مقالات واراء

حتي لا ننسى حق الشهداء

ناصر محمد ميسر 

جريدة العالم الحر

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)؛

حاولت جاهدا أن أداري وأخفي دموعي، وأنا اسمع كلمات أسر شهداء الشرطة، وأري الأم الثكلي والأب المكلوم والأرملة واليتيم الرضيع، والأرملة التي تحمل جنينا تيتم قبل أن يخرج للدنيا. وفشلت في أن أتماسك وانهمرت دموعي وخشيت أن يراني من حولي، من لواءات ووزراء، وضباط، ورؤساء تحرير، وإعلاميين، والحاضرين لاحتفال عيد الشرطة، ولكن وجدتني لست وحدي الذي غلبته دموعه، فكل من في القاعة بكي حتي الرئيس، وظني أن كل شعب مصر بكي علي أرواح شهدائنا الذين راحوا ضحية الغدر والإرهاب. وبكاؤنا ليس ضعفا ولا خنوعا، ولا استسلاما، ولا اعتراضا علي مشيئة الله فيمن فقدناهم، ولكن حزنا علي الفراق، وإصرارا علي الأخذ بالثأر من الخونة أعداء الوطن.؛

وإذا كان رأس الدولة قد أقسم باسم الله علي ألا يترك دما يسيل هدرا، فإنه يجب علي كل مسئول في الدولة أن يردد وراء الرئيس هذا القسم حتي نأخذ ثأرنا جميعا.. وحتي نكون عند ظن أهالي الشهداء الذين قالوا للرئيس وهم يتسلمون الأوسمة: ولادنا مش خسارة في مصر.
فكل شهيد مات لنعيش نحن، وضحي بحياته فداء لبلده وأبناء بلده.
وثأر الشهداء ليس بالقصاص من الإرهابيين، ومن يمولونهم ومن يخططون لهم، بل بنهضة مصر ورفعتها، وتقدمها، فكيف ننهض ومازال هناك مقصرون في عملهم إلي الحد الذي يصل إلي أن والد أحد مصابي العمليات الإرهابية يستنجد بالرئيس لإنقاذ ابنه وتوفير العلاج له. فلو لم يقصر القائمون علي علاج هذا البطل ما لجأ الأب المسكين إلي الرئيس، وماذا لو لم يستطع الوصول للرئيس، فهل سيكون مصير ابنه البطل هو الموت، علي طريقة من لم يمت بالإرهاب مات بالإهمال.
لقد سردت هذه القصة – التي رواها الرئيس بنفسه – علي سبيل المثال لا الحصر، فالمآسي كثيرة، وأصحاب المظالم كثر، وهذا هو هدف الإرهاب الرئيسي، فليس القتل فقط مقصدهم وهدفهم، بل إشاعة حالة من الفوضي، وإصابة المواطنين بالإحباط واليأس، ومحاولة صرف نظر الدولة عن المستقبل، وإنهاك القوي في المشاكل اليومية والحياتية وعلاج الأزمات الناتجة عن التقصير والإهمال ووضع الأشخاص غير المناسبين في الأماكن الحيوية.

وإذا كان الرئيس قد تحفظ وهو يقول ملاحظته علي رفض البرلمان قانون الخدمة المدنية، الذي وضع من أجل الإصلاح الإداري في مصر، هذا الهيكل الذي يضم 7 ملايين موظف لايحتاج الجهاز الإداري منهم سوي مليون أو مليون و500 ألف علي الأكثر، وكان تحفظ الرئيس من منطلق حرصه علي التأكيد علي الفصل بين السلطات (التنفيذية، القضائية، التشريعية)، ولأنه بموجب الدستور رئيس السلطة التنفيذية، وبموجب الدستور الحكم بين السلطات.
أما نحن ـ صحفيين وإعلاميين ـ فمن حقنا أن ننتقد البرلمان وأن نقول إن رفض مثل هذا القانون هو الموافقة علي حالة الفوضي والسيولة الموجودة في الجهاز الإداري المصري الذي يمس 90 مليون مواطن، فإذا كان شعار هؤلاء الرافضين هو الحفاظ علي حقوق 7 ملايين موظف، فإن شعارنا هو الحفاظ علي حقوق باقي الشعب الـ 90 مليون مواطن.
ولم نسمع من نائب مبررا واحدا لرفضه القانون، اللهم إلا أن بعض الجهات التي يتقاضي موظفوها الآلاف قد تقل آلافاتهم مستقبلا.

فمن يرفض أن يتم ربط الأجر بالإنتاج؟
من يرفض أن تكون الترقيات طبقا للكفاءة وليس الأقدمية؟
من يرفض أن يتم الإصلاح دون أن يتأثر أحد أو الاستغناء عن أحد؟
من يرفض أن يتم التحديث دون خفض مرتب أحد؟
من يرفض أن يتم تقنين الزيادات في المرتبات؟
لقد رفض البرلمان كل ذلك!
وحتي لا أكون متحاملا علي البرلمان فإنني أيضا ألوم الحكومة والإعلام معا، لأن الحكومة لم تشرح أبعاد القانون، ولم تطلب أن تخصص جلسات استماع للوزراء المعنيين بتنفيذ هذا القانون ليستمع لهم النواب، ولم تتعب الحكومة نفسها في أن تطبع مذكرة تفسيرية مبسطة لشرح القانون وتقوم بتوزيعها علي النواب قبل مناقشة الموضوع. لأن هذا القانون ليس كأي قانون فهو قاطرة الإصلاح وسيتم بناء علي تنفيذه ـ وهو منفذ بالفعل ـ سلسلة تشريعات إصلاحية أخري، كما أن رفضه سيحمِّل الدولة مليارات الجنيهات؟
ولقد أخطأ رئيس الوزراء شريف إسماعيل عندما تجاوز اختصاصاته وصرح للإعلام وقبل مناقشة القانون في البرلمان ـ أن البرلمان سيوافق عليه، فهو ليس ضاربا للودع، وليس دوره أن يفتئت علي اختصاصات البرلمان، وقد صوَّت بعض الأعضاء برفض القانون نكاية في رئيس الوزراء.
والإعلام أيضا كان من واجبه أن يشرح للرأي العام من خلال الصحافة والمواقع الإلكترونية والفضائيات القانون، بدلا من الاستغراق في موضوعات الدجل والشعوذة، وفلان اتجوز فلانة، وفلانة تقاضي فلانا لإثبات بنوه أبنائها، والراقصة الأجنبية يحاولون طردها من مصر.. وكل هذه التفاهات وغيرها.
ومع هذا اللوم فأنا لا أعفي النواب الموقرين من ضرورة أن «يذاكروا» كل تشريع يعرض عليهم، ويسألوا فيه ويستشيروا أهل الخبرة والمعرفة. وهم يملكون وسائل تحقيق ذلك.
كما أن التصويت الإلكتروني الذي يطبق لأول مرة – قد أتاح الفرصة لبعض النواب للضغط علي زر الموافقة لنواب آخرين لم يحضروا الجلسة.
ومواقع التواصل الاجتماعي مليئة بڤيديوهات تثبت ذلك، وظني أن ذلك يمكن أن يكون مخرجا لإعادة التصويت برفع اليد.

كان من الضروري إثارة هذا الموضوع لأنه سيكون بداية أزمة حقيقية بين الحكومة والبرلمان، وإذا لم يتم تداركها من خلال تشكيل لجنة مشتركة من أعضاء بالحكومة برئاسة شريف إسماعيل وهيئة مكتب مجلس النواب برئاسة علي عبدالعال فإنه لن يكون هناك أدني تعاون بين السلطتين في المستقبل، وهذا هو ما يبغيه ويتمناه ويسعي إليه الإرهاب والإرهابيون.

علينا جميعا أن نضع مصلحة البلد أمام أعيننا، ونقدمها علي مصالحنا الشخصية، وأن نعمل جميعا بروح الفريق الواحد.. فكل واحد منا يكمل الآخر.. حتي لا نهدر دماء الشهداء، ودموع الرئيس

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى