أخبار مصراخبار عربية وعالميةالأدب و الأدباءالثقافة

الدكتور خالد عبد الغنى يكتب ,,, العميد مرة ثانية

فقد تقاطعت بيننا بعض الحوادث منها عدم إكمال كلينا الدراسة الأزهرية والفوز بشهادته

جلست مرتين خلال عامين أمام العميد المرة الأولى في أغغسطس عام 2017 والثانية 19 نوفمبر 2018 باتحاد الكتاب المصريين ،  فقد تقاطعت بيننا بعض الحوادث منها عدم إكمال كلينا الدراسة الأزهرية والفوز بشهادته

، إكبار كلينا لشخصية الشيخين -أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضى الله عنهما إكبارا خاصا، والإيمان بالتعليم والعلم والتحديث والأدب والتاريخ والشأن السياسي ومستقبل الهوية والثقافة المصرية، وكلما هممت بالكتابة عنه توقفت وبخاصة عند تحليل “الأيام” لما فيها من بعض الخصائص النفسية التي تميزه مثل عدوانه الكامن تجاه والده وبعض أفراد أسرته ومشايخه والحياة القاسية التي عاشها، وإلحاحه في طلب حاجاته بصفة دائمة التي ربما كانت ضرورية لمواجهة تجاهل المجتمع، وتجاهل ذكر أسماء بعض الناس أصحاب الفضل عليه في رحلته الباريسية أو الدراسة بالجامعة المصرية – جامعة فؤاد ثم جامعة القاهرة فيما بعد – وأيضا أثناء رحلة الدراسة الأزهرية فحياته يسردها في كتاب الأيام ليقص بها قصة حياته؛ طفولته في قريته وشقاوته مع شيخه ثم الانتقال إلى أعمدة الأزهر حيث كان يتجلى كل أمل أبيه أن يراه عالماً يعتكف على إحدى تلك الأعمدة يدرّس فيها طلابه. ذهب طه حسين إلى الأزهر وفي مخيلته صورة جميلة عنه لم تزل حتى أقتحم القاهرة وعاش وتنقّل بين صحون وأعمدة الأزهر وعاش فيها ما عاش ورأى فيها ما رأى.
ويتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء و هي : الجزء الأول: يتحدث فيه طه حسين عن طفولته بما تحمل من معاناة، ويحدثنا عن الجهل المطبق على الريف المصري وما فيه من عادات حسنة وسيئة في ذلك الوقت. الجزء الثاني: يتحدث عن المرحلة التي امتدت بين دخوله الأزهر وتمرده المستمر على مناهج الأزهر وشيوخه ونقده الدائم لهم وحتى التحاقه بالجامعة الأهلية. الجزء الثالث: يتحدث فيه عن الدراسة في الجامعة الأهلية، ثم سفره إلى فرنسا وحصوله على الليسانس والدكتوراة ودبلوم الدراسات العليا ثم العودة إلى مصر أستاذاً في الجامعة. ويأمل طه حسين : “أنا أتمنى أن يجد الأصدقاء المكفوفين في قراءة هذا الحديث تسلية لهم عن أثقال الحياة، كما وجدت في إملاءه، وأن يجدوا فيه بعد ذلك تشجيعاً لهم على أن يستقبلوا الحياة مبتسمين لها، كما تبتسم لهم ولغيرهم من الناس”. وكتب يقول محمد الباردي في كتابه ” عندما تتكلّم الذّات -السّيرة الذّاتية في الأدب العربيّ الحديث-(2005) :” للمرّة الأولى يرفع السّارد قناعه ويكشف عن وجهه وهو يخاطب ابنته وهي في التّاسعة من عمرها ليفصح عن بعض سماته المميّزة لـه ” إنّك يا ابنتي لساذجة سليمة القلب، طيّبة النّفس، أنت في التّاسعة من عمرك، في هذه السنّ الّتي يعجب فيها الأطفال بآبائهم وأمهاتهم” ويذكر زوجته ذكرا يبطن امتنانا وتقديرا وحبّا “لقد حنا يا ابنتي هذا الملك على أبيك، فبدله من البؤس نعيما ومن اليأس أملا ومن الفقر غنى ومن الشّقاء سعادة وصفوا.” ثمّ يذكر عاهته ذكرا يثير الشّفقة عندما يشبه نفسه بأوديب الذي مضى في طريقه بلا بصر ” رأيتك ذلك اليوم تسمعين هذه القصّة مبتهجة من أوّلها ثمّ أخذ صوتك يتعثّر قليلا قليلا. وما هي إلاّ أن أجهشت بالبكاء وانكببت على أبيك لثما وتقبيلا، وفهمت أمّك وفهم أبوك وفهمت انا أيضا أنّك إنّما بكيت لأنّك رأيت أوديب الملك كأبيك مكفوفاً لا يبصر” إنّها إشارات قليلة ولكنّها ذات أهميّة قصوى لأنّها تطرح العلاقة الممكنة بين السّارد ولشّخصيّة والمؤلّف وتحديد هذه العلاقة يتّصل أساسا بتحديد جنس هذا الكتاب.
بيد أنّ هذه العلاقة من خلال هذا الفصل، لا تخلو من تعقيد ولبس، فالسّارد يصرّح بأنّه يخاطب ابنته ” لقد عرفته يا ابنتي في هذا الطّور من أطوار حياته” وهو يصرّح كذلك أنّ هذه البُنيّة التي هو أبوها، هي في الوقت ذاته ابنة الشّخصيّة المركزيّة في الكتاب أي ذاك الّذي كان طفلا وحرمته الحياة من متعة البصر والنّور “و إنّي لأخشى لو حدّثتك بما عرفت من أمر أبيك حينئذ أن يملكك الإشفاق وتأخذك الرّأفة فتجهشي بالبكاء” وإنّي لأخشى يا ابنتي إن حدّثتك بما كان عليه أبوك في بعض أطوار صباه أن تضحكي منه قاسية لاهية وما أحبّ أن يضحك طفل من أبيه”.

 

 

احمد فتحي رزق

المشرف العام
زر الذهاب إلى الأعلى