُ

بعضي ببعضك مكتوبٌ بزاويةٍ
وكلّكِ الكلُّ يا كلّي له الأمرُ

ينقرُ الحرفُ ثغرَ النهدِ منْ عطشٍ
ويسألُ الخيطَ عمّا شالَهُ الصدْرُ

مرّتْ طيوري وحامَتْ حول مملكتي
وأنت طيري الذي فيه احتفى الطيرُ

يا أنت يا أنت في روحي تشاطرني
وفيك أدري أنا قد هالني الهجْرُ

أدريكِ بعضي وبعضي فيك صيّرني
ماءً ومائي ارتمى في كلّهِ النهرُ

أنثى هيَ البحر لا أمنٌ لساحلهِ
والبحرُ مهما استوى منْ طبعِهِ الغدرُ

يا آيةَ اللهِ يا إعجاز صنعتِهِ
شريطُ عمرِكِ عنه سافرَ البحرُ

*

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى