مقالات واراء

الأبوة

بقلم / كواعب أحمد البراهمي

عندما قرأت رسالتها علي الفيس , والتي تقول لي فيها أريدك أن تكتبي عن الأب . يعني أيه بابا . إنها السيدة الصغيرة حديثة الزواج , والتي أنجبت , وقبل أن تري بنتها نور الحياة كانت قد دبت المشاكل بين أبيها وأمها .
وعندما طلبت مني أن أكتب وضعتني في مأزق , فسألت نفسي عن أية أبوة أكتب ؟ عن أبوة ما عشتها ولا أعرف عنها إلا القليل وهو ما شعرت به من أبي قبل أن يرحل مودعا الحياة ؟
أم عن الأبوة التي أفتقدها وأشعر بالشوق لها دوما والحرمان منها ؟
أم عن الأبوة التي تملأ دفاتر السجل المدني وهي عبارة عن أسماء فقط ؟
أم عن الأبوة الصورية من أب سافر وغادر البلاد م أجل أن يعوضهم عن ابوة الجسد بأبوة المال . وتحمل فوق طاقته من حرمان وحملهم فوق طاقتهم من حرمان بسبب ظروف الحياة الصعبة ومن أجل أن يلبي إحتياجاتهم ويعيش الجميع في مستوي أفضل , وإن كانوا كل منهما في مكان بعيد عن الآخر .
ولكن في النهاية قررت أن أكتب عن الأبوة التي تملأ الدنيا ولكنها أسماء فقط . لأن الأباء الحقيقيون والذين يعطون أبناءهم شعور الأبوة والأمان والحنان , يستحقون منا التقدير , ليس لأنهم قاموا بواجبهم تجاه أولادهم , ولكن لأنهم فعلوا ذلك بحب وإخلاص وضمير .
ولكن للاسف يوجد أباء لا يستحقون كلمة بابا , لا يستحقون أن يتعامل معهم الأبن بالمودة والرحمة , لأنهم هم الذين قطعوا اواصرالمودة والرحمة .
لكن كما قال القرآن ( وإن جاهداك علي أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) .
وللحقيقة فإن الأبناء لا يستطيعون حتي أن يصاحبهم في الدنيا معروفا , لاسباب كثرة جدا ,ولأن هؤلاء الأبناء ما رأوا ولا شعروا بمعاني الأبوة .
وكثيرا ما يتمزق قلب الأم وهي نري أبنها يسأل عن والده , وأنه يحتاج لمال للإنفاق عليه ولكن الأب يكون معاندا مع الأم فيحرم الأبن حتي من النفقة .
قالت لي في إحدي المرات الزوجه الشابه حتي أبنه لم يسأل عنه ولا ينفق عليه , قالتها وكلها حسرة , ولقد رأيت بعيني القضايا والتي يكون فيها نفقة للصغار يظل الاب غالا يده , ولا يرسل النفقة حتي ترفع الأم دعوي حبس علي متجمد النفقة , فيضطر أن يدفعها متضررا وكأنه يدفعها ليد الأعداء وليس لأولاده هو .
هذا من ناحية , أما من ناحية أخري فأين الحنان والحب والعطف , أين شعور الأمان الذي يحرم منه الطفل , والذي يتجسد في عدم سؤاله عن الأبن وعدم أحتضانه , وعدم الجلوس معه أو الحديث معه .
يخطيء الأباء عندما يظنون أن حديثهم التافه مع أولادهم غير مفيد , أو أن لعبهم معهم غير مفيد أو أن سؤالهم عنهم حتي ولو بالكلام غير مفيد , أو أن شراءهم لهم قطعه من البسكويت أوالشيكولاته غير مفيد , أو أن إعطاءهم لهم مصروف زهيد غير مفيد.
إن الطفل يفرح بأي شيء وكل شئ من والده مهما كانت ضآلته , وإن الأفعال البسيطة والتي لا تكلف الأب شيئا والتي ربما ينظر إليها علي أنها تافهه إن تلك الأفعال رغم صغرها فهي تشكل وتكون شخصية الطفل , وتنمي بداخله شعور الأمان , وتزيل منه الإكتئاب .فمجرد أن تمسك يد أبنك وأنت تمشي تزرع بداخله شعور رائع جميل ولا يكلفك أنت شيئا , بل بالعكس فهو يزرع بداخلك أيضا شئ من الحنان ورقة القلب . حتي ولو كنت تكره ام هذا الطفل .
كيف يتساوي وجود أب مع موت أب , حتي الآباء الذين يسعون وراء لقمة العيش ليل ونهار داخل بلدهم لابد أن يوجدوا وقتا لاولادهم وحتي لو كان هذا االوقت يوم الأجازة .
أما الأباء الذين يعملون بالخارج من أجل خلق مستقبل أفضل لأولادهم لابد أن ينزلوا أجازات – لا يجوز أن يبقي الأب عامين وثلاث بعيدا عن أسرته , وفي حال إذا نزل أجازة يجعل وقته للزيارات ولشراء أرض أو عقار وينسي تماما أن يجلس ويحكي مع أولاده , أو يظن أنهم صغار لا يفهمون , فربما هم لا يفهمون , ولكنهم يشعرون , والشعور والمشاعر لا تخطيء أبدا والأحاديث والجلوس مع الأبناء يترك في نفوسهم مشاعر جميلة ويعلمهم معاني حب الأسرة والأهل .
من نكران نعم الله سبحانه وتعالي علي العبد أن يتخلي عن شكر ربنا علي نعمة الأبناء بإهمالهم وتجاهل مشاعرهم , والتعامل معهم وكأنه بنك لتحسن الأحوال لهم .
فلا يجوزأيضا أن نقسم الحياة إما مال وعدم تواجد مع الأسرة , أو عدم إنفاق وإهمال لمتطلباتهم .
وأعود لقصة أبنة صديقتي والتي تعاني من إهمال زوجها لأبنته , وأنه يربط بين رجوعها لمنزل الزوجية وبين الإنفاق علي أبنته وأقول له إن هذا لا يجوز . ولا هكذا يكون الرجال , ولا هكذا يكون تحمل المسئولية , لأنك عندما أخترت أن تتزوج فلابد أنك تعلم أن للزواج تبعات وأن أول هذه التبعات هي الإنفاق علي الأسرة , والإنفاق عل الأبناء .

زر الذهاب إلى الأعلى