اسليدرالأدب و الأدباء

زيف حاضرتي وعشق أبرار

الشاعر محمود السلطان 

 … معلقتي . ………….. ولدتُ في زمنٍ وما كُنتُ أختارُ … … سُبُلَ الطريقِ وما كانَ الخيارُ .

أُرغِمتُ الوجودَ وما للرفضِ منزلةً … … ولو كان الصراخُ يجوبُ أقطارُ . رَكبتُ الحياةَ وسارت دوالبها … … تقودني بعدَّادِ الوقتِ أعمارُ .

ممنوعُ الوقوفِ وكفُّ الطريقِ مرتحلُ … … وخيط الوصول يمتد أميالٌ وأمتارُ . هاجمني الشبابُ بِبَغتتي كالسيفُ … … إذا لامسَ العودَ قطَّعَ الأوتارُ .

وكمْ للصِبا كَمْ جَاشت مشاهِدُهُ … … وكَمْ للحقائقِ عشَّاها الزيفُ أستارُ . ولمّا التحقتُ بالصحبِ يصحَبُني … … صِرّنا نختفي ليلاً وللَّيلِ سُمّارُ .

كَمْ سهرنا وكَمْ ضيَّعنا الوقتَ منا … … وكَمْ رأينا نُجُومَ اللّيلِ أقمارُ .

وأحقنَ اللّيلُ في جُفُونِ مآقِلِنا … … أكياسُ ماءٍ ولا نأبَهُ الأضرارُ . يَصيحُ الِّديكُ لِيوقِظَ مثامِلِنا … … يحسبنا من بني الإنسانُ أحرارُ . نَسْمَعَ ولا نَسمَعُ نداؤهُ كأنّنا … … صُمَّتْ مسامِعُنا والسَّمْعُ أسرارُ .

وأُزِيحَ السحَرُ وما يُخفِي النهارُ … …. ويُكْمِلُ الطيرُ بزقازيقِهِ الأدوارُ . فكأنَّ نداءُ العصافيرِ لنا نومٌ … … نُوصِلُ اللَّيلَ بالليلِ أطوارُ .

ولمّا مللّتُ الصُحبةَ من مطلبٍ … … مسحتُ ثَملي واستيقظتُ أحتارُ .

وعُدتُ مع الحياةِ مستقبلاً ذاتي … … أستدعي طموحي والعزلُ أسوارُ . فلمّا بَلغْتُ الطريقَ عن نِصفِهِ … … بَدَتْ ذاتَ الحُسنِ أبرارُ . فَتَنَتْ شبابي والرُّوحُ تطلُبها … … والقلبُ دقاتُهُ نايٌ وقِيثارُ .

فرَفَعْتُ راياتي مُسْتَسماً لها … … ولَفَفْتُ أشرِعَتي أستَجْهِلُ الأقدارُ . تَغَيَّرَ حالي والأحوالُ تنقلبُ … … وبالقلبِ نارٌ والجوفُ فوَّارُ . وعِندَ اللِّقاءِ ما أجملُ مَحاسِنُها … … والعينُ بالعينِ ينسجمُ الحِوارُ . فيزدادُ ثَمِلي من كُحلِ عينيها … … والجِفْنُ تُثْقِلُهُ سَبْلةُ الأنظارُ . وَقَفَ الجمالُ صاغِراً بمفاتِنِها … … ويَشْهَدُ خُلخَالُها ويَعقُبُهُ السِّوارُ .

ذقتُ بالعِشقِ معَها صبائِبُه … … وأُلْعِقتُ من شهد اللقاءِ قنطارُ . كُنَّا مِراراً نلتقي في كُلِ يومٍ … … نَرتوي مَرحَاً ونَرويَ الأزهارُ .

وعِندَ الفِراقِ تَتَسابَق مَدامِعُنا … … وأشواقِ الغرامِ تَرتَقبُ إنتظارُ . ولمّا استفاق اللَّيل ناداني … … أروي قِصَّتي وأَسرُدُ الأخبارُ . فأصبحتُ واللَّيلُ سُمّارُ أوصافَهَا … … وعَادَت الأحداقُ تزدادُ إحمرارُ .

وجادَ الطولُ باللّيلِ يَمُدُّه … … عقاقيرِ وقتٍ وبالحقنِ مِدرارُ . وبَعدَ عامينِ والأيَّامُ تَنْتَسِخُ … … سَقاها الموتُ من كاساتِهِ أبيارُ . فأشْعَلْتُ شُعلةَ الذِّكرى تُرافِقُني … … لتضيء لي بِسِراجِها المِشوارُ . وَأَكمَلتُ الطَرِيقِ أستَثني شَوائبَه … … وغَصائِصُ الحِرمانِ كَمَطرقِ المِسمارُ .

وعُدتُ معَ الحياةِ وتَثاقُلي … … يجُرُّنِي وأجُرُّه لِمَخرجِ الإعصَارُ . وامْتَطَيتُ سفينتي وصَحَحتُ أشرعتي … … وغلَّفْتُ دمعي والتَّغليفُ إكبارُ . وأقلمتُ نفسي للحياةِ بِحُرقتي … … ونَهَشْتُ من وقتي أُدوِّنُ الأشعارُ . وقَسَّمتُ اليومَ نِصفٌ لمَشغلي … … واللَّيلُ أَرصُدُه لِذِكرِ أبرارُ .

وأَلمُ الفِراقِ أحتسي مَواجِعَهُ … … باللَّيلِ يأسِرُني وبالنَّهارِ إِدبَارُ . ولمّا تُشرِقُ الشَّمسُ تُنْقِلُني … … لصوبِ الزُحامِ فأُكمِلُ الإِبحَارُ . أُواري جِراحِي والجُرحُ ينتفضُ … … كنَفضَةِ النِّزاعِ ساعاتِ إحتضارُ . وَمَرَّ الزَّمانُ والأيامُ تنعَقِبُ … … وبَلَغتُ رُبعَ القرنِ أحتارُ .

قطفوا من بينِ المُرُجِ زهرةً … … وزَفُّوها عروساً من بعدِ إصرارُ . وألبَسُوني عريساً وأَوثَقُوا عُنُقِي … … ومَا كُنْتُ حَاضِراً ولا لهَا مُختارُ . وأَغرقوني رذاذاً طابَتْ روائِحَهُ … … بعدَ السِّباقِ لإِقفالِ أزرارُ . ورَاحَتْ يَدايَ بِدونِ الوعيِ تَحمِلُها … … لإتمامِ حفلٍ والقلبُ مُنْهَارُ . ورَفَعتُ السِتَارَ عن وَجهِهَا كأنني … … سأُلاقي خَلْفَ السِتارُ أبرارُ .

فَنَفَضْتُ نَفسي لِأُخفِي رسائلَها … … وعَبَّأتُ سِرِّي بِبِضعِ أجرارُ . وأَقنَعتُ عَقلي رُضُوُخِ حاضِرَتِي … … وأَرشَفْتُ مِنها الشّهدَ صَبَّارُ . ويَهدُرُ الجُرحُ بالجَوفِ آهَاتَهُ … … وشَوقِي بِجانِبِها سَبْعُ أصفارُ . ظَلَمْتُ نِصفِي والظُّلْمُ يَظْلِمُني … … وما بِظُلْمِ النَّفسِ تُثْمِرُ الأعذارُ . ودَارت سِنِي العُمْرِ تَجرِفني … … لِعَشرِ لفَّاتٍ لِلأرضِ تِكرارُ . أزُورُ القَبرَ أروي شَواهِدَهُ … … بِدَمعِ العينِ والجَوفُ هَدّارُ .

أُنادي عَليها والصّدى يُبادِلُني … … نَحيبُ الآهِ واللَّحنُ مِزمَارُ . ولمّا أستكينُ أستَلقي بِجَانِبها … … أُداعِبُ التُرابَ ، أصَفِفُ الأحجارُ .

وعِندَ إرتحالِ الشّمسُ يَصعَقُني … … مُرَّ الرَّحيلِ واللَّيلُ بَتَّارُ . أَعُودُ مُرّتَجلاً أُجاري ذاكِرتي … … وأُخفي لَهِيبي ودَمعي والنَّارُ .

وفي طَريقي أطلالُ غائبتي … … وبالدارِ حاضرتي تُقَلِّمُ الأظفارُ . عِندَ الوُصُولِ أستدعي إبتساماتي … … وأسْدِلُ من خيالي وَجْهَ أبرارُ . وفي منامي يُقِلُّنِي زمني … … وفي الأحلامِ الوَقتَ طيَّارُ . تمشي الحياةَ والصَّمْتُ كبَّلني … … والصَّبرُ مرساي وبرِّي جرَّارُ . أنادي بالدُجى مَنْ يُخَلِّصُني … ! … والقلبُ مُعْتَلٌ والفِكرُ مُحتَارُ .

عُلِّقْتُ في زمنٍ ومازلتُ أحتارُ … … زيفَ حاضِرَتي وعِشقِ أبرارُ . سَقيمٌ أنا والدواء منعزِلٌ … … ودَائي موقوفٌ بِفَرزِ مِنشارُ . أينَ المَآلُ فَلَسْتُ أفهَمُهُ … ؟ … وكيفَ لِلرُّوحِ جَبرِ الكِسَارُ .

فَمِنْ وَجَعِ الفِرَاقِ عَصَّرتَ قَلَمِي … … وَسَجَّلتُ نَفسِي حَرفٌ وَأَحبَارُ . ونَزَفتُ جُرحِي قَصيدٌ ومَطلَعُهُ … … وُلِدْتُ في زَمنٍ وما كُنْتُ أَختَارُ .

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى