اسليدرالأدب و الأدباء

همهماتٌ على بساط البديع رؤى فلسفية في شعر المبدع الكبير محمود حسن

12380188_901930676565209_1750780144_n

رؤى فلسفية في شعر المبدع الكبير محمود حسن للكاتب و الناقد أحمد منصور الخويلدي

عرض وتقديم جورج ماهر

مقدمة:– عندما تغسلُ الكلمة جراح الفؤاد الذي يعجزُ الأطباء عن علاجها، نقول للجميع حي على الحرف. داووا جراحكم بالهمسِ، اكتبوا لأنفسكم؛ كي تتعرفوا عليها، و تعالوا نترك طابور الوجع، و نأخذ هدنة بالخيال إلى واقع فلسفة العشق،و نسبح الوهاب الذي علم بالقلم، و جعل القلب خليفة الحياة بالحياة… الحبُّ المدان الدائم لدى الكثيرين، و المطالب بإثبات براءته من مرايا الذات التي تعكس أبعاد العلم و التربية و السلوك، و هذا ما سنحاول التعرض إليه في رسالة الشاعر المبدع محمود حسن في بعضٍ من قصائده؛ فالمبدع الحقيقي من وجهة نظري المتواضعة هو من يلبس اللغة ثياب العرس و يزفها عروسا مثقفة واعية بمضمون رسالتها في الحياة؛ كي تعود إليه بذرية الجمال… أما تلكَ الفتاة الجملية التي تنبهر بظاهرها و عندما تحادثها تبتسم في نفسكَ قائلا: ألف خسارة؛ ليتكِ ظللتِ صامتة؛ فهي هذه القصيدة التي تفقد المسافة بين الجمال و الدلالة… لا شكَ أن العشق رسامٌ بلا أداة، ريشته محمولة على كفِّ نظرة، حين تتوافق مع ورقة الروح،كفِّ نظرة، حين تتوافق مع ورقة الروح، تتناثر ألوان الحيرة بالتدريج فوق وجدان المحب؛ فيتوحد في ذات اللوحة لأجل غير مسمى قد نعجز أحيانا كثيرة عن فهم طلاسمها، لكنها أجمل لوحة ممكن أن تقوم هي بتحديث نفسها بنفسها؛ الاشتياق هو خليفة فن العشق. من هنا نلج إلى قصيدة { سميةُ } و التي تتناغم و ما ذكرته، و لكن بعد عرض مقاطعها تباعا.

سميةُ و سألتها : هل يعشقُ الإنسانُ في سن النبوة مرةَ مرتينْ ..؟!

إني عشقتكِ يا سميةُ قصة شتويةصيفية كخُرافةٍ بل قصتين ضمي حبيبك يا سمية و سديه بساعديكِ و قربيه و قبليه و عانقيه و وشيميه على يديك ذوبي جميعا و اصهرني في الوريدِ لكي أفيقْ و تمازجي حتى تَعُبّ الأرضُ من هذا الرحيق

إنها قصة الدلالة التي تتكِئ على العلمِ يا سمية، و ها أنا أنظر بفؤادٍ أربعيني و ابتسمُ لفؤادكِ، و أعيدُ الاستفهام لمَ الأربعون…؟! و كيف جرحتني مبدعنا بحرف السٍّين؛ فالقصة بالفعل الآن ليستْ قصة بل قصتين… أصعبُ ما يمكن أن يواجهه القارئ الواعي، انفصام الفكر عن الإحساس عندما تمسُّ الكلمة فؤاده و تسكنه، دون العبور من بوابة العقل، من هنا اعترفُ أنني أجلتُ النظر في هذه القصيدة أكثر من مرة؛ بفعل تناغمها و الفؤاد؛ لكنني عدتُ إليها؛ كي أجعلها تقرؤني على مهلٍ… بحثتُ أولا في القرآن الكريم عن سن الأربعين فلم أجده إلا في هذه الآية الكريمة { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَبِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ} هذه الآية الكريمة تحدد سن الأربعين لاكتمال القوة البدنية والعقلية أو الأشُدّ أو الأوج؛ فقد أكدتْ الأبحاث الطبية مؤخرا أن نمو الدماغ يستمر لنهاية الأربعينيات من عمر الإنسان، بما يتفق تماماً مع القرآن الكريم… و نعلم جميعا أن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم بعثَ في هذه السن، بما يكفي من دلالة على أنها سن الحكمة و اكتمال العقل، و هذا ما ذهبَ إليه مبدعنا في رسالته إلى معشوقته؛ و كأنه يقول لها: إنها ليستْ مراهقات خيال، بل واقع إكتمل باكتمال العشق صيفاء و شتاء و كأسطورة لأنها جعلتْ في ذاتها تكرار؛ فأصبحتْ قصتين …………………………………… إني بحضنكِ كلّ يومٍ ألفُ عاشقْ إني عشقتكِ يا سميةُ شاعرا فسُميتي هي أول امرأة تمسُ بكارة القلبِ المعتق من زمنْ لما لمستُ نسيمها قفزتْ خلايا القلب تفترس الشجنْ هي أودعتني بالشفاه البكر أعذبُ كلمة فتنفستْ سحر الطفولة مُلْهٍما و تذوقتْ رئتي البكارة من رحيق رحيقها

ليستْ هنالك نظريات علمية نقيس بها مدى شعورنا بالآخرين، و لا حتى بإمكانها الإجابة الملحة على الكثير من أسئلة العامة و الخاصة. هل يستطيع الفؤاد تحمل عشقين أو ثلاث طيلة العمر..؟! ظني أن أي حب يَكسره ُحبٌ آخر هو مجرد إعجاب فاق الحد و توهم بالقلب و سعتْ إليه حاجاتنا للحب ذاته. و الحقيقة هذا ما يظهر بالشرقِ الأوسط جليا؛ لأننا تحكمنا فلسفة النصيب بكل ما يَظلها من عادات و تقاليد؛ إلا إذا اجتاحتْ الأفئدة زلازل متتابعة كما في حالة مبدعنا أدتْ إلى تنفسه سِحر الطفولة، و جعلتْ أنغام الصبا تعزفُ على وتر أفعاله، و حطمت المسافة بين الإعجاب و الرضا، و أنجبتْ من القلبِ السقيم، ألف فؤادٍ عاشق، يصرخ باسم واحدة فقط؛ فالصورة هنا واضحة، و اللغة ثرية؛ فالقلب بكر، و الرئة بكر، و الشفاه بكر؛ حتى الكلمة في ذاتها اِنفضتْ من بكارة الجمال، و ذابتْ في رحيق الرحيق؛ ليظهر لنا الفارق بين العاشق العادي و المبدع العاشق الذي يهوى ذاتهِ كثيرا؛ حتى إذا أصبح الهيام أكبر منه فقدَ فيه كل ما يملك، و لنا في سِيَرِ العاشقين عبرة. معظمهم تركوا للكلمة واحة من الخيال نلتقيهم على حدودها. كما فعلها مبدعنا  

أن التأسيس لمدرسة نقدية عربية ، أصبح هاجس يؤرق كل صاحب فكر؛ لحاجتنا إلى الذهاب بالمنتج العربي إلى أصالته و عراقته، و عدم الركض وراء مصطلحات مستوردة، و نظريات عقيمة لا تأخذ بيد المبدع و لا تضيف شيئا إلى رأس المثلث الإبداعي المتلقي . من هنا أرى أن الناقد وسيط مخلص بين الإبداع و الجمال، وظيفته ليست إرشادية، بل هي مكملة للنص، تغوص في عمق الحدث و تقفُ خلف الكواليس الذهنية للشاعر، تراقبُ ألوان ريشته و هو يؤدي وظيفة كالرسام بالكلماتِ؛ فتمنح الشاعر و القراء مساحات جديدة كفيلة بإيجاد ألف عمل من ذاك العمل الواحد، و الناقد المبدع هو من يستطيع أن يجعل القصيدة تبتسمُ لشاعرها بوجه خلفيته النفسية و انفعالاته العفوية التي سقطتْ منه بين السطور؛ لذا اعترف أن جمال النص هو المادة الخام التي تشكل وجدان الناقد ، و جمال سمية بهذه القصيدة قد تشكل في وجداني و أعتقد أنه تشكل في وجدان من قرأها و من سيقرؤها؛ فشاعرنا قصد أن يتركَ لمخيلتنا رغم كل هذا الفيض الكثير من أسرار جمالها؛ حتى تكون هي الحلم الذي يعيد اكتشاف نفسه، كي يعود بصيرا عندما تلقي بقميص رضاها، دون ألم إرهاصات الصبا و الشباب و سن النبوة… ما أجمل الحب عندما يكتب ذاته بعفوية شاعر يملكُ لغة و الشباب و سن النبوة… ما أجمل الحب عندما يكتب ذاته بعفوية شاعر يملكُ لغة و علم؛ فتنسابُ الكلمة من فم الروعة دون تعقيد أو تعجيز؛ ليبقى الشاهد الوحيد في النهاية أن نقول: الله .. الله

12246788_1063730043658730_947672086957273105_n

زر الذهاب إلى الأعلى