أخبار عاجلةالأدب و الأدباء

الناقد صلاح يس و قراءة للمجموعة القصصية , الحب فوق هضبة الفيس بوك ,

لا أدعي أنني ناقد أو حتى أزعم هذا الزعم . إنما أنا مجرد قارئ .. يجتهد ليفهم ما يقرأ فقط ، عله يجد فيه شيء يفيده من الناحية الأدبية .. قراءة أو كتابة .

هذه قراءة في عدد 6 قصص قصيرة ، مختارة من المجموعة .

وهذا أجدى ما يمكن أن يكون بالنظر إلى عدد قصص المجموعة البالغ 33  قصة ..! استغرقت 131 صفحة ، باستثناء صفحات المقدمة والختام .  طباعة المجموعة في كتاب كأجمل ما يكون كتاب ؛ غلاف ملون يحتوي أوراق الخريف المتساقطة ،  ورسمة ما يمكن أن نعتبره قلب الأحبة ، ، على خلفية من خشب الماهوجني الجميل . وبجانب أوراق الخريف المتساقطة  عنوان المجموعة ، وتحت اسم المؤلف كلمة ” قصص 2015 ” .

حتى الغلاف الأخير ، والذي كتب عليه طرفة رائقة من المؤلف ، تحت صورة له _ شباب ووسامة ما شاء الله _ قال بها  ما ينبئ عن روح مرحة متفائلة .. ومتعجبة قال ختامها بأنه يخشى المجهول .!!

ولعل الكاتب _ يعرف بأننا جميعا نخشى المجهول . مع التسليم بقضاء الله وقدره .

لن أقول حيرة أو ” حوسة ” .. فعدد القصص حتى بعد قراءتها جميعا .. من الصعب أن يكتب عنها جميعا  أي ناقد ..  فما بالك بمجرد قارئ يزعم أنه يجيد قراءة القصص القصيرة .!؟

فلم يكن أمامي _ والأمر كذلك _ إلا أن أختار وأكتب لعدد محدود من قصص المجموعة ، أما ما سأختاره فهو يرجع إلى الكاتب نفسه الأستاذ أحمد فتحي رزق ..!

وقد تسأل كيف ..؟ فهو قد كتب مجموعته وانتهى منها ؛ فكيف تدّعي أنه سيختار لك ما تقرأه ..؟ وإجابة هذا التساؤل سهلة تماما .. العنوان . عنوان القصة ومدى جاذبيته للقراء على اختلاف أمزجتهم . وهذا ما اخترته أنا .. سأكتب بناء على جاذبية العنوان ..

***

1 _ قد تكون بيني وبين أول اختياراتي  من المجموعة أُلفة .. ومعرفة قديمة حيث .. ” مداعبات شيطانية ” صفحة 111 هو عنوان رواية غرائبية . تذكرك بكتابات روائيي أمريكا اللاتينية .. وإن كان لها أصل في التراث الشعبي بمصر ، وقد قرأتها قبلا ، وكان لي بعض ملاحظات ؛ لا مجال للخوض فيها مجددا . بتكثيف جيد تدور أحداث هذه القصة :

شاب انشغل بمستقبله وفجأة اكتشف أنه لم يتزوج ، وشابة جميلة لازمها سوء حظ _ بشكل ما _  فتأخرت ولم تتزوج . شقيقة الشاب هي صديقة الشابة ..! إلى هنا والرواية عادية .. فهو مشروع زواج عادي ، مما يحدث كل يوم .

يأخذنا الكاتب الأستاذ أحمد رزق في دورة حول لقاءات منزلية وأسرية تتم بينهما في حضور الأسرة وتكرار الزيارات .. وشوقه لها وشوقها له .. فتقع سقطة غير مدبر لها أو توقع .. يلوم الشاب نفسه عليها .. يؤنبها .. وبقعة دم على ملابسه تقلقه وتحيره .. وتوجسه . وبما أن الكاتب قدم لنا الشاب مستقيما يدخل البيوت من أبوابها .. فقد صارح من ستكون حماته بما جال بخاطره ؛  وهذه مكاشفة جديدة تنبئ عن استواء خلق هذا الشاب وحسن تقديره للأمور . فكانت المفاجأة ؛ يفاجئ الكاتب القراء بمحتوى الرواية المشار إليها ” مداعبات شيطانية ” ما يرد بالتراث الشعبي من زواج الجني بالإنسية أو الجنية بالإنسي .. ويصبح على الشاب وعروسه بدأ حياة جديدة . وتلاحظ قبول الشاب لقصة حماته كما روتها له .. دليل أورده الكاتب باعتباره من الموروثات الشعبية .. فلم ير حاجة لأي شرح أو تبرير أو تنبيه .. فالأمر له عادية أي أمر آخر .    استغرقت القصة ثمان صفحات . أو هم سبع صفحات ونصف .

***

2 _ ثم نأتي إلى عنوان آخر .. يصعب تجاهله ” الحب فوق هضبة الفيس بوك ..! ” صفحة 85 ، معلوم أن رواية نجيب محفوظ كانت حب فوق هضبة الهرم .. إذ وقتها لم يكن هناك لا فيس ولا بوك .

الحب فوق هضبة الفيس بوك ؛ هو عنوان المجموعة القصصية ، وقد اختاره الأستاذ أحمد رزق ليكون كذلك ، وهو لا شك .. عنوان طريف بقدرة على جذب من يقرأه .. ليقرأ المجموعة كلها ..

لم تستغرق القصة من صفحات سوى أربع ..! فماذا يعني هذا البخل والشُح في الكتابة ..؟  ومعلوم أن هذه وسيلة تعارف اجتماعي حديثة جدا .. بقدر ما هي واهية جدا .. كاذبة جدا .. سقيمة جدا جدا . وأيضا أمريكية جدا . أذكر أحالتين معلومتين عن ما هو أمريكي .. يوصف بأنه أمريكاني ..!

في لعبة ” صلّح ” يقف أحد الأصدقاء يكفه الأيمن يخبئ عينه اليمني ، ويمرر كفه الأيسر من تحت أبطه الأيمن مفرودا . والصحاب من خلفه .. إلى آخر اللعبة . فهذه عادية أما الأمريكية فهما إثنان بحوار بعضهم .. وأحدهما ” المتفق عليه ” ينضرب من زميله .. وهذه صلّح أمريكية .

والطرفة الثانية .. في حفلات المنازل .. عيد ميلاد طهور .. الخ يكون هناك تصوير فوتوغرافي بالفلاش .. ويظل الفلاش يضوي بقوة عشرات المرات .. واحد فاهم يسأل المصور .. أمريكاني ..؟ فيضحك المصور ويعلم أن السائل يعرف أنه مجرد ضوء فلاش .. أمريكاني .

إذن .. فالحب فوق هضبة الفيس بوك .. حب أمريكاني .

ولو تمكن أحدهما من التأكد من الآخر فسيجد أنه فعلها من قبل عشرات المرات ” من باب التسلية ” .. إلا أن الأستاذ أحمد رزق اختار بطل قصته شاب صادق النية ولن نعتبره غريرا .. فقط صاحب نيه خالصة .. يصدق أي شيء ولم يجرب . فكانت الخدعة الضاحكة .. طبع للطرف الآخر . وقد يكون شابا مثلة .. طالما هي تسلية ..سقيمة وليست بريئة . وأتوقع أن يحذر كل من يقرأ المجموعة من هذه الخدعة.

***

3 _ جو المدمر .. صفحة 77 هو عنوان القصة ، وهي بالكامل وبكل التفاصيل في ذهن الأستاذ رزق .. أحمد فتحي رزق .. كل التفاصيل بلا مبالغة  في ذهن الكاتب .. وما أن أمسك بالقلم ليكتبها .. توارت كل التفاصيل ولم يبق معه إلا موجز .. بكل التناقضات .. تناقضات القص والسرد .

القصة استغرقت فقط أربع صفحات .. ولو كتبت بالراحة وكما كانت في ذهنية المؤلف لاستغرقت من عشرة إلى خمس عشرة صفحة .

فماذا حدث .!؟ لك أن تتعجب وتستفهم . فما حدث هو استعجال الكاتب ليس في كتابة القصة كما هي في خياله ولكن الإنتهاء منها ، بعد الصفحة الأولي . فهي أربع صفحات الأولى مدخل جيد .. والثانية والثالثة .. عكس الأولى على طول الخط ، والرابعة .. تمثل عودا على بدء .. ويختمها الأستاذ رزق ، بالصديق الوفي ينسحب إلى الخلف ويتمتم له بالدعاء .

إذا .. فيما بين السرد في الصفحة الأولي والصفحة الأخيرة .. أحداث تركها المؤلف للقارئ يتصورها كما يشاء .. قد يكون هذا أسلوب جيد ومتبع من كبار الكتاب .  يضع الكاتب للقارئ نقاط معدودة وعلى القارئ ربط الأحداث بمعرفته وبناء على تلك النقاط المحدودة ..

هل هذه ما تسمي بالرمزية ..؟ لا أعرف . لكن متأكد من أنها طريقة لمشاركة القاري الكاتب .

***

4 _ لا أعرف .. ولن أبحث .. ولكني أظن ظنا أن عمل الأستاذ أحمد رزق في الصحافة .. ملك عليه نفسه ” كما يقال ” وأصبح خطابه تلغرافيا .. نقاط متعجلة .. مفيش وقت المطبعة تنتظر ..!

ويقال أن لكل مهنة عوارها .. تصيب به العاملين بها ..!

لقد كان عنوان هذه القصة القصيرة الجوع القاتل صفحة 33 ، كلمتان .. وكان الأولى بها _ تبعا للنظرية _ أن يكون العنوان ” الحمد لله ” .

وتختلف هذه عن سابقاتها بنهاية جد جميلة .. بها من الإنسانية الشيء الكثير . ويبدل الله من حال إلى حال . هذا ما تخبر به الأحداث من أن الثقة بالله مهمة بل حتمية .. تستدعي البكاء ندما لغياب هذه الثقة بعض الوقت .. وإن عادت في الوقت المناسب .

وتبقى الحالة الصحفية ظاهرة باهرة يتوجب الانتباه لها .. من جانب الأستاذ رزق .

***

5 _ ونأتي إلى قصة من أطول قصص المجموعة .. ثمان صفحات ونصف الصفحة حجمها ..! ” بنت الأصول والخصوم ” صفحة 67 ..! منذ العنوان .. المفارقة واضحة _ أصول .. وخصوم _ .

الحقيقة أن الكاتب لم ينتبه لقوة الإيحاء في عنوان القصة ..

إذ لو انتبه _ حسب ما أرى _ لجاءت القصة بخلاف ذلك تماما ..

تحكي حكاية عادية .. أجمل ما فيها تلك الصداقة المخلصة .. ولم تكن هناك خصوم .. إذ أن الخصوم في العنوان تعني أمور أخرى .. يقول عنها السادة النقاد المحترفون ” الدراما ” وبما أنني لست محترفا ولا حتى ناقدا .. فقد رأيت أن الكاتب الأستاذ احمد فتحي رزق استعمل نصف قوة العنوان .. الشديد الإيحاء .. الأصول .. وأهمل تماما الخصوم ، ربما يقصد البعض من أهل العاصمة .. وخاصة ممن يدعون بالمثقفين المدمنين أو المنحرفين .. إلى آخر تلك الرزايا المعروفة للجميع عن إصابة البعض بها ، في هذه التجمعات البائسة .

***

6 _ أما اختياري الأخير قصة مرحة من ثلاث صفحات وربع ..!

عنوان جميل ” الفن الدافي ” صفحة 123 وتنطوي تحت عنوان المجموعة .. والفيس بوك مخترع التواصل الاجتماعي الغير ممدوح ..!

فقد أنشأت شخصية الرواية النسائية .. أكثر من حساب .. بغرض جمع أكبر عدد من الأصدقاء _ على البعد _ في الفضاء الأثيري . ليس فقط ولكن الشيء لزوم الشيء ؛ فتصطنع لغة .. أظنها منتشرة أو معروفة لدى فئة معينة من ناس مجتمع القاهرة وأنا _ بحمد الله _ لا أعرف منهم أحد .. المهم باستخدام مفردات معينة ( المُز الرجالي _ هااااي _ مامي _ الرجالة الأمامير _ بييبي ..) راجع النص القصصي .

هذه قصة _ حسب ما أرى _ من أتم وأجمل وأقوى قصص المجموعة . إذ لها بداية ولها وسط ولها نهاية _ حسب نظرية الدكتور رشاد رشدي عن القصة القصيرة ، فهي متماسكة وليست لها أية زيادات ولا توهان ولا ما يخدش القص . فقد أخذنا الأستاذ رزق من يدنا بكل سلاسة وروى لنا نكته جميلة مركزة حتى النهاية التنويرية حسب الأصول القصصية للقص القصير .

فماذا تعني لي هذه القصة ..؟

***

تعني أن الأستاذ أحمد فتحي رزق يمتلك القدرة على القص الجيد البعيد عن الصحافي المتعجل . فإذا أراد أن يبدع فهو يمتلك القدرة على الإبداع  لولا الآفه الصحفية ، وأعتذر عن هذه الكلمة . وعليه …

لعلي أقترح أن يعيد قراءة المجموعة بله .. يعيد كتابتها متأنيا حاذفا لكل الزوائد الحشوية ، ينمي الشخصيات بحيث لا تكون مجرد أسماء لشخوص هلامية وأحداث واهية وقفزات عشوائية ، تثقل النص ولا تخدم الهدف . فيختار بعض الشخصيات ينميها .. ويجعلها تتحدث بلغة العصر لا مانع ولكن في الإطار القصصي وللهدف المقصود وليس لمجرد الكتابة .

أما عن المعجم اللغوي بهذه المجموعة القصصي فهو فقير ؛ محدود جدا والكلمات معادة ومكررة ، والشخوص أيضا والإدمان والخيانات … والكثير منها مريض اجتماعيا وسلوكيا ..

ولو اكتفى بنصف عدد المجموعة حوالي 16 قصة مركزة يختارها من نفس المجموعة ، يفعِّلها يوجزها تركيزا بحذف الزوائد  وله منهجه في القصة الأخيرة ( الفن الدافئ ) ..

***

معلوم أن طباعة المجموعة جيدة .. الورق أبيض جيد والخط أيضا واضح غير عسير بالنسبة لأمثالي من كبار السن أو ضعاف البصر ، ولكن هذا لا يكفي .. فكان لا بد من المراجعة بنوعيها .. اللُغوية  والفنية ” من حيث الطباعة ”  . فأنا لم أفهم المقصود من أسقاط الجزء الأخير من كل قصة ليكون بعد مساحة بيضاء ” خالية ” من الصفحة .!؟ وهو لم يفعلها مع بداية القصة ..؟ وهو المتبع .. أن تترك مساحة بقدر خمس أو عشر أسطر بصفحة البداية . إلا إذا كانت تلك طريقة مستحدثة . وقد يظن القارئ ( كما ظننت أنا ) أن هذه غلطة مطبعية للمرة الأولي ظننت ذلك . ثم انتبهت .

ولم يكن المراجع سيجد صعوبة بالمرة على ( ورد ميكروسوفت ) .. فقاموس الورد كفيل بالتنبيه عن أي خطأ في اللغة .. يضع تحتها خط أحمر ثم تنسدل قائمة لتختار الكلمة المناسبة لما تريد .

ومع ذلك .. فلا بأس بالمرة .

إذ أننا جميعا لا نتعلم بالمجان .. أعني أنه _ بإذن الله تعالى _ المجموعة التالية أو الرواية التالية للأستاذ أحمد فتحي رزق ستكون على أحب ما نشتهي منه وله …

صلاح ياسين / المعادي 20 4 2018-04-20

احمد فتحي رزق

المشرف العام
زر الذهاب إلى الأعلى