اسليدرالاسلاميات

من تواضع لله رفعه

كتب : د. أشرف الحواط الداعية الإسلامي واستشاري الموارد البشرية والتدريب

” مع أن محمداً ﷺ كان سيد الجزيرة العربية، فإنه لم يفكر في الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها بل ظل على حاله مكتفياً بأنه رسول الله وأنه خادم المسلمين ينظف بيته بنفسه ويصلح حذائه بيديه ” ( ايفلين كوبولد ) .

فالتواضع هو خلق إنساني عظيم، يجعل الإنسان يعامل الآخرين بلطف، ويتطلّع لهم بنظرة احترام وتقدير ومساواة ، دون تكبّر أو تعالٍ، سواء أكان يتفوق عليهم بالمال، أو العلم، أو الجاه

فعن أنس رضي الله عنه قال:جاء رجل للرسول ﷺ فقال: يا خير البرية،فقال رسول الله :- ” ذاك إبراهيم عليه السلام ” رواه مسلم .

فقد كان ﷺ متواضعًا في دعوته مع الناس، فكان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، وتأخذه بيده الأمَة فتنطلق به حيث شاءت، وكان في بيته في خدمة أهله، ولم يكن ينتقم لنفسه قط، وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، فكان متواضعًا من غير ذلة، جوادًا من غير إسراف، رقيق القلب رحيمًا بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين ﷺ .

وحينما سُئلت السيدة عائشة: “ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة ” رواه البخاري .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه :- “خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ “. رواه البخاري

ولم يكن متميزاً عن أصحابه في هيئته أو مجلسه، فكان الداخل في المسجد لا يعرفه حتى يسأل فيقول:أيكم محمد ؟

وأنه كان يتناوب مع علي بن أبي طالب وأبي لبابة على بعير واحد في غزوة بدر، حتى إذا كانت نوبته، قالا له: ” اركب حتى نمشي، فقال لهما: ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما رواه البخاري ، وكيف أنه كان يشاركهم في بناء المسجد وحفر الخندق في غزوة الأحزاب حتى اغبرت بطنه صلى الله عليه وسلم ويشاركهم في كل شئ .

وها هو ينهى الناس عن إطرائه – وهي المبالغة في المدح، ومجاوزة الحد إلى ما لا يرضاه الشرع – فقال: ” لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله ” ( رواه البخاري ) وكان يمنع أصحابه من القيام له .

وهذا الموقف النبوي الإنساني الرائع عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنَّ امرأةً سوداءَ كانت تَقُمُّ ( تنظف )المسجدَ ( أو شابًّا ) ففقدها رسولُ الله ﷺ. فسأل عنها ( أو عنه ) فقالوا : مات .

قال أفلا كنتُم آذَنْتُمونى . قال : فكأنهم صَغَّروا أمرَها ( أوأمرَه ) . فقال : دُلُّوني على قبرِها فدَلُّوه . فصلَّى عليها . ثم قال إنَّ هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها . وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم» رواه مسلم:

وهذا يدل على أن النبي ﷺ كان يتفقد الجميع، حتى الضعفاء الذين لا شأن لهم في نظر الكثيرين، إنسان يقم المسجد، ليس قائد جيش، وليس أميراً، أو رئيس قبيلة، أو نحو ذلك، كان يقم المسجد، أو امرأة كانت تقم المسجد .

ففقد هذا أو هذه المرأة فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟، يعني: أعلمتموني بموته، فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، يعني: كأنهم رأوا أن الأمر ما يستدعي إعلام النبي ﷺ لأنه جاء في بعض الروايات أنها ماتت بليل، فرأوا أن الأمر لا يتطلب المشقة على رسول الله ﷺ من أجل أن يأتي بليل إلى المقبرة، ويشهد دفن هذه المرأة، فهي لا شأن لها، يقوم بهذا الأمر طائفة من أصحابه، ويحصل المقصود فكان يتفقد أصحابه

فالحاصل كأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: دلوني على قبره، يعني: قبر الميت سواء كان امرأة أو رجلا بحسب الروايات، فدلوه عليه.

فالنبي ﷺ لم يتركها بل سأل عنها وعاتبهم، وقال: دلوني على قبرها، كل ذلك اهتماماً بهذه المرأة التي كانت تقم المسجد.

وهذا يدل على كمال رحمته ﷺ وشفقته وتواضعه، فإن المتكبر لا يفعل مثل هذا، ولا يسأل عمن لا شأن لهم، ولا مكانة، ولا منزلة، بل يحتقرهم، ولا ينظر إليهم، ولا يسلم عليهم.

والآن بعض الناس ربما يستصعب أنه يرفع يده يسلم على عامل النظافة الذي يراه في الطريق، أو نحو ذلك، والنبي ﷺ وهو أكمل الأمة وأشرفهم يسأل، ويذهب، ويصلي على هذه المرأة، فلنا به أسوة ﷺ، وهذا كله يرجع إلى هذا المعنى الكبير، وهو أن قدر الإنسان ليس بشكله، وليس بوظيفته، وليس بنسبه وشرفه، وإنما بتقواه لله -تبارك وتعالى، حتى لو كان يقمُّ – يكنس- الشوارع، أو المسجد، أو أنه يشتغل بأشغال ضعيفة لا شأن لها عند الناس، ولا اعتبار بها، فالعبرة بالتقوى، ليست العبرة أين تشتغل، وليست العبرة بمؤهلات الإنسان، والشهادات التي يحملها، وإنما العبرة بما يحمله بين جنبيه من التقوى لله .

فتواضعوا واعلموا أنه من تواضع لله رفعه ، ومن تواضع دون قدره وضعه الناس فوق قدره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى