اسليدرالأدب و الأدباء

“لهيب الذكريات”

هبه جمال

ظلال رمادية تتراقص من حوله على أشلاء الحطب المحترق بين جنبات المدفأة، وضوء خافت يتسلل من نافذة بعيدة يتساقط على صفحة وجهه، دقات قلبه الرتيبة وأنفاسه المنتظمة تجعلك تحسبه استسلم لأيادي النوم على كرسيه ذي العجلات الاربع،

لكن لهيب عيناه المشتعلة يحكي صخب أفكاره، عالمه الذي لفظه بعيدًا، وطموحٌ ابتلعه في متاهات الصعود ليهوِي به إلى قعر الخذلان، وشمسهُ التي كاد يطفئها ببرودة مشاعره وخواء قلبٍه، زوجته التي تشبثت أناملها بقلبه لآخر لحظة تمنحه دفئا كاد أن ينساه،

وقلبها الذي حاوط صغيريه تحتضن كفوفهم الصغيرة التي طالما نفضها عنه هاربا إلى مسؤولياته التي لا تنتهي، حتى أفاقَ على عاصفة رمته سجينا على صاحب العجلات،يذكر تلك السفرة التي علق عليها آمال كبيرة، موقف شركته الذي سيتغير فالسوق، واسمه الذي سيكبر،

كلماتها مازالت ترن بأذنيه”انتظر للصباح وخذ قسطًا من الراحة، انت لم تنم منذ يومين… كيف ستقود بهذه الحالة؟” لكنه لا يلتفت لها، تتثاقل جفونه وتنحرف يداه على المقود فتنحرف السيارة لتصطدم بأخرى من الإتجاه المعاكس، لتنقلب عدة مرات وتستقر رأسًا على عقب، يفتح عيناه على أيادٍ تحمله وأصوات تناديه،

ثم يبتلعه الظلام مجددا، بين وجوه الأطباء وغرف العمليات عاش أيامًا لا يدري عددها، الكل يخبره انه سيكون بخير..

لكنها مسألة وقت، والوقت إشكالية أخرى لم يحسب حسابها، ويوما بعد يوم تتناقص الوجوه من حوله ،ليجد نفسه وحيدا إلا من تلك العطايا التي حسبها يوما حملا على كاهله..

زوجته وطفليه، نادم هو دون شك على حياة اضاعها بعيدا عنهم، ويرثو وقتا طويلا خسره حتى هزم شياطين يأسه، وسمح لبهجة ضحكاتهم ان تحيي روحه الذابلة، ولبراءتهم ان تشفي جراح قلبه، ولابتسامة زوجته ان تبعث صخب أنفاسه.

ضوء الشمس الذي بدد كآبة ذكرياته داخلا معهم من فتحة الباب الواسعة، وصوت خطواتهم المندفعة نحوه و كلماتهم التي اشتاقها سريعا”لقد عدنا..هيا لتلعب معنا….

هيا أبي لقد وعدتنا” جعلته ينهض سريعا عن ذلك الكرسي الذي ظل حبيسه خمس سنوات بين يأس وأمل لم يتركوا يده فيها للحظة، ويستدير ليستقبلهم بين ذراعيه، يملأ صدره بندى رائحتهم، وتجلجل ضحكته بين هتافاتهم ،

فيلمح نظرتها الاثيرة تلومه ككل مرة يعود لذلك الكرسي، يجذبها الى صدره يربت على قلبها يخبرها أنه يحتاج أن يتذكر حتى لاتبتعد خطواته من جديد.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى