الاسلاميات

التوكل على الله تعالى في جميع الأُمور

كتب _ اشرف المهندس

اللقاء الايمانى المتجدد مع فضيلة الدكتور اسماعيل المرشدى من مديرية اوقاف الاسكندرية

من أعظم العبادات القلبية التوكل على الله تعالى في جميع الأُمور، قال بعض أهل العلم: التوكل صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في جلب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وأن يكل العبد أموره كلها إلى الله، وأن يحقق إيمانه بأنه لايعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع إلا هو سبحانه وتعالى (1). قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17]. وقد أمر الله عباده المؤمنين بالتوكل في مواضع عديدة من كتابه، وجاء ذكره في أكثر من خمسين آية. قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 58]. وقال سبحانه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]. وقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 217 – 219].
روى الترمذي في سننه والإمام أحمد في مسنده من حديث عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُوْنَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا» قال الحافظ ابن رجب: هذا الحديث أصل في التوكل وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق، قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقد دل حديث عمر – رضي الله عنه – أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها، فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي، لكنه سعي يسير وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: تَوَكِّلْ عَلَى اللهِ تُسَقْ إِلَيْكَ الأَرْزَاقُ بِلاَ تَعَبٍ وَلاَ تَكَلُّفٍ قَالَ سَعِيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإِيْمَانِ قال ابن القيم رحمه الله: التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وقال: «التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل استعانة والإِنابة هي العبادة»روى أبو داود في سننه من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ» قَالَ: «يُقَالُ حِيْنَئِذٍ: هُدِيْتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيْتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِيْنُ: فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ! » وروى البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام حِيْنَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ – صلى الله عليه وسلم – حِيْنَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانًا وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ فإبراهيم عليه السلام عندما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، كانت عاقبته ما قاله جل وعلا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ومحمد عليه الصلاة والسلام حين قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، كانت عاقبته ما قاله سبحانه: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174].
قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]. ولو توكل العبد على الله حق التوكل لم يحتج إلى غيره، لكن لما علم الله تعالى ضعف البشر شرع لهم من الأسباب ما يتمم لهم به معنى التوكل، وذلك من رحمته تعالى بعباده ولطفه بهم. قال المروذي رحمه الله: قيل لأبي عبد اللَّه: أي شيء صدق التوكل على اللَّه؟ قال: أن يتوكل على اللَّه، ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذا كان اللَّه يرزقه وكان متوكلاً فعلى المسلم أن يفهم هذه الحقائق، وأخص بالذكر إخوانًا لنا يطلبون أرزاقهم بطرق محرمة أو مشبوهة، كالذين يعملون في البنوك الربوية، أو يتاجرون بما حرم الله، كآلات اللهو أو المخدرات، أو الخمور، أو الدخان، أو يتعاملون بالكذب والغش والخيانة والخداع، لأخذ أموال الناس بغير حق، ويكفي أن نسوق إلى هؤلاء جميعًا هذا الحديث العظيم الذي أوحاه جبريل الأمين إلى الرسول الكريم نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم -، فاسمعوه وتأملوه؛ فإنه جدير بالتفهم والتدبُّر لما اشتمل عليه من الحكم العظيمة. روى أبو نعيم في حلية الأولياء من حديث أَبِيْ أُمَامَةَ – رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ»: إِنَّ رُوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوْعِي: أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوْتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ أَجَلَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى