اسليدرالثقافةقرأت لك

قرأت لك

متابعة : عادل شلبى

مقال للدكتور رمضان الحضرى عن كتاب نحو تأسيس عصر ديني جديد للأستاذ محمد عثمان الخشت المتخصص فى فلسفة الأديان والبحار مقال هو بالفعل رائع فى الفكر والمنهج الفلسفى والمنطقى وما أولنا اليه كمجتمع عربى حين نبتعد عن الأصول فكرا

مقال يتناول فيه الدكتور رمضان الحضرى الفصل الأول من الكتاب شرحا وتحليلا ونقدا بناءا لكل من يقرأ هذا الكتاب القيم واليكم المقال كاملا دون نقص أو تحريف أو زيادة

نحو تأسيس عصر دينى جديد للدكتور الأديب المفكر رمضان الحضرى
يقول العناوين في الفنون تحتمل الخيال والتجديد ، لكنها في الفكر الفلسفي تحتاج للتحديد والتقييد ، وعنوان ( نحو تأسيس عصر ديني جديد ) ،

لا يمكن لعالم أو إمام أن يقول به إلا إذا كان في حجم محمد عثمان الخشت المتخصص في فلسفة الأديان ، والبحار المخضرم الذي يعرف مواطن الدر ويملك القدرة على الغوص ، ويتقن العودة لليابسة على مسبار دقيق ووعي شفاف عميق .

وفي هذه القالة يتجاذبني شعوران متناقضان ، فعلو مكانة الكتاب تشعرني بالضعف ، وأهمية الموضوع في هذا الوقت بالتحديد يشعرني بالقوة .

ولن أتناول الكتاب فقرات لشرحه ، ولا فصولا لطرحه ، ولا إجمالا لبيان أهميته القصوى ، ولا تفصيلا فقد جاءت التفاصيل فيه مثلى ، لكنني سوف أمر تحت ظله دقائق للفيء ،

هربا مما يدور على الشاشات من حوارات كاذبة وإدعاءات باطلة وتناولات باسم الدين مضللة ، فدعائي للمؤلف محمد عثمان الخشت أن يعلمه الله علما لاينسى ، وأن يجعل علمه طاعة لله واتباعا لمنهاج النبوة القويم .

وقد سرني حد الدهشة وقوف المؤلف بوعي تام في المنتصف
_ تماما _ بين كل المعطيات فلم يميز قديما لسبقه ، ولم يؤخر
جديدا لحداثته ، بل تناول ( منهج الشك الديكارتي ) بوعي يتماس
مع وعي عميد الأدب العربي طه حسين ، وإن كان الخشت يملك من
المعارف الجديدة مالم يكن يملكه العميد ، وهذا جعل تحديده للمقدس
واضحا ، ولغير المقدس صريحا ، وأسقط التحديدين على عصرنا الحالي الذي تغير كثيرا عن العصور السابقة ، فأصبحنا بحاجة ماسة لعلو همة العلماء الحقيقيين ، الذين يفهمون قبل أن يقولوا ، فإذا قالوا حددوا وفندوا وتركوا الباب مفتوحا للاجتهاد .

وحينما يصور الخشت سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو شاب ذكي واع ، يريد أن يعرف رب الكون وخالقه ، ويقع في شك وحيرة ، فيظن أن القمر هو ربه ثم يناقش القضية بعقله الراجح فيجد أن القمر لايصلح أن يكون ربا ، ثم يختار الشمس ليجد فيها ميزة أعظم فهي أكبر حجما من القمر ، لكن الشمس تأفل كما يأفل القمر ، والشاب يدرك بفطرته أن الخالق لايغيب عن خلقه ، فهو يرعاهم ويتولاهم ويحسن إليهم ويكرمهم ،

وهنا تسبق الفطرة الصحيحة علوم الفلسفة الحديثة ، وإلا فماذا نسمي هذا الشك من خليل الرحمن وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام .

ويبرز الخشت فرقا جليا وجليلا بين دعوة الأنبياء ودعوة الأدعياء
فحينما تصير النبوة إلى إبراهيم ويجادل ملكا كبيرا ، وسلطانا خطيرا ، فأبو الأنبياء لايسب ولا يلعن ، ولا يتبرم ولا يضج ، ولا يمسك سلاحا ليقتل ، ولا يجمع عصابة ليفسد ، بل كان العقل درعه والفكر سلاحه ، فلما ناظره الملك وقتل رجلا أمامه لم يسب إبراهيم الملك رغم معرفته حجم الجريمة النكراء في هدم بنيان أقامه الله ، بل أسرع إبراهيم لعقله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .

إن الفلسفة ترى حدودا بين العلوم ، ولكنها ترى كذلك تكاملا فيما بينها ، وهذا ما استخدمه الخشت بنوع من الابتكار بين التاريخي

والخطاب الديني ، والخطاب في أبسط تعريف له ( طريقة التقديم ) ، فالخطاب الشعري يعني طريقة تقديم القصيدة ، والخطاب السردي أو الروائي يعني طريقة تقديم الرواية والقصة ، والخطاب الديني يعني طريقة تقديم الدين للناس ، ولكل خطاب عناصر ومحددات خاصة به طبقا لنوع هذا الخطاب ، وما يعنينا في قالتنا تلك هو الخطاب الديني

ويؤكد الخشت وأنا أكثر تأكيدا على قوله : ( لايمكن أن يقنعني أحد بأن الإسلام السائد في عصرنا هو الإسلام الأول الخالص والنقي ) ، هذه الجملة حددت كل مسارات الكتاب ، فهناك فرق بين الإسلام في عصر النبوة والإسلام في عصرنا الحالي ، والمؤلف يريد أن يتوصل للإسلام بدرجة نقائه الأولى وهذا ليس عسيرا كما يظن البعض ، فالإسلام في حالته الأولى في الكتاب والسنة المترتبة عليه وهي السنة الصحيحة عن الرسول صلوات الله عليه وسلامه .

وبالتالي فالمشكلة ليست في دين الإسلام ، بل المشكلة في المسلمين الذين تناولوا هذا الدين عبر وسائط مختلفة وأكثرها تستخدم النقل بلا وعي ، وتهمل أو تجنب العقل حين يعي ، وقد تبين للجميع أن النتائج جاءت كارثية على المجتمع الإسلامي لأن القياس لصلاحية الفكرة أو فسادها هو نجاحها في تطوير المجتمع ، فالفكرة الصالحة مصلحة وناجحة ، والفكرة الفاسدة مفسدة ولا ترتبط بالواقع ، وما جدوى الدين إذا لم يرتبط بالواقع ؟!

سؤال محوري وضروري للغاية ، هل جاء الدين من عند الله ليفسد حياة الناس أم ليصلحها ؟ هل جاء الدين حياة أم فناء ؟ هل جاء الدين نورا أم ظلاما ؟ أسئلة للعامة والخاصة ولكل المهتمين ، والإجابة : حينما يكون هناك فساد فليس ثمة دين .

وبالتالي بيَّنَ الفيلسوف الخشت أسباب حالة الجمود والتخلف التي يعيشها المجتمع الإسلامي لعيوب في فهم منهاج الإسلام ، وليس العيب في نهج الإسلام ذاته ، نعم فالحصى الذي سبح في كف النبي

والأشجار التي أتت طائعة والجمل الذي اشتكى والكفار الذين آمنوا والمشركون الذين دخلوا في الإسلام ، كل هؤلاء يؤكدون صحة المنهج ، ثم انتشار الإسلام في ثلثي العالم لمدة تصل إلى أكثر من سبعة قرون ويأخذ بالعلوم وينشر الخير وحسن الخلق ويقيم العدل ألايؤكد كل هذا صحة المنهج الإسلامي !

وطالما أن المشكلة واضحة فيمن يفسرون المنهج فمن الطبيعي أن يقوم العلماء على تفكيك هذه التفسيرات التي أدت إلى نتائج سيئة أساءت للمنهج وأساءت لمن ينتسبون له ، فعلينا بالعودة لصحيح المنهج وإعادة تطبيقه على الواقع الحالي ، وقدم الخشت الأدلة على ذلك ، حينما يطلب إبراهيم دليلا ماديا خارجيا من الواقع ( رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ ) فيقول له الله ( فخذ أربعة من الطير … إلى آخر الآية ) ،

وكذلك يأخذ إبراهيم أدلة عقلية من خلال التدبر في الكون من حوله ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) ، وحججاً عقلية خالصة ( أفتعبدون من دون الله ما لاينفعكم ولا يضركم ) إلى جانب قوة الحوار العقلي في مناظرته ومحاورته للملك حتى ( فبهت الذي كفر ) حين يلزمه إبراهيم الحجة العقلية والمرتبطة بالعالم من حوله ، فيطلب منه ما يعجزه بلطف جم وذكاء وحسن أدب ،

وهنا فإن كل من يعرف منهج أبي الأنبياء إبراهيم الخليل _ عليه السلام _ سيقول مباشرة إنه منهج منضبط للغاية كما أعلنها المؤلف صريحة حين يقول : ( وهكذا فإن منهج أبي الأنبياء منهج منضبط ، ومن أسفٍ فإن الكثيرين يخلطون بين المنهج والمذهب ) ، صـ 35 .

والكتاب نفثة مصدور وزفرة مهموم وعبرة مكلوم على منهج رباني مقدس وصحيح ونافع بل وضروري لإقامة حياة تتكامل فيها الإنسانية ولا تتنافر ، وتتحد بلا تفرقة ، وتتحاب بلا عداوة ، وتتحاور بثقة وبلا جدال عقيم ، كل هذا جعل كتاب ( نحو تأسيس عصر ديني جديد ) من أهم الكتب الموجودة في حياتنا في الوقت الراهن ،

فالكتاب يرسم خريطة واضحة لإعادة النظر في فهم المقدس من خلال العقل والواقع المرئي ، وربط الدين بالحياة من خلال مراحل متعددة أولها تفكيك الخطاب القديم وتطويره لا إحياؤه ، وتفكيك المرجعيات الدينية السابقة التي جعلت الطريق أمام العقل مسدودا ، والحق أن بعض هذه المرجعيات أنهكت المعترضين عليها في عصرها وما بعد عصرها بسبب ولاء المنتفعين بذلك المنهج النقلي ، الذي جنب أو قتل كل ماهو عقلي .

هذه مقالة أولى عن كتاب ( نحو تأسيس عصر ديني جديد ) لمؤلفه الفيلسوف الأستاذ الدكتور / محمد عثمان الخشت ، وقد تناولت الفصل الأول في هذه القالة ومهدت للفصل الثاني وهو الأهم عندي ، وسوف أتناوله في القالة القادمة طاعة لله وبأمر الله جل في علاه ، إذا منّ الله علينا بالحياة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى