الأدب و الأدباء

اسم له تاريخ ( الجزء الثاني )

بقلم م . أشرف الحواط الداعية واستشاري التنمية والتدريب

مبنى عريق من مباني القاهرة يطل على النيل مباشرة يحمل بدخله كثيرا من ذاكرة الأمة المصرية وغيرها هو مقر التليفزيون المصري الذي يعدّ أقدم التلفزيونات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وماسبيرو أيضا هو اسم الشارع الذي يطل عليه هذا المبني .

تم تشييد المبنى في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقرار منه ببدء البناء في أغسطس عام 1959 م على أن يتم الانتهاء منه في 21 يوليو 1960م وذلك ليواكب الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو، وتم تخصيص ميزانية البناء حوالي 108 ألفاً من الجنيهات على مساحة حوالي 12 ألف متر مربع، وبالفعل كان تحدياً أن ينتهي البناء في هذا الوقت القصير، وتم بث الإرسال منه بالفعل في الميعاد المحدد .

وترجع تسمية هذا المبنى العريق إلى أحد أشهر علماء المصريات وهو العالم الفرنسي جاستون ماسبيرو (Gaston Maspero )

ولد جاستون ماسبيرو في عام 23 يونيو عام 1846م في باريس لأبويين إيطاليين هاجرا إلي فرنسا، وقد أظهر ماسبيرو اهتماماً خاصاً بالتاريخ عندما كان في المدرسة، وفي سن الرابعة عشر من عمره كان مهتماً باللغة الهيروغليفية والآثار كما كان مهتماً أيضاً بالأدب والفنون فلقد ظهرت عليه علامات النبوغ والعبقرية منذ نعومة أظافره فإذا به وهو في الثالثة عشر من عمره يفوز في المسابقة العامة للأدب وألتحق بمدرسة الأساتذة العليا
والتي قابل بها عالم الآثار أوجوست مارييت الذي أعطاه نصين هيروغليفيين اكتشفا حديثا بواسطة مارييت وكانا النصين صعب دراستهما فهمهما ولكن ماسبيرو استطاع ترجمته في ثمانية أيام فقط مما أثار أعجاب مارييت به.

وقد قام ماسبيرو بدراسة المصريات وحده بإطلاعه على الآثار المصرية المحفوظة في متحف اللوفر ونقوش المسلة المصرية بميدان الكونكورد، وبدأ اسمه يعرف في الأوساط العلمية بعد ترجمته لنصوص مارييت.
واصل ماسبيرو رحلة التعلم والكفاح والبحث في تاريخ الأمم وحضاراتهم لكنه لم يكن يعلم أنه على موعد مع أم الدنيا صاحبة المجد والحضارة إنها “مصر ” كان ماسبيرو يحب مصر كثيراً مع أنه لم يزورها من قبل فلقد علم الكثير من حضارتها من خلال اهتمامه بالآثار والحضارات بالإضافة إلى ذلك كان يجيد اللغة العربية واقترب اللقاء بمحبوبته مصر وجاءته الفرصة عندما مرض مارييت مدير مصلحة الآثار المصرية التي قام بتأسيسها .

جاء ماسبيرو إلى مصر في 5 يناير من عام 1881م وكان ذلك قبل وفاة مارييت بثلاثة عشر يوما، وتولى منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق وكان عمره حينها الرابعة والثلاثين وأكمل ماسبيرو مسيرة مارييت وظل يعلم ليل نهار فهو لا يشعر بنفسه وبقيمة حياته حينما يبحث في تاريخ الآثاروالحضارة وخصوصاً إن كانت مصر فاهتم بالمقابر والنصوص الفرعونية وقد عثر على 4000 شطر قام بتصويرها وطباعتها.
قام ماسبيرو بإنشاء المعهد الفرنسي للآثار في القاهرة وكان أول مدير لهذا المعهد الذي لم يقتصر على الآثار الفرعونية بل أمتد لدراسة جميع الآثار المصرية سواء الإسلامية أو القبطية.

واصل ماسبيرو حفائر مارييت في معبدى إدفو وأبيدوس، كما استكمال أعمال مارييت في إزالة الرمال عن أبو الهول بالجيزة حيث أزال عنه أكثر من 20 مترا من الرمال محاولا إيجاد مقابر تحتها ولكن لم يجد ولكن حديثا عثر على عدد من المقابر في أماكن الحفر التي كان ينقب فيها ماسبيرو، وقام بإعادة ترتيب المتحف المصري ببولاق ونقل محتوياته إلى متحف القاهرة الحالى، كما اكتشفت في عهده خبيئة بالكرنك تحتوى على مئات التماثيل المنتمية لعصور مختلفة ونشر دراسات أثرية عديدة .

وقام ماسبيرو بنشاط كبير لمواجهة السرقات التي كانت تحدث للآثار المصرية القديمة، وقام بمساعدة العالم المصري أحمد كمال بك بنقل المئات من الموميات والآثار المنهوبة إلى المتحف المصري بالقاهرة، وأستطاع أن يسن قانون جديدا صدر عام 1912م ينص على أن لا يسمح للأشخاص بالتنقيب ويقتصر التنقيب فقط على البعثات العلمية بعد الموافقة على مشروعها ففي عام 1881م قبض ماسبيرو على عائلة عبد الرسول وهم من أشهر تجار الآثار وأستطاع إجبارهم بعد التعذيب على الإعتراف بالسرقات وحصل منهم على معلومات عن أحد أهم اكتشافات ماسبيرو وهى خبيئة في الدير البحري عثر فيها على مومياوات الملوك سقنن رع وأحمس الأول وتحتمس الثالث وسيتي الأول ورمسيس الثاني وغيرهم.
وبعد كل هذه الإنجازات يتفاجئ الجميع بأن ماسبيرو قدّم استقالته وكان ذلك شئ لا يصدّق نعم قدّم استقالته حينما رأى النزاع الحاصل بين الانجليز الذين كانوا يحتلون مصر والفرنسيين الذين كانوا يهيمنون على إدارة الآثار المصرية فكانت النتيجة هي الإستقالة عام 1892 م .
وحانت اللحظات الأخيرة في حياة ماسبيرو في فرنسا حيث توفى جاستون ماسبيرو في 30 يونيو عام 1916م ودفن في فرنسا، وقد أطلق اسم ماسبيرو في مصر على مبنى الأذاعة والتلفيزيون بالقاهرة تكريماً لأعماله الجليلة ومساهماته في البحث والمحافظة على الآثار المصرية القديمة. وسجل وجوده في السينما المصرية في الفيلم الروائى الطويل الرائع المومياء للمخرج شادي عبد السلام .

 
زر الذهاب إلى الأعلى