مقالات واراء

هنومه

منذ عام تقريبا , وأنا انتظر علي رصيف المحطة في قنا , بعد أن أنهيت عملي . كان علي الرصيف زحام شديد في إنتظار القطار المميز ( الغير مكيف ) . وقد لفت نظري , بل ووترني وجود طفلين يلهوان ويلعبان ويجريان في كل إتجاه علي الرصيف , ووسط شنط المسافرين ويتقافزان . ولم أجد من يقول لهما كفي وكان أحدهما في الرابعة والآخر في الخامسة , حسبما يقول حالهما . فسألت شاب واقف بجانبي . هم الأولاد دول ما لهم حد مسافر معهم . فأجاب . بأنه لا يدري .
وتدخلت في الحوار إمرأة تقريبا عمرها لا يزيد عن أثنين وعشرين عاما وتحمل طفلة فوق كتفها . فقالت أنهم أولادها . ونادت عليهما وضربتهما فبكيا وجلسا بجانبها علي الرصيف .
فسألتها أليس معك أحد مرافق لك ؟ فأجابت بالنفي . وسألتها إلي أين تسافرين ؟ فأجابت القاهرة . فقلت لها قد يصل القطار الثالثة فجرا فبالتأكيد سوف ينتظرك أحد علي المحطة . فردت أن والدتها سوف تنتظرها .
وفجأة طلب منها الولد طعاما لأنه جائع . وتقريبا ليس معها أي طعام تحمله , ما تحمله فقط كرتونة لا أدري ما بها وبطانية مربوطة وموضوعة فوق البطانية .
وفجأة ودون إنتظار للرد وجدتها تقول لي ( خلي بالك من الأولاد هروح أشتري طعام ) واحسست بالقلق , لأن المحطة مزدحمة جدا , ولأن الولدين لا يستكينان أبدا . وذهبت دون إنتظار رد مني .
ونظرت حولي فوجدت الشرطي مسئول السكة الحديد فقلت له إذا جاء القطار سأستقله , وأرجوك تأخد بالك من الولدين والكرتونة لأن أمهم ذهبت لشراء الطعام . فقال لي لا تقلقي .
ثم عادت تحمل الطعام والمشروبات , وتلاهي الأولاد في الطعام والشراب . ثم طلبت أنا من شابين من الأولاد الواقفين بجوارنا إذا جاء القطار يحملوا لها الولدين والكرتونة أثناء صعود القطار .
وجاء القطار وركبنا معا , وأفسح لنا الشباب ولكل النساء الأماكن وظلوا هم واقفين ,. وجلست تلك المرأة أمامي بالضبط , أما الأولاد فتفرقا في القطار بنفس الأسلوب الشقي والتقافز والنظر من خلال شباك القطار . وظلت هي شاردة , و يبدو عليها عدم السعادة .
ودق الهاتف الخاص بها , وردت أنا لن أعود يا خالتي , ودي مش أول مرة ,وولدك كل مرة يعمل كده ويبهدلني أنا مش هقدر أعيش معاه . فأمسكت يدها وقلت لها انزلي المحطة القادمة وعودي , شكلك زعلانة , لكن أفضل أنك ترجعي . وبكت وهي تحدث خالتها ورفضت الرجوع , وقالت لها أنها معها بطانية من أجل الأولاد .
وبعد أن أغلقت الهاتف سألتها أن تعود وقلت لها أن كل الدنيا بها مشاكل , ويجب عليها الصبر فقالت لي أن زوجها قال لها ستكون طالق إذا لم تسافر . وقالت أيضا أنها مطلقة قبل ذلك طلقتين .
فسكت وعلمت أن سفرها كان من أجل ألا يقع يمين الطلاق بتحقق شرطه . وحزنت فعلا لأجلها , ولأجل غيرها كثيرات .
مال هذا الزوج المختل عقليا والذي منحه الله زوجة وأولاد ويتركهم هكذا دون أدني إهتمام . ماذا حدث لرجال هذه الأ يام ؟ أين النخوة ؟ وأين الشعور بالمسئولية ؟ والإحساس بالخوف علي الأسرة , والخوف علي الزوجة ؟
لو كان حدث ذلك الموقف من ثلاثين أو أربعين عاما لكان الزوج سافر مع زوجته وسلمها لأهلها بنفسه . لا يتركها أن تسافر وتصل فجرا للقاهرة بمفردها ومعها ثلاث صغار .
أين الشعور بالحلال والحرام وكثرة حلف الطلاق علي الفاضي والمليان ؟ أين أهل الدين في تعليم الناس أمور دينهم .
نصحتها ألا تترك الأولاد وتنام وتحاول أن تضعهم بجانبها . قلت لها من أين تعرفيني لتتركي لي أولادك ويوجد خطف للأطفال وسرقة لهم . وقلت لها أن تنتظر بالمحطة بالقاهرة حتي يأتي من سيأخذها , وعلمت أنه لا يوجد غير أمها وسوف تأتي لتأخذها .
طلبت منها أن تكون أكثر وعيا , وأنا أعلم أن المشاكل عندما تحيط بالإنسان تقلل من قدرته جدا علي الوعي وعلي إتخاذ الحيطة . وتجعل في نفسه شعور الإحباط وعدم الإهتمام .
ولا أدري لماذا تذكرت قناوي وهنومه , لا أدري لماذا شعرت أن هنومه عندها حق عندما رفضت أن تترك بلدها لتسافر مع قناوي , لأن أغلب الرجال يقولون كلاما معسولا ويشعرون الفتاة أنها عندما تنتقل من بلدها إلي بلادهم سوف تري النعيم الذي لا يوصف , ولا يمر شهور حتي يتحول هذا الكلام إلي دخان في الهواء , ولا تجد إلا الواقع المرير .
بالطبع كل الرجال ليسوا قناوي , وبالطبع كل النساء لسنا هنومة , ولكن حقيقي أشفقت عليها في هذا السن الصغير وثلاث أطفال وأب لا يكترث , وينطق بالطلاق دون إهتمام وغباء . ربما يكون مدللا , وربما يكون جاهلا . ولكن الأكيد أن مجتمعنا يحتاج لتوعية أكثر بأمور الحياة , وأمور الزواج , والحقوق المفروضة علي الزوجين .
بقلم / كواعب أحمد البراهمي

زر الذهاب إلى الأعلى