إعداد/ طارق بدراوى
مدينة بورسعيد تشتهر بإسم المدينة الباسلة بمصر وهي تعد ثالث مدينة في مصر إقتصاديا بعد القاهرة والإسكندرية وهي مدينة ساحلية تقع شمال شرق مصر وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند مدخل قناة السويس الشمالي ويحدها شمالا البحر المتوسط ومن الشرق محافظة شمال سيناء ومن الجنوب محافظة الإسماعيلية ومن الغرب محافظة دمياط وبحيرة المنزلة وتبلغ مساحة مدينة بورسعيد حوالي 1351 كم² ويبلغ عدد سكانها بحسب تعداد عام 2010م ما يقارب 604 ألف نسمة وتنقسم مدينة بورسعيد إلى ستة أحياء إدارية هي حي الجنوب وحي العرب وحي المناخ وحي الضواحي وحي الزهور وحي الشرق وتعد هي العاصمة لمحافظة بورسعيد التي تضم أيضا مدينتي بورفؤاد والفرما
وتضم مدينة بورسعيد العديد من المعالم المميزة أهمها ميناء بورسعيد والذي يعد ثاني الموانئ في مصر نظرا لموقعه المتميز عند مدخل قناة السويس الشمالي ومبنى هيئة قناة السويس والذي يعد أحد أهم الآثار الإسلامية في بورسعيد والذى تم بناؤه في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وفنار بورسعيد القديم ويعد أول بناء في العالم من الخرسانة المسلحة والكاتدرائية الرومانية والتي أنشئت عام 1934م وكنيسة أوجينى والتي أنشئت مع إفتتاح قناة السويس وقرية النورس السياحية وبها العديد من الملاعب المختلفة ومراكز العلاج الطبيعي ومدينة ملاهي وعدد 300 وحدة مصيفية وقاعة إحتفالات ومركز تجـاري وحمامات سباحة وتقع في شارع طرح البحر وجزيرة تنيس وهي تبعد حوالي 9 كم داخل بحيرة المنزلة ويمكن الوصول إليها باللنشات من محطة بورسعيد البحرية بالإضافة إلى العديد من المتاحف مثل متحف بورسعيد الحربي والذي يوثق لحقبة العدوان الثلاثي على المدينة ومتحف بورسعيد القومي والذي يعرض آثارا من مختلف الحقب التاريخية المصرية فضلا عن تاريخ بورسعيد منذ إنشائها سنة 1859م في عهد محمد سعيد باشا والي مصر في هذا الوقت وحتى العصر الحديث ومتحف النصر للفن الحديث وقاعدة تمثال ديليسبس وهي توجد في مدخل قناة السويس في إمتداد شارع فلسطين حيث تمر السفن التي تأتي من جميع أنحاء العالم مما جعل منها مزاراً سياحيا وكان يوجد فوقها تمثال لفرديناند ديليسبس ولكن الأهالي إقتلعوه من قاعدته بسبب العدوان الثلاثي عام 1956م ولايزال موجودا بمخازن محافظة بورسعيد ومسلة الشهداء وتوجد أمام مبنى المحافظة وقد أنشئت تخليداً لذكرى شهداء بورسعيد في معاركهم المختلفة وأخيرا نجد مطار المدينة والمعروف بإسم مطار الجميل كما تتمتع بورسعيد بحق الإمتياز في المعاملة الجمركية على السلع الواردة حيث أعلنت كمنطقة حرة منذ يوم 1 يناير عام 1976م
وقد بدأ العمل في إنشاء مدينة بورسعيد على يد والي مصر محمد سعيد باشا كما أسلفنا القول وذلك في يوم الإثنين الموافق 25 أبريل عام 1859م عندما ضرب فرديناند ديليسبس أول معول في الأرض معلنا بدء حفر قناة السويس وإسم بورسعيد هو إسم مركب من كلمة PORT ومعناها ميناء وكلمة سعيد إسم حاكم مصر وقت البدء في إنشائها من الناحية التاريخية ويرجع أصل التسمية إلي اللجنة الدولية التي تكونت من إنجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا وأسبانيا وبيدمونت حيث قررت هذه اللجنة في الإجتماع الذي عقد في عام 1855م إختيار إسم بورسعيد وذلك عندما حصل فرديناند ديليسبس علي حق إمتياز القناة من محمد سعيد باشا وبدأ يعد الدراسات والخرائط اللازمة لبدء تنفيذ مشروع حفر القناة حيث بعد قيام مسيو فرديناند ديليسبس بتشكيل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسين موجل ولينان بك كبيرا مهندسي الحكومة المصرية قامت اللجنة بزيارة منطقة برزخ السويس وبورسعيد وصدر تقريرهم في شهر ديسمبرعام 1855م وأكدوا إمكانية شق القناة وأنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويان في المنسوب وأنه لا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملي وعقب صدور تقرير اللجنة الدولية أصدر محمد سعيد باشا فرمان الإمتياز لديليسبس وكان أهم بنوده حفر القناة من ميناء السويس إلى البحر المتوسط عند نقطة خليج الفرما وفي يوم 25 أبريل عام 1855م عقدت اللجنة إجتماعا وإتخذت عدة قرارات من بينها إقامة فنار لإرشاد السفن القادمة لمدخل القناة وموقع الميناء وإنشاء ورش وآلات وجميع المنشآت اللازمة لإعداد تلك الورش للعمل وإنشاء كوبرى من بورسعيد إلى داخل البحر ويكون أيضا رصيف لرسو السفن عليه لتفرغ بضائعها وفي يوم 22 نوفمبر عام 1858م قام المجلس الأعلى لأعمال وأشغال قناة السويس أثناء الإكتتاب في أسهم الشركة بتوقيع عقدين لتنفيذ المرحلة الأولى من الأعمال مع مسيو هاردون أحد المسئولين المهمين الذين إستعان بهم ديليسبس في تنفيذ مشروع حفر القناة
وفي يوم 21 أبريل عام 1859م وصل مسيو ديليسبس إلي بورسعيد برفقة مسيو موجل بك المدير العام للأشغال ومسيو لاروش وهاردون وغيرهم من رؤساء المشروع والوكلاء ومائة وخمسين من البحارة والسائقين والعمال ومعهم ما يكفيهم من الطعام والشراب ووصلوا إلي بورسعيد عن طريق بوغاز قرية الجميل الذى يصل بحيرة المنزلة بالبحر المتوسط وكان أغلب سكانها من صيادى الأسماك وهي تقع على بعد 9 كم غربي بورسعيد وإقتنع مسيو ديليسبس أن هذا المكان صالح لإنشاء مدينة بورسعيد ومن وقتها إستمرت أعمال بناء بورسعيد وقامت الشركة بتشجيع العمال المصريين على العمل وأقامت لهم العشش بمنطقة العرب غربي بورسعيد وقامت بتعيين إمام للمسلمين بمسجد القرية وقامت الشركة بالتركيز على جعل بورسعيد صالحة لرسو السفن فقامت بإنشاء الورش الميكانيكية مثل النجارة والحدادة والخراطة وسبك المعادن وشيدت مصنعا للطوب وحوضا للميناء وحفرت قناة داخلية صناعية تصل ما بين منشآت الميناء وبحيرة المنزلة لنقل مياه الشرب ومواد التموين بواسطة القوارب الصغيرة
وفي بداية الأشهر الأولى لإنشاء بورسعيد إستخدمت غالبية الأيدى العاملة في أعمال ردم أجزاء من بحيرة المنزلة حيث لم يكن يتجاوز عرض بورسعيد وقتها مابين 40 إلى 50 متر وقامت الكراكات بإزاحة كميات مهولة من الرمال من حوض الميناء إستخدمت في أعمال الردم وإمتدت المدينة للجنوب حيث حوض الترسانة عام 1862م حيث توجد الورش التي بدأ إستخدامها عام 1863م وأخذت المدينة شكلا مستطيلا تقريباً أما قرية العرب فكانت في أقصى غرب بورسعيد وكانت لا تتعدى عشر مساحة بورسعيد في البداية وأخذ شكلها شكلا بسيطا وبائساً فكانت معظم منازلها عبارة عن عشش من البوص ثم إستخدمت الألواح الخشبية بعد ذلك وقد فصل ما بين القرية والمدينة أرض فضاء طولها حوالي 500 متر وتقلصت تلك المسافة إلى 200 متر عام 1869م ثم تلاشت تماما وإنضمت القرية للمدينة الأم وفى عام 1868م إنتهت أعمال ردم أجزاء من بحيرة المنزلة غرب شارع الترسانة وبلغ الحجم الكلى لكميات الردم حوالي 630 الف متر مكعب وساعدت على إكساب بورسعيد أراضى جديدة تم بناء الورش عليها
وبعد بداية عمل ميناء بورسعيد أثناء حفر القناة وإستقباله للمواد والمهمات اللازمة للحفر وبعد إقامة رصيف أوجينى كان لابد من إنشاء حاجزين للأمواج عند مدخل القناة أحدهما عند الشرق والآخر في الغرب لحماية الميناء من العوامل الطبيعية ولجعل المياه هادئة داخل مجرى القناة ولمواجهة الرواسب والرمال التي يدفعها التيار البحرى والتي قد تؤثر سلباً على منسوب عمق القناة وعرف الحاجز الشرقي بإسم حجر سعيد والغربي بإسم رصيف ديليسبس وبدأ إنشاؤه عام 1859م من عند شارع أوجينى وإلتقائه مع شارع السلطان حسين سابقا فلسطين حاليا وينتهى في عمق المياه على عمق 10 أمتار وبلغ طوله 2500 متر وإرتفاعه 2 متر عن مستوى سطح الأرض أما الحاجز الشرقي فينتهى في المياه على عمق 8 أمتار وبدأ العمل فيه عام 1866م وتم الإنتهاء منه عام 1868م وبلغ طوله 1900 متر وإرتفاعه 1 متر ويتقابل كلا الحاجزان جزئيا عند مدخل الميناء وتم صنع الأرصفة بالإضافة لجزيرة ميناء الصيد ونقلها بواسطة شركة إخوان داسو بالإسكندرية بمحاجر المكس ويبلغ وزن الحجر الواحد من أحجار الأرصفة حوالي 20 طن وتم تصنيع عدد 250 ألف مكعب منها وهي تصنع من خرسانة الدقشوم والجير المائى لمنع تسرب الرمال وبدأ غمرها في المياه في شهر أغسطس عام 1865م
وفي عام 1870م كان ببورسعيد 3 أحواض بالشاطئ الغربي للقناة هي حوض التجارة وخصص للمراكب المحلية واليخوت الصغيرة والترسانة وخصص لأجهزة القناة ووجدت حوله ورش الشركة وحوض شريف وخصص لرسو السفن التجارية الضخمة الخاصة بالشركات الكبرى مثل اللويدز النمساوية والمساجيرى أمبريال الفرنسية والروسية للملاحة ومارفرسنيه من مرسيليا بفرنسا وكان قد تم صنع فنار مؤقت من الخشب لارشاد السفن عام 1859م على الساحل وكان يضئ لمسافة 10 أميال وبعد بناء رصيف ديليسبس تم بناء فنار جديد بموقعه الحالى في عام 1869م ويعرف حاليا بإسم فنار بورسعيد القديم بعد أن حل محله في العمل حاليا فنار جديد هو الثالث في تاريخ بورسعيد وقد بنى فنار بورسعيد القديم من الخرسانة المسلحة كما أسلفنا وكان ذو لون رمادى أما الحاجز الشرقي فقد وضع به فانوس يضئ على مدى 20 ميل وكان يضئ بغاز الإستصباح ولا يزال هذا الفنار قائما حتى الآن كأحد الاثار الهامة ببورسعيد
وبرغم حداثتها النسبية إحتلت بورسعيد منذ نشأتها مكانة بارزة وسط المدن المصرية بل لا نبالغ إذا قلنا وسط المدن العالمية أيضا حيث كانت دائما من أول المدن تمتعا بالخدمات ووسائل الحضارة والتمدين حيث كانت بورسعيد ثالث مدينة بمصر تشهد عرضا سينمائيا بعد القاهرة والإسكندرية وكان ذلك في العام 1898م كما دخلتها الكهرباء عام 1891م وهو تاريخ مبكر وسط مدن العالم حيث دخلت الكهرباء نيويورك على سبيل المثال قبل هذا التاريخ بتسع سنوات فقط ولم تقتصر مقومات بورسعيد كمدينة عالمية منذ نشأتها على ما تمتعت به من وسائل مدنية وحضارية فحسب بل إمتدت أيضا لتشمل الطابع الثقافي للمدينة حيث إتسم مجتمع بورسعيد بطابع كوزموبوليتاني متعدد الثقافات حيث سكنها العديد من الجنسيات والأديان خصوصا من دول البحر المتوسط وأغلبهم من اليونانيين والفرنسيين بجانب المصريين في تعايش وتسامح وكان يسكن الأجانب حي الإفرنج وهو حي الشرق حاليا بينما كان يتركز المصريون في حي العرب كما لايفوتنا أن نذكر أن بورسعيد قد شهدت الحفل الأسطورى الذى أقامه الخديوى إسماعيل في شهر نوفمبرعام 1869م بمناسبة إفتتاح قناة السويس ودعا فيه العديد من ملوك وأباطرة الدول الأجنبية وكانت الإمبراطورة أوجيني زوجة الإمبراطور نابليون الثالث إمبراطور فرنسا هي ضيفة شرف هذا الحفل الأسطورى وتكريما لها أطلق إسمها علي شارع من أهم شوارع بورسعيد
وفي وصف واضح لحيوية مجتمع بورسعيد قال روديارد كبلينج أنه إذا أردتم ملاقاة شخص ما عرفتموه وهو دائم السفر فهناك مكانين على الكرة الأرضية يتيحا لكم ذلك حيث عليكم الجلوس وإنتظار وصوله إن عاجلا أو اّجلا وهما مينائي لندن وبورسعيد وقد تفاعلت بورسعيد مع الأحداث التاريخية والوطنية التي شهدتها مصر في العصر الحديث منذ نشأتها حيث دخل الإحتلال البريطاني مصر من بورسعيد عام 1882م وطوال مدة الإحتلال البريطاني لمصر كانت بورسعيد إحدى مواطن المقاومة في مصر وخصوصا بعد إشتعال مدن القناة بالمقاومة للوجود البريطاني بعد إلغاء معاهدة عام 1936م في شهر أكتوبر عام 1951م غير أن الحدث الأبرز في تاريخ المدينة يبقى صمودها في مواجهة العدوان الثلاثي والذي شنته دول بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956م ردا على تأميم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لقناة السويس وهو ما أهلها لحمل لقب المدينة الباسلة حيث هب شعب المدينة بجميع طوائفه مشتركا في أعمال المقاومة الشعبية ضد العدوان وتم إتخاذ يوم 23 ديسمبر من كل عام عيدا قوميا للمدينة ويسمي عيد النصر وهو اليوم الذي يوافق تاريخ جلاء آخر جندي بريطاني عن المدينة عام 1956م وإستمرت رحلة بورسعيد في مواجهة العدوان على مصر حيث توقف العدوان الإسرائيلي على مصر في حرب الخامس من شهر يونيو عام 1967م على حدود بورسعيد الشرقية بعد إحتلال الشطر الآسيوي من مصر ممثلا في كامل أرض سيناء بإستثناء بورفؤاد والتي عجز الجيش الإسرائيلي عن التوغل فيها والإستيلاء عليها وبعد إنتصار مصر في حرب السادس من أكتوبرعام 1973م بدأت الحياة تعود لبورسعيد تدريجيا مابين عام 1974م وعام 1975م وهذا الأخير هو نفس العام الذي أعيد فيه إفتتاح قناة السويس للملاحة يوم 5 يونيو بعد توقفها في أعقاب حرب عام 1967م وفي عام 1976م أصدر الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرارا بتحويل المدينة إلى منطقة حرة وهو الأمر الذي جعل المدينة جاذبة للسكان من جميع أنحاء مصر
ولايفوتنا أيضا أن نذكر أن النادى المصرى البورسعيدى يعد من أشهر الأندية المصرية وأهم اندية المدينة كما يوجد أيضا بالمدينة فرع لنادى الصيد بالإضافة الي نادى المريخ ونادى الرباط والأنوار ونادى بورفؤاد بمدينة بورفؤاد كما أنه من أشهر أبناء بورسعيد الدكتورة فايزة أبو النجا الوزيرة السابقة ومستشارة الرئيس للأمن القومي حاليا والدكتور سمير فرج محافظ الأقصر الأسبق والكاتب الصحفي الراحل مصطفي شردى ونجله محمد مصطفي شردى والكاتبة الروائية سكينة فؤاد والفنانين محسن سرحان ومحمود ياسين وحمدى الوزير والفنانات ملك الجمل وسهير رمزى وعلية الجباس والمطربين عبد العزيز محمود وعمرو دياب والمخرجين سمير العصفورى ومحمد فاضل وحسام الدين مصطفي ولاعبي الكرة عبد الرحمن فوزى والسيد الضظوى ومسعد نور ومحسن صالح ومحمد شوقي ومحمد زيدان والخطاط الشهير خضير البورسعيدى
ويربط بورسعيد بباقي محافظات الجمهورية طريقان رئيسيان أولهما طريق بورسعيد الإسماعيلية ومنه إلى طريقي القاهرة الإسماعيلية الزراعي والصحراوى وطريق الإسماعيلية السويس وثانيهما هو الطريق الساحلي الدولي الممتد من بورسعيد إلى دمياط وحتي الإسكندرية ومطروح ومنه يمكن الوصول إلى محافظات الدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة كما يصل إلى المدينة خط سكة جديد ممتد من الإسماعيلية إليها والقادم أصلا من القاهرة إلى الزقازيق فالإسماعيلية فالقنطرة غرب ثم إلى بورسعيد