الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** معهد فؤاد الأول **

بقلم المهندس طارق بدراوى

من المعالم الشهيرة بمدينة أسيوط بصعيد مصر المعهد الديني الأزهري للبنين وكان يسمي سابقا معهد فؤاد الأول الأزهرى والكائن على نيل أسيوط بمنطقة الحمراء ولذا يطلق عليه أحيانا معهد الحمراء نسبة إلي المنطقة التي يقع بها وتمييزا له عن المعاهد التي بنيت في أسيوط من بعده وهو يعد بحق تحفة هندسية ومعمارية رائعة تجسد روعة العمارة والفن الإسلامي والذى صمم على الطراز الهندسى الأندلسي وهو يعد واحد من أهم الآثار الإسلامية بأسيوط فهو أول معهد يقام في الصعيد وثانى معهد يقام خارج القاهرة بعد معهد الزقازيق على مستوى الجمهورية من حيث المساحة والأهمية وترجع فكرة إنشاء هذا المعهد إلى عام 1915م عندما إجتمع أهالى أسيوط وفكروا فى بناء معهد دينى حبا فى التعليم وبدلا من إرسال أولادهم للدراسة بالأزهر الشريف بالقاهرة إتفقوا فيما بينهم وقاموا بجمع مبلغ من المال خصيصا لهذا الغرض وعندما بلغ ذلك السلطان حسين كامل حاكم البلاد في ذلك الوقت إقتنع بالأمر وأصدر أمرا سلطانيا بإنشاء المعهد وبعد أن أصدر السلطان حسين كامل مرسوما بإنشاء المعهد بأسيوط تم إختيار مسجد اليوسفى ليكون مقرا مؤقتا للمعهد وتولى فضيلة الشيخ محمد شريت مسئولية شيخ المعهد بعد إفتتاحه فى نفس العام وتقدم للدراسة به نحو 200 طالب نجح منهم بعد إختبارات دقيقة عدد 154 طالبا كانوا هم اللبنة الأولي للمعهد وبعدما كثر الطلاب وضاق بهم المكان فتم ترميم المسجد الأموى القريب منه وتبرع الأهالى وقتها بنحو 9 آلاف جنيه ليستمر المعهد فى أداء رسالته وبعدما نفدت الأموال وفى أثناء زيارة الملك فؤاد الأول لأسيوط عام 1923م والذى تولي حكم مصر بعد وفاة أخيه السلطان حسين كامل في شهر أكتوبر عام 1917م علم بأن العمل بالمعهد قد توقف فأصدر قرارا بجعل نفقة البناء والترميم على نفقة وزارة الأوقاف وتكلف البناء وقتها نحو 18 ألف جنيه كما قامت الحكومة بالتنازل عن مساحة من الأرض لبناء المعهد عليها بعد مجهود الشيخ إبراهيم الجبالي شيخ المعهد فى ذلك الوقت ويأتى عام 1930م ليضع الملك فؤاد الأول حجر الأساس لبناء المعهد في شهر شعبان عام 1349 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 1930م وليكتمل بناؤه فى عام 1352 هجرية الموافق عام 1934م وينتقل إليه الطلاب في ذلك العام وأراد الملك فؤاد حينذاك أن يحضر إفتتاحه ولكن حال مرضه دون ذلك فتولى إفتتاحه بصفة مؤقتة إبنه الأمير فاروق ولي العهد في ذلك الوقت نيابة عنه والذى إجتمع بعلماء وشيوخ ومعلمي المعهد في يوم الإفتتاح وهنأهم بتلك المناسبة إلا أن الإفتتاح الرسمي للمعهد كان في شهر ذي الحجة عام 1357 هجرية الموافق شهر يناير عام 1939م بعد وفاة الملك فؤاد بحوالي 3 أعوام وليواصل المعهد أداء مهمته السامية في تخريج دفعات من الشيوخ والعلماء الأجلاء المتخصصين في العلوم الدينية المختلفة حتى الآن ليس لأبناء أسيوط وحدهم وإنما لأبناء جميع محافظات الصعيد ومحافظة الوادى الجديد أيضا ومنذ حوالي 30 عاما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1692 لسنة 1987م بإعتبار مبنى المعهد وملحقاته أثرا تاريخيا يخضع لإشراف هيئة الآثار المصرية .

1469389710_830_101416_

1469390448_106_1036416_2

ويقع معهد فؤاد الأول الديني الأزهري علي شاطئ النيل بمنطقة الحمراء جنوب أسيوط كما ذكرنا في السطور السابقة ويشغل مساحة أكثر من 4 أفدنة ويحيط به سور طوله 144 متر وعرضه 120 متر بداخله حديقة يتوسطها 3 أبنية وبينها نافورة مثمنة الأضلاع مكونة من أحجار الرخام المرصع بطريقة هندسية متميزة والأبنية الثلاثة عبارة عن قسم الدراسة والقسم الداخلي والمسجد وتعتبر عمارة هذا المعهد إحياءا للعمارة الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي ويتمثل ذلك في العقود النصف دائرية والثلاثية والشرفات المسننة والنافورات ومئذنة الجامع ذات الطراز المملوكي ويقع قسم الدراسة على اليمين بعد تجاوز سور المعهد بحوالي 60 متر ويشمل 4 واجهات غاية في الروعة قسمت بشكل منتظم إلى دخلات مستطيلة معقودة بعقود من النوع المدبب ذو الأربعة مراكز وتجمع كل دخلة شباك سفلي وشباك علوي على شكل مستطيل ومعقود بعقد مدبب والمدخل الرئيسي للمعهد يسمي الباب الملكي وهو يقع في منتصف الواجهة الشرقية للمبني وأمامه خمس درجات ترتفع عن الأرض بمقدار متر ونصف المتر تقريبا تقودنا إلى فراندة مستطيلة الشكل ويتوجه عقد ثلاثي مزين بزخارف بارزة من الجص ويتوسطه فتحة باب مستطيلة يتوجها عقد مدبب ويغلق عليها باب من الخشب عليه زخارف بخارية من النحاس في الوسط وأشرطة من أعلي وأسفل علي طريقة التفريغ وتتوسطه نقوش كتابية تحمل إسم فؤاد الأول وأعلي الباب توجد عبارة عزلة مولانا فؤاد الأول ويعلو عقد فتحة الباب زخارف نباتية من الجص يعلوها جملة المعهد العلمي الديني الإسلامي ونص التأسيس للمعهد مكتوبا على لوحة رخامية مستطيلة وهو أنشئ بأمر حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر أدام الله ملكه وتم في سنة 1325 هجرية / 1934 ميلادية ويؤدي المدخل إلي دركاة مستطيلة الشكل مفتوحة من كافة الجوانب علي يمينها غرفة لشيخ المعهد على مساحة 10 متر في 7 متر سقفها مزخرف بزخارف إسلامية تشبه فن الأرابيسك ومفروش أرضيتها بالسجاد العجمي الذي يدل على عراقة المكان ويحيط بها عدد من الشرفات المطلة على حديقة المعهد وإلي جوار هذه الغرفة توجد غرف الوكلاء والإداريين وغرفة الطبيب ومعامل الحاسب الآلي وثلاثة فصول للشعبة الإسلامية أما الدور العلوي فيضم فصول الدراسة وغرف المعلمين وقاعة السينما ويمكن دخول المبنى عبر 4 أبواب غير الباب الملكي واحد من الجهة الشمالية للمبني مخصص للطلاب وهو عبارة عن باب حديدي مزين بالزخارف الإسلامية والباب الثاني بالجهة الجنوبية للمبني وقد صمم لخروج الطلاب ودخولهم من مبنى الدراسة إلي مبنى السكن الداخلي أما الناحية الغربية فبها بابان يؤديان إلي سلالم السينما.
وإلي اليسار من دركاة المدخل توجد غرفة أخرى للأساتذة والمدرسين ويلي الدركاة صحن يؤدي إلي صحن مكشوف تتوسطه نافورة من الرخام ويحيط به من جميع الجهات طابقين بهما عدد 15 حجرة للدراسة وقاعة كبرى للمحاضرات وسينما تتسع لعدد 300 فرد ومعمل للكيمياء من أهم ما يضمه هيكل عظمي لجثة إمرأة هندية إعتنقت الإسلام في تلك الفترة وأوصت بعد وفاتها بإرسال جسدها إلي المعمل لإستخدامه في الأبحاث العلمية كما يشتمل المعمل على دولاب خشبي ذي واجهة زجاجية به العديد من الطيور التي جمعت وحنطت على أيدي الطلاب بداية من عام 1940م وحتى عام 1945م فضلا عن جلد لثعبان الكوبرا كما أن هناك أدوات قديمة يضمها المعمل كانت تستخدم فيما سبق ومايزال بعضها مستخدما حتي الآن ويأتي طلاب من كليات العلوم المختلفة إلي المعمل خصيصا للتعرف على هذه الآلات وإجراء أبحاث ودراسات ورسائل ماجستير عنها وينقسم المعمل إلي 3 أقسام قسم خاص بالفيزياء وقسم خاص بالكيمياء وقسم خاص بالجيولوجيا ويضم جميع الأدوات التي تساعد على العملية التعليمية وتبلغ عهدة هذا المعمل نحو 3200 صنف مقسمة ما بين وسائل تعليمية ومواد كيميائية وأدوات موسيقية مثل الكمان والعود والشوكة الرنانة ويصل بين دورى المبني عدة سلالم تبلغ عدد درجاتها 49 درجة والمصنوعة من الرخام الأبيض الإيطالي ويتراوح عرضها بين متر ونصف المتر إلى مترين ولكل سلم من سلالم المبنى سياج حديدي مزخرف يعلوه درابزين خشبي .

1469389799_982_978440_

1469390740_256_927199_

أما القسم الداخلي فيقع علي بعد حوالي 10 أمتار من قسم الدراسة وهو مخصص لسكن الطلاب وهو مبنى مستطيل الشكل يبلغ طوله 78 مترا وعرضه 24 مترا تقريبا ويحيط به سياج حديدي مكون من أعمدة مفرغة وفي وسطها بوابة متوسطة الإرتفاع ويتكون هذا المبني من عدد 3 طوابق يشمل الطابق الأرضي منها قاعة كبرى لتناول الطعام ومطبخ ومخزن للمأكولات بالإضافة إلى دورات مياه وغرف إدارة السكن ومغسلة كبيرة وهي مغسلة طولية من الرخام مقسمة إلي جزئين كل قسم يضم أحواض لغسيل الأيدي بالإضافة إلى بابين من جهتي الغرب والشرق أما الطابقين العلويين الأول والثاني ففي كل منهما 4 عنابر واسعة مخصص منها عدد 6 عنابر لإقامة الطلبة وكل منها به عدد 50 سريرا ويخصص لكل طالب سرير ودولاب ملابس بالإضافة إلي عنبر مخصص كمكتبة وتعد هذه المكتبة من المكتبات العريقة وتضم نحو 21326 كتاب تتنوع موضوعاتها ما بين علوم الفقه والحديث والتفسير والقراءات والشعر والتجويد ومصطلح الحديث والأصول والفلسفة وعلم النفس واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا وغيرها من أنواع العلوم كما تضم نحو 1000 كتاب من الكتب النادرة التي مر على تدوينها أكثر من 130عاما كما يوجد عنبر آخر مخصص للمذاكرة وهو مزود بمكتب وكرسي لكل طالب كما تعطي به دروس ليلية لطلاب المعهد كنوع من الخدمة لهم .
أما المسجد فيتقدمه مدخل ذو عقد ثلاثي ويتم الوصول إليه من خلال 5 درجات ويتصدره باب خشبي ذي مصراعين مزين بالزخارف الإسلامية ذات اللون البني اللامع يفضي إلي داخل المسجد ويوجد علي يمين ويسار المدخل حجرتان أما المسجد من الداخل فهو مربع الشكل تقريبا ويتوسط حائط القبلة حنية المحراب وهي عبارة عن حنية نصف دائرية يتوجها طاقية وتتقدمها دخلة معقودة بعقد مدبب ترتكز على عمودين من الرخام ويزخرف طاقية المحراب والعقد زخارف زيتية عبارة عن أطباق نجومية الشكل بالإضافة إلي آية قرآنية نصها قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وعلي يمين المحراب يوجد منبر خشبي مزخرف بأشكال الأطباق النجمية وهو مصنوع من خشب الخرط ويتميز بريشتيه المائلتين إلي الأسفل ويعلو كل ريشة منهما درابزين من الخشب ويتوسطه فتحة باب من الخشب الخرط أيضا ويوجد بالمسجد من الجهة الشرقية والغربية مدخلان أحدهما علي اليمين والآخر علي اليسار كما يوجد بالمسجد شباكان على كل شباك مصبعات من خشب الخرط ويعلو فتحات المداخل والشبابيك قنديليات بسيطة من الجص المعشق بالزجاج الملون أما سقف المسجد فيرتكز على 4 أعمدة تحمل كمرات خرسانية ويتكون السقف من 9 مناطق مربعة عليها زخارف زيتية قوامها أشكال هندسية ونباتية ويبرز من وسطه شخشيخة خشب يفتح في جوانبها الأربعة 12 نافذة بغرض الإضاءة والتهوية وللمسجد مئذنة دائرية علي الطراز المملوكي مكونة من طبقتين تفصل بينهما شرفة مقرنصة ويعلوها رأس بصلية مقلوبة وإرتفاعها الكلي 30 مترا ومن أشهر من تولى مشيخة المسجد الشيخ أحمد مرسي والشيخ محمود حمدي والشيخ محمد حسن العياط والشيخ حسين رشدي والأخير تولى المشيخة لأكثر من 10 سنوات والشيخ جمعة عيد والشيخ محمد علم الدين ضاحي وكان من أشهر من تخرج من المعهد الشيخ محمد الراوي والشيخ عبدالصبور أحمد خلف والشيخ محمد هاشم محمود عمر أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وغيرهم من العلماء .

1469387464_691_1097323_

1469390287_942_1068100_

وللأسف الشديد فقد تغيرت أحوال معهد فؤاد الأول بشكل كبير إلي الأسوأ منذ أن تم إنشاؤه وإفتتاحه في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي حيث تحولت تلك التحفة المعمارية الرائعة التي تسر الناظر إليها إلى مؤسسة تعليمية بلا علم وينتشر الخراب والإهمال في أرجاءها ويهاجمها شبح الإهمال وتسوء أحوالها سواء من الناحية التعليمية أو ناحية صيانة وإصلاح المبني والمحافظة عليه مما أدى إلي ضعف المستوى التعليمي بالمعهد بشكل كبير ويعود ذلك بصفة أساسية إلى عدم متابعة رؤساء المناطق والإدارات وتقاعس الموجهين عن متابعة المعلمين داخل الفصول الدراسية مما أدى إلى إهمال تحضير المدرسين للدروس وشرحها للطلاب وبالتالي إهمال مشايخ المعهد لمراقبة دفاتر متابعة تحضير المدرسين حيث أنهم لم يجدوا مسئولا واحدًا من المنطقة يتابعهم ويتفقد أحوال معهدهم ويهتم بهم أو يحاسبهم فقد إكتفي رؤساء المناطق بالعمل علي ضوء التقارير التي تأتي إليهم وهي تتبع نهج كله تمام يا فندم ونتج عن ذلك فوضى عارمة داخل المعاهد الأزهرية بوجه عام وليس في معهد فؤاد الأول في أسيوط فقط وضعف في المستوى التعليمي للطلاب الأمر الذى يتطلب علاج سريع بالعمل على تفعيل دور القيادات في المتابعة ومحاسبة المقصرين وجدير بالذكر أنه من الطريف أن معهد فؤاد الأول الذي عانى طلابه طويلا من سوء أحواله الداخلية وحاجته الملحة إلي الصيانة والإصلاح سارعت الجهات المعنية بإجراء أعمال الإصلاح والصيانة والدهان به ووضع علم مصر أعلاه بصفة عاجلة بسبب قيام نقل التليفزيون المصري عبر قنواته الأولى والفضائية بنقل شعائر صلاة الجمعة على الهواء مباشرة من مسجد المعهد بأسيوط خلال شهر أبريل منذ حوال 3 سنوات وجاء ذلك في إطار إحتفالات أسيوط بعيدها القومي بحضور المحافظ ومدير الأمن وسكرتير عام المحافظة والسكرتير العام المساعد والعديد من القيادات الأمنية والتنفيذية والدينية والشعبية بالمحافظة وألقى خطبة الجمعة يومها الدكتور أحمد عمر هاشم عضو لجنة كبار العلماء بالأزهر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق والذي هنأ شعب أسيوط بهذه الذكرى الغالية التي تجسد روح الإنتماء ومحبة الوطن والتي رسمها أهالي قرية بني عدي حين تصدوا لقوات الحملة الفرنسية في يوم 18 من شهر أبريل عام 1799م وذكر أن حب الوطن من الإيمان وأنه يجب على الجميع محاربة الظواهر السلبية التي ظهرت في المجتمع مثل الإرهاب والثأر وأن يتكاتف الجميع من أجل رفعة شأن بلدهم وغعادتها إلي سابق عهدها من القيادة والريادة والتقدم والرقي .

زر الذهاب إلى الأعلى