اسليدرالأدب و الأدباء

” مقتل الياسمين “

الكاتبة:ريم سعد مجيد

فكرة:علي حسين علي

فتاة ريعانية ذات جمالٍ سومري أخاذ..بطولها الممشوق، وخصرها المتمايل كتمايل أغصان الزيتون ،لوزية العينين ،ولها شعر يزاحم الليل في حلكة سواده، وخالٌ بين الخد و الفم مَن يراه يخالُه قمرا كسفته شمس الضحى.
تعيش مع أخوة ستة ، الأكبر منهم اسمه علي يسكن بعيدا بحكم عمله محامٍ مع أسرته الفقيرة العد ، رافض لعادات قبيلته ومتهكم منها.
والآخرين معها في دار أبيهم، لم تطأ أرجلهم عتبات المدرسة ، شأنهم الأوحد هو تربية المواشي وزرع الحقول والتباهي أمام الفلاحين بما يأتيهم من أتواتٍ ، فوالدهم رئيس القبيلة ووجه معروف عند القبائل الأُخر لديه العديد من المتملقين، فيشتروا رضاه بما يقدمونه له .
أما هذه الفتاة فإسمها سارة وهي طالبة في قسم الفنون الجميلة سنتها الثالثة أوشكت الزوال، رفضت أن تكون مستعبدة كما الباقيات ، صدها الجميع ونعتوها بالمتمردة، إلا علي فكان دائم التشجيع لها وهو اقنع والدهم بدخولها الجامعة .
واجهت العديد من المصاعب؛منها متعلق بكونها لم تجد صديقة لها طيلة السنة الاولى هي وحيدة ،كذلك سخرية اغلبية الطلبة منها بسبب لهجتها السريعة والفاظها المختلفة عن ألفاظ المدينة ، زيادة على حروبٍ جمة خاضتها مع نفسها ، فكلما رأت الفتيات وزينتهن و لبسهن، غضبت اكثر.
هن لا يمتلكن جمالي فأنا أجمل بكثير والفارق بيننا هو أن جميع الفتيات يعتنين ببشرتهن ويفكرن كيف يبدونّ بأبهى حُلة ، وانا ليس لي سوى هذه العباءة و حجاب داكن اللون وآخر زهري اهدتني إياه احلام_زوجة علي_ ولم اضعه على رأسي خجلا.(تحدث نفسها)
لم تدم الحال هكذا طويلا فسرعان ما اصبحت مهتمة بنفسها رغم عدم خلعها العباءة إلا انها بلمسات بسيطة صارت أجمل بقليلٍ من الكحل و حجابات بألوان هادئة ، تحولت الى بنت لطيفة وتجيد فن الاتكيت وحتى لغتها اصبحت افضل.
وبكونها في قسم داخلي تعرفت في سنتها الثانية على صديقاتٍ

علمنها كل طرق العناية بالبشرة ، صارت تطلب النقود_ لأجل التبضع والذهاب الى المطاعم والمولات _من اخيها كثيرا ولاحظ الجميع مدى وسامتها ، لم تدم فرحتها بسبب قرار والدها المفاجىء بتركها للجامعة ، حاولت ثنيه عن قراره لكن اصبحت المتاعب اكبر ، لذلك عملت على طلب تأجيل وتمت الموافقة عليه ، دون علم والدها ، بامل أن يدعها تكمل في وقت لاحق . مشت ايامها على مضض، وبكثرة عدد الطالبين يدها ، زادت مشاكلها مع والدها ، فهي بعدما رأت الدنيا لا تود أن تعيش هنا ، وكل من يتقدم لها هو طامعا في القرب من والدها لا حبا بها، حاربت الطعام حتى مرضت، لم يقف علي مكتوف اليد ليترك اخته تعصف بها الامراض أمام عينيه ، وهو متيقن بأن شفائها لا يكون إلا بالسماح لها بالعودة، خطرت له فكرة ربما مجنونة لكنه عمد على تنفيذها ، اتفق مع الطبيب على أن يخبر أهله بأنها مصابة بداء السكري ويتوجب مراعاة حالتها النفسية وتلبية متطلباتها. بدت فكرة سيئة جدا للطبيب، لكن علي اقنعه بأن الامر لن يكشفه احد

وبذلك عادت من جديد مع بدا العام الدراسي الى الجامعة ،واصبحت مدللة والدها

 لم تهتدِ الى العلل وراء هذا التغير الذي طرأ على والدها … وهي تأكل في نادي الجامعة جاءها شاب مبتسم المحيا، اخذ طاولة مجاورة لها نظراته الحادة اشعرتها بالخجل فتركت طعامها وهمت بالخروج، تتبعها وهي تمشي على عجلٍ وكأنما مرتكبة جريمة وقد كشف امرها ، اسرع هو ليصبح مقابلا لها ،إستوقفها وأجبرت على الاصغاء لما يقول … بعد عدة محاولات منه تمكن من الامساك بقلبها، أحبا بعضهما جدا ، الرائي يظن _وهما يجلسان ممسكي يد بعضهما _من الوهلة الاولى بأنهما روحٌ شطرت الى شقين . صفاء وسارة أصبحا مثالا يحتذى به في الحب ، صفاء هو المعيل الوحيد لعائلته فوفاة والده وهو صغير جعله مسوؤلا عن أهله مبكرا ، مما تكونت لديه شخصية مغايرة لباقي جيله، يعمل صحفي ، و في ايام العطل يعمل بأجر يومي عند تاجر أقمشة ، وهو طالبٌ في قسم العلوم الحياتية، وبتردده المستمر على صديق له في الفنون جذبته سارة _دون أن تشعر _ بحسن جمالها وبحيائها راقبها طويلا الى ان تمكن من البوح بمشاعره لها ، رفضته وصرخت في وجهه بحدة وفي نهاية الحلبة فالحب هو الفائز . بعث بوالدته الى اهل سارة وكان الرفص حليفه ، اعاد الكرة والرفض باقٍ ،

كثرة محاولات صفاء ادخلت الريب لوالدها، في شأن مايحصل بينه وبين سارة ، تتبع مايجري دون إخبار اولاده كي لا يتهوروا ،ويتأزروا وحي الشيطان، وفور إستبانته العلاقة التي تربطهما معا ، إستحسن أمر تزويج إبنته بأحد أبناء عمومتها قبل أوان الفضيحة ، تكلم مع أخيه حول تزويج سارة لخالد وهو شديد البغض لسارة بسبب دراستها، وعندما اطلعه والده على الامر ، طارت أساريره بهجة ، فسيكسر أنفها المتعجرف ، وستكون حبيسة داره تباعا لباقي النسوة بدون إطلاعه على ماخفي من الأمر.
قاربت الامتحانات النهائية على فتح ابوابها و سارة لا تعلم مايُحاك بمقفاها، هذا يوم نزولها الى أهلها والمفاجأت بإنتظارها .
الطريق طويل جدا فوصلت منهمكة، إضطجعت حالا، غفت و الاجواء لا توحي بشيء مريب ، وبإستيقاضها أرسل والدها لطلبها في أمرٍ، والكِلال لاح من عينيها بارزا ، إستأذنت بالدخول ، تربعت أرضا بعدما ألقت التحية عليه وعلى عمها وإبنه .
حسنا ياابنتي انتِ الآن كبيرة ولا اظنك بحاجة الى التعليم، وابن عمك يرغب بالزواج منك وأنا وافقت لذلك جهزي نفسك للزيجة بعد يومين .
وقع الخبر على أذنها كوقع صاعقةٍ على غابة متيبسة الاشجار .
لم يتسنَ لها الرد ، بكون والدها رئيس القبيلة ولا جدال في أمره .
إستكانتْ وخرجت مرتاعة ، غلَّقتْ باب الغرفة وأجرت اتصالا عاجلا مع صفاء أخبرته والدموع تسبق فمها في النطق بككل ماجرى ، أرادت أن يساعدها فأبى المخاطرة بحياتهما معا ، وإدعى بأنه لا يسطع مجاراة والدها ذا المركز والنفوذ العال ،أزعجها رده ، وبكت بشدة اكبر كم تمنت لو كانت أمها على قيد الحياة لتنتشلها من هول المصيبة التي هوت على رأسها ، وبإنغلاق كل الابواب في وجهها ، عادت الى نفسها منكسرة تبحث عن حلٍ للخلاص وبعد طول تفكير توصلت الى حلٍ أجج الخوف في صدرها ، فخرجت من غرفتها مرتدية أفضل مالديها متعطرة بالعنبر و البسمة على شفتيها ، لتزيل الشك بما فكرت فيه ، تعمدت إظهار نفسها أمام والدها ، وما ان أدمس الليل ونام الجميع حتى جمعت ما تبقى لها من نقودٍ ،وأساور من عسجدٍ ورثتها من أمها ،و بعض المستمسكات الضرورية، واكتفت بما تلبسه من الثياب وخرجت تمشي على عجل ، الاجواء مخيفة جدا لكن لا مجال للعودة

دنا الفجر من البزوغ، فإرتاعت خشية العثور عليها، إستقلت اول سيارة لاحت لها متوجهة صوب المجهول ، فقط راغبة بالهروب، فكرت بأن تذهب الى القسم الداخلي للجامعة وسرعان ما انعطفت عن فكرتها، فلا يعقل أن اهلها لن يأتوا إليه للبحث، لذلك ذهبت صوب مدينة اخرى أكثر أمنا لها، مغتمة جدا وبالكاد تصدق بأنها نفس الفتاة الفقيرة التي لا تميل عن طوع ذويها ، وكما يقال الغاية تبرر الوسيلة فوجدت بهذا الهرب سبيلا للتمسك بالحياة … إستأجرت غرفة صغيرة بأبخس أجر لتمكث فيها، لم تخلع النقاب عن وجهها

ذعرًا من القادم ،و الأمر الجيد أن اغلب النسوة هنا يرتدين العباءة والنقاب مما

 نأى بها بعيدا عن مكائد اللصوص ، وها هو الان يمر شهر على رحيلها من المنزل ، وجدت عملا كمُنظِفة في مدرسة صغيرة، إدعت بأنها يتيمة ولم تخبر أحدا بكونها ذات حسبٍ ونسبٍ ووالدها هو كبيرُ قبيلتها وهي طالبة في الجامعة، ودوما تكتفي بجوابٍ مقتضب حينما تُسأل عن مكان عيشها فتفتري عليهم الكذب بإدعائها مطرودة من بيت خالها… شوقها للقُياهم يقتلها وتعلم بأنهم ما إن يروها حتى يقتلوها ، فهي الآن بنظرهم مُباحة الدم …وهي منهمكة بالعمل شعرت بالحر الشديد فخلعت نقابها ظنا منها بأن المدرسة خالية إلا هي ، بكون الوقت مبكرا جدا للمجيء، فرأت المديرة وجهها وإستترتْ فلا تشعر بها سارة ، لاحظت جمالها وقررت ضرورة التجسس عليها فهي منذ البدء غير مستسيغة لأمر وجودها في المدرسة وبطلبٍ من المدرسات وافقتْ ، اصبحت تتعمد إفتعال المشاكل لها الى أن جاءها صباح يوم الجمعة ضيفا وضع أمامها صورة سارة راجيًا البحث عنها بكونها مديرة للمدرسة الوحيدة في هذه المنطقة فهي تعرف أغلب النساء هنا ، وسرد لها كل ما جرى ، اومأت بالموافقة ولم تخبره بأن سارة تعمل في مدرستها _حسنا ، ستكون بين يديك في غضون يومٍ واحد لكن هناك شرط. _ إن كان ماتقولينه صحيحا ،فأطلبي ماتشاءين ووالدي مستعد للتنفيذ ليغسل العار الذي جلبته لنا. _اريد مبلغ مليوني دينار. _هذا مبلغ كبير جدا، سأطلع والدي على الامر وسيكون بين يديك بمجرد تسليمها لنا. _إذن نلتقي في يوم الأحد في المدرسة. _وداعا . _وداعا.

يبدو بأنكِ لست بالقليلة ياسارة سنرى كيف تفلتي من يديّ هاتين ، أجمل أيامي هو الأحد؛ فسأحصل على مبلغٍ مهول (حدثت نفسها) انقضى السبت وها هي ليلة الأحد ،كلٌ متأهبٌ له؛ سارة تنتظره كي تتقاضى أجرها الاسبوعي ،المديرة لأجل ماستكسبه من مالٍ طائل جراء إخبارهم بمكان إبنتهم، والدها واخوانها على اهبة الاستعداد لقتل سارة كي لا يقال عنهم بأن إبنتهم تجرأت عليهم ويكتموا الأفواه التي تلوك ما جرى وتزيد عليه. كعادتها افطرت بقليل من الجبن والخبز والشاي، وإرتدت عباءتها متوجهة صوب المدرسة ،وجدت المديرة قبلها تزجرها _مقطبة الحاجبين _بدعوى تأخرها، قدمتْ الأولى إعتذارها وطلبت أجرها . _عزيزتي اجرك اليوم مختلف عما مضى وعليك شكري لكرمي معك. _ما سبب إختلافه ! الم تكوني دوما باغضة لي وتعطيني أقل من أجري؟ _لا عليك قررت أن أعطيك علاوة لمشاقك الكبيرة هنا وسترينها بعد قليل والآن إذهبي للتنظيف، وفور طلبي لك تأتين حالا
توقفت سيارة بالقرب من المدرسة، ترجّل منها ثلاثة رجال وبقي واحد ينتظر_ كما الواقف على زجاج محطم _ في السيارة ،

دخلوا المدرسة اجلستهم المديرة بغرفتها وطلبت من المعلمات الانسحاب منها كي لا يكتشفن أمر المال ، أعدته وخبأته في جيب حقيبتها ثم اغلقت الباب عليهم وبعد لحظات جاءت بسارة كما الاسير،وبسماعهم صوتها هرعوا نحوها ممسكينها بقوة وأبرحوها ضربا ثم حملوها الى السيارة .
صدمت من مدى خبث المديرة وحيلتها، لم ترتعب من اخوتها فمصيرها محتوم القتل رموها بقسوة في السيارة وجعلوها بينهم كي لا تفكر بالفرار أثناء مسير السيارة.
وكالذئاب الجائعة هجموا عليها بكل عنف وهي تأن وتبكي .
في منزل الشيخ_ابيها_ ينتظرها العقاب الابشع والجريمة الشنعاء بحق الانسانية
علي تخاصم مع والده واخوته بشدة والقى اللوم على عاتقهم ونعتهم بالجهلة ،وانهم الذين حدوها على الفرار ، طرده والده من منزله ووعده بالقتل إن داست قدماه أعتاب هذا البيت.
حصل هذا بعد اسبوع من اختفائها ،وهو الان لا علم له بأمر العثور عليها وقرار قتلها .
بعد عدة ساعاتٍ دخلوا المنزل وهي فاقدة الوعي بسبب الضرب المبرح الذي تلقته ، رأها والدها فأشفق على حالها، ودّ حملها والهرب بها بعيدا ، لكن هذا عرف القبائل وهو رئيس قبيلةٍ فهذا يضعف هيبته ويدني شأنه بين الرؤساء ، اخوتها الخمس اظهروا براعتهم ومدى تأثرهم بهذه العادات البالية يتسابقون أيّهم الذي يرمي عليها اولا ، فتحت عينيها قليلا ، فرأت صورة من أبشع واقسى الصور
صورة أخوة يقررون اي منهم الذي يرمي، اخيرا اتفقوا على ان تكون من نصيب سلام وهو الاشرس .
ارادت ان توصل رسالة اليهم قبل موتها فمنعوها ، وقالوا العاق لا يسمح لها بالتنفس فكيف تتكلمي!!
لم تر سوى طلقة صغيرة تشق طريقها نحو صدرها مسرعةً وها قد وصلتْ
ماتتْ سارة ولم تمت هذه العادات،قتلوها برئية ،و قتلت معها مرؤتهم!

ريم سعد مجيد/بابل

زر الذهاب إلى الأعلى