الأدب و الأدباءالثقافة

سلسلة مقالات نقدية ” المدارس النقدية الحديثة وقضايا النقد الأدبي “

بقلم / أ : مصعب أبوبكر أحمد

وهناك سؤال مهم علينا طرحه : هل تأثرت جماعة الديوان بمطران ، أم أنها شيدت بناءها من لبنات غير تلك التي وضعها ؟ نقول : إن مطران كان شاعراً أكثر منه داعية تجديد ، بحيث لايستطيع خلق نظرية شعرية شاملة ، أما جماعة الديوان فهي أول حركة نقدية في شعرنا الحديث بنت نشاطها على ركائز فنية مدروسة ، بنت نفسها من لبنات خاصة ، ومعتقدات خاصة ، بيد أنها تمثل وجهاً من وجوه التجديد ، ولم تكن كل وجوه التجديد .
وإذا كان لمطران فضل وضع النموذج الشعري الرائد ، فإن لجماعة الديوان فضل النظرية والتقنين . ونرى أن أهميتها تكمن في التمهيد للحركة الرمزية في شعرنا الحديث ، نابعة في تركيزها على الحقيقتين التاليتين في مفهوم الشعر ووظيفته :
أولاً : أن الشعر استشفاف لجوهر الموجودات ، ونفاذ إليها ، وتعاطف معها . هذا مايراه كذلك الناقد ” ملاميه ” ( أن العالم الخارج ليس إلا ستاراً يجب أن نهتكه حتى نصل إلى المعنى المحض للأشياء ) .
ثانياً : إن وظيفة الشعر ليست تصوير الأشياء تصويراً حسيَّاً جامداً ، بل هي بالأحرى الإيحاء بالوقع الذاتي للأشياء ، ونقل عدواها من نفس الشاعر إلى نفس المتلقي .
يقول العقاد ناقداً ومعلقاً على قصيدة شوقي في رثاء “محمد فريد ” : ( اعلم أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يُشعر بجوهر الأشياء ، لا من يعددها ويحصي أشكاهلها وألوانها ، وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه ، إنما مزيته أن يقول ماهو ، ويكشف لك عن لبابه ، وصلة الحياة به… )
ونلحظ أن عبد الرحمن شكري لم يكن رمزياً بالمعنى المذهبي لهذه الكلمة ، إنما نلمح في شعره محاولة فقط للافادة من بعض خصائص الأداء الرمزي في تكوين الصورة الشعرية على أساس من تراسُل معطيات الحواس ، مما يضفي على بعض صوره مسحة من التجريد الغامض ، يتحول فيها المحسوس إلى مايشبه الفكرة ، ونجد كذلك في قصائده ميل إلى ” تمثيل الفكرة ” عن طريق الحوار والشخصيات المخترعة ، فذلك أقرب إلى ” الإستعارة الرمزية ” ، غير أن الرمزيين لا يعتبرون أمثال هذه الإستعارات رموزاً حقيقية ، لضعف إيحائها وتحرر مدلولها . هذا نجده مثلاً في قصيدته ” قصة هز الأنوف ” والتي منها :
إذا نحن طامنا لكل صغيرة
فلابد يوماً أن تساغ الكبائر
لذا نقول : إن حركات التجديد في شعرنا المعاصر وما احتوته من بذور رمزية ، أنها في مجملها تأثرت بالثقافة الغربية تأثراً عاماً ، ولم تحاول وآحدة منها أن تندرج ضمن إطار مذهبي محدد ، أما مانلمحه في بعضها من ميل إلى مذهب بعينه – كالرومانسية في شعر مطران – فهو لا يعدو التأثر بالخصائص الفنية في التصوير ، ولايرجع إلى إدراك فلسفي كلي على ماهو شأن المذاهب الغربية .

* تاريخ الأدب الفرنسي – لانسون – ج2
* الديوان – عباس محمود العقاد – عبد القادر المازني
* ديوان أزهار الخريف – عبدالرحمن شكري – ط1 – ج7

زر الذهاب إلى الأعلى