استغاثة المواطنين

الأمانة وقيمتها في شخصية المسلم

جريدة العالم الحر

ناصر محمد ميسر

حرص الإسلام على بناء شخصية المسلم على قيم وأخلاقيات رفيعة حتى تستقيم حياته، ويؤدي رسالته في الحياة، ويسهم بفاعلية في بناء ونهضة مجتمعه، ويواجه بقوة وصلابة كل التجاوزات الأخلاقية عملاً بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

والإسلام في بنائه الأخلاقي للإنسان جاء بكل ما هو راق ومتحضر، وسما بأخلاق أتباعه فوق كل الصغائر، ورسم للإنسان حياة راقية تغلفها كل المعاني الإنسانية .

ونحن من خلال هذا الباب نسبح في بحر الأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة لنذكّر الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين بأن رقيهم وتحضرهم وإنسانيتهم العالية تكمن في أخلاقيات الإسلام، وأن ما نعانيه الآن في معظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية من انفلات أخلاقي وبلطجة سلوكية سببه الرئيس ضعف الوازع الديني، واختفاء قيم وأخلاق الإسلام من حياتنا .

الأمانة في مقدمة الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي تنشر الثقة بين الناس وتضاعف من تماسكهم، وتساعدهم على صناعة حياة طيبة بعيدة عن كل صور الغش والتزوير والتلفيق، خاصة في جانب المعاملات . ذلك لأن الحياة الطيبة التي يعمل الإسلام على تحقيقها ونشر ثقافتها بين المسلمين لا تعتمد على مقومات مادية فقط ولا على مظاهر تحضر ورقي شكلي، لكنها تقوم أولاً على قيم وأخلاقيات صادقة تنشر أواصر المحبة والألفة بين الناس وتضاعف من فرص التعاون والتلاقي بينهم، وتدفعهم إلى مزيد من العمل بعد أن ترسخ في نفوسهم قيمة الأمل .

والأمانة، كما يقول الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، قيمة غرسها الإسلام في نفوس كل أتباعه، فلا يجوز لمسلم موحد بربّه أن يتخلى عن هذه القيمة في أي شأن من شؤون حياته، فهي من الخصائص التي تتميز بها شخصية المسلم . وانعكاسات هذه القيمة على المجتمع كله طيبة، فالإنسان الأمين ذو ضمير حي وذو قلب سليم ومعاملاته مع الناس نقية من الشوائب، وعلاقاته الإنسانية تشرق بالحب والإخلاص تتسم بالصدق، ونفسه عفيفة، وكفه شريفة نزيهة، يحافظ على حقوق الناس ويصون أماناتهم، فهو موطن الرجاء وملتقى الثقة، يقبل الناس على معاملته بيعاً وشراء، ويأمنونه على ودائعهم وأسرارهم

الأمانة كما يقول علماء اللغة ضد الخيانة  وهي تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية كالعبادة والوديعة، كما تطلق على المعاملات بين الناس، وقد جاء الحث على هذا الخلق الرفيع في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حيث تحث عليها بعض الآيات، وتأمر بها آيات أخرى، وتحذر من الخيانة آيات ثالثة، مثل قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها .

وقوله تعالى: يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم، وقوله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك .

وقوله صلى الله عليه وسلم: من غش فليس مني أو ليس منا من غش

إذا كانت الأمانة بهذا القدر من القيمة والأهمية في حياة المسلمين، فنحن في أمسّ الحاجة إليها الآن في بلادنا العربية والإسلامية، حتى تعم الثقة والطمأنينة علاقات المسلمين ومعاملاتهم .

يقول الدكتور حسين شحاتة، أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر: ما أحوجنا الآن إلى خلق الأمانة بعد أن شاع الغش والتزوير في حياتنا، ففي كل المجتمعات الإسلامية غش في التجارة، حيث أصبح الغش التجاري وباء اقتصادياً واجتماعياً يلحق بنا خسائر فادحة، وهناك خيانة للأمانة تتمثل في السرقات والاختلاسات والعدوان على المال العام، وهناك غش في الامتحانات، حيث أشارت دراسات مزعجة إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب يحرصون على الغش في الامتحانات، ومثل هذه الانحرافات السلوكية والأخلاقية لا سبيل لنا بمواجهتها إلا بالتربية الإسلامية الصحيحة . فالعقوبات وحدها لا تكفي لمواجهة كل صور الخيانة التي اقتحمت حياتنا وشاعت بين الكبار والصغار

غيابها خسائر فادحة

ويؤكد الدكتور شحاتة ضرورة إشاعة خلق الأمانة في أسواقنا حتى تعود الثقة والطمأنينة بين المتعاملين، وحتى يعود الاستقرار إلى هذه الأسواق، ويقول: لا بد أن نعترف بأن غياب الأمانة ألحق بنا خسائر مادية فادحة، فغياب هذه الصفة عن تعاملاتنا كان وراء السطو على أموال الفقراء ومحدودي الدخل في البنوك، حيث استطاعت فئة ضالة منحرفة الحصول على أموال المودعين في شكل قروض من دون ضمانات حقيقية والهروب بها إلى خارج الأوطان . . حدث هذا في مصر وفي العديد من الدول العربية ولو كان هناك أمانة لما حدث ذلك

زر الذهاب إلى الأعلى