اسليدرمقالات واراءمنوعات ومجتمع

” لا يفسد للود قضية “

بقلم: دعاء جمال
الاختلاف شئ فطري وطبيعي بين البشر علي مر الأزمنة والعصور.

وينتج الاختلاف من اختلاف الطبائع ومستويات التفكير والنشئة والميول الفطرية واختلاف الأجيال.
وهنا سأصوغ مقالي حول عبارة
“الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”.

من الطبيعي أن لكل شخص رأيه وفكره ووجهة نظره ولكل شخص الحق في التعبير عن رأيه بكل إحترام وتقدير دون التشدد أو التشبث بالرأي وإجبار الغير بالاقتناع بما يقول.

وهذا ما يحدث دائما وتحدث بسببه كثير من المشاكل بين الأسر والأصدقاء وفي مناقشات العمل.

فإذا جلست في مناقشة ستجد أن الكل يطرح وجهة نظره ويريدك أن تقتنع بما يقول وهذا خطأ كبير
فمن المفترض أن نتناقش جميعنا بهدف طرح جميع وجهات النظر والآراء والنصائح المستفادة من تجارب الآخرين وليس بهدف إقناع الجميع برأيك.

وهنا صدق الإمام الشافعي حين قال في الاختلاف:
قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.

ومعني هذا أن كل شخص عليه أن يعرف جيدًا أن قوله قد يحتمل الأمرين.

والأكبر سنا ليس شرطا هو الذي يكون قوله صواب في جميع الأمور ولكن بحكم الخبرة والتجارب تكون له نظرة أشمل وأعمق وأدق،
وقد يكون الأصغر سنا وبحكم خبرته أيضا في مجال معين يكون له القول الصواب في مجاله أفضل ممن هو أكبر منه سنًا.

عندما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة سنة 99 هجرية 717 ميلادية جاء إليه وفد من الحجاز لتهنئته بالخلافة وتقدم من بين القوم غلام صغير السن، فقال له أمير المؤمنين: تأخر يا غلام وليتقدم من هو أكبر منك سنا.

قال الغلام: يا أمير المؤمنين لو كان الأمر بالسن لكان في مجلسك هذا من هو أحق منك بالخلافة، لكن إذا أعطى الله الإنسان قلباً مؤمنا وعقلا وفكرا ولسانا يحسن النطق فقد استحق أن يتحدث عن قومه.

فأعجب الخليفة بمنطق الغلام وقال له صدقت، فتكلم أنت، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين لقد قدمنا عليك لا رغبة منا ولارهبة منك، فنحن نعيش أيامك في أمان، نستظل بعدالتك، فنحن وفد للشكر والتهنئة.

فسأل عمر عن سن الغلام فقالوا: “عشر سنين”.
لقد تكلم فأجاد ووفى ما أحوجنا لهكذا نماذج حتى تكون قدوة لأبناءنا ..

وأؤكد علي أنه ليس العيب في الخلاف ولكن العيب في التعصب للرأي والحجر علي عقول الغير وآرائهم.

فلماذا لا نجعل اختلافنا له تأثير إيجابي يجعل الجميع يخرج باستفادة ومعلومات قد لا يكون علي علم بها قبل هذه المناقشة.

ودائما ما أري أن الإنسان الناجح هو الذي يسمع ويعطي لجميع من حوله فرصة الرد وإعطاء النصيحة ويستفيد من تجربة ومن قول كل شخص وبذلك تتجمع لديه فكرة ووجهة نظر ورؤية شاملة.

وكوننا إتفقنا علي أن لا نتفق هو ما جعلنا غير متحضرين بعدم تقبلنا أي وجهات نظر مختلفة.

وللتربية في هذا تأثير كبير حتي لا يكون الشباب فريسة للسيئين في المجتمع الذين يحملون أفكار خاطئة تخالف الدين والشرع.

فالتربية لا تسقط عن كاهل الآباء والأمهات فلا تتحملها عنهم المؤسسات والمدارس والجامعات بل الأسرة النواة الأولي للطفل في مهده حتي يكبر وينشأ علي معتقدات وأفكار سليمة تناسب عصره وتتوافق مع دينه وترسخ هذه الأفكار من الصغر لا يجعل للمجتمع سبيل لتزعزعها والتخلي عنها.

ونجاح أي فكرة أو معتقد جديد لا يعني دائما صوابها فقد تنتشر الأفكار الخاطئة لمجرد أنها تلقي نصيب من غرائز الناس وأهوائهم.

ثم إن النجاح في جانب لا يعني النجاح في كل جانب فقد تنجح ثورة في بناء مصنع وتفشل في بناء إنسان.
فكل ما علينا هو التحلي بآداب الحوار ومنها الإصغاء لقول الغير بكل إحترام وتقدير.

وعدم مقاطعة حديث من تتناقش معهم.
وطرح وجهة النظر بكل أدب وحيادية دون إندفاعية وإجبار الغير بالاقتناع بها.
والحرص علي الإستفادة بتجارب السابقين.

واختم مقالي بهذه المقولة:
إذا ما تعالينا عن مظاهر الاختلاف بين المعتقدات والثقافات فسنجدها جميعها واحدة لأن الإنسانية في جوهرها واحدة وإن تنوعت وتعددت ثقافاتها.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى