اسليدرالأدب و الأدباء

قصة الأرملة .

قصة الأرملة .

سارة بوزكري
وقفت امام باب الغرفة تنظر اليه وهو يحزم امتعته …لم يمض على زواجهما سوى شهرين وهاهو اليوم يسافر هذه هي طبيعة عمله ويجب عليها أن تتحمل ..اقفلت باب الغرفة واقتربت منه : هل انتهيت .رفع عينيه ونظر اليها : نعم .اغلق سحاب الحقيبة ووضعها على الأرض ..جلس على حافة السرير .
اقتربت اكثر وجلست بجانبه: ساشتاق إليك ..عزيزي …انزل عينيه وأمسك يدها : حتى أنا ياحبيبتي ..لكن تعلمين منذ البداية أنا عملي يتطلب ان أسافر …لكن عديني أنك لن تحزني وستنتظرينني كل يوم .حسنا …اومأت برأسها …قضم شفته ونظر في عينيها : تعلمين أني سأشتاق إليك ..ليلى ..انزلت ناظريها مزالت تخجل منه كثيرا …ابتسم ومسك وجهها بيديه الاثنتين:
لا حاجة كي تخجلي مني ..انا زوجك الآن … ودعته ودموعها لم تتوقف ..لا تستطيع احتمال فكرة انه سيغيب كل هذه المدة عنها ..تعودت على وجوده كثيرا …بالنسبة لها كان اول حب و أول رجل يدخل حياتها …مرّ الشهر بسرعة ..
اليوم سيعود زوجها إلى بيتها …استيقظت باكرا ..وخرجت إلى أقرب مول تجاري اشترت ماتحتاج من أغراض وعادت بسرعة …حضرت أشهى الأطعمة التي يحبها وارتدت أجمل ثيابها ..وضعت اغلى العطور وبقيت تنتظره بلهفة كطفل صغير …مرّ وقت طويل نظرت إلى الساعة ..
مرت ساعتان على وصول طائرته …اخذت هاتفها لتتصل به لكن لم يجب …بدات تشعر بشيء غريب ليس متعودا ان لايرد أو يطفأ هاتفه …وقفت تمشي ذهابا وإيابا ..بدأ الخوف يتمكن منها : لا لم يحدث شيء ..
اتصلت بأخيه و في نفسها تدعي الله ألا يكون مكروه قد أصابه : أخي ألم يتصل وليد …نظر إلى الجثة أمامه وقضم شفته : عظم الله أجرك زوجة أخي …كأن أحدا أشعل نارا لكن ليس في المنزل بل في روحها ..
اقتربت من الحائط وتسندت عليه : أخي هل تمزح …كان يعلم أنها ستصدم كثيرا بالخبر ولن تتحمل …بالنسبة لها وليد كان عالمها الصغير ..
واليوم غادرها تنظر إليه يحملون كفنه ويضعونه في القبر ..تنظر إليه وهو يبتعد كثيرا …مزالت صغيرة جدا وقد أصبحت أرملة …. منذ شهرين لم تخرج من بيتها تقضي عدّتها …صار المنزل موحشا …فارغا لاروح فيه …
سمعت صوت دق على الباب ..قامت بسرعة ارتدت حجابها وفتحت الباب وإذا بوالدة زوجها تنقض عليها كالأسد الجائع : أيتها المنحوسة التعيسة …لقد اخبرته منذ البداية أني لست موافقة على زواجكم لكنه عاندني وانظري ماحدث ..لقد مات بسببك لم أفرح برؤية اولاده …انتِ السبب ..خلعت عنها حجابها وصارت تضربها ..لم تستطع مقاومتها أو بالأحرى لم ترد تركتها تفعل ماتريد ..
تركتها تخرج غضبها …صرخت …وبكت نظرت إليها بعيون متعبة لم يزرها النوم لشهرين كاملين : لقد كان قدرا ياأمي …كان قدرا …وقفت تسترجع انفاسها : انت السبب ولن أسامحك يوما ..
خرجت من هناك تركتها غارقة في دموعها ..في ذكرياتها…الكل يلومها ولكن لا أحد يعرف معاناة امراة خسرت زوجها في عمر صغير ..حتى والداها لم تسلم منهما ارادا تزويجها من جديد ..
كيف وقلبها معلق مع رجل تغمده التراب …رفضت وبشدة وعادت للعيش في منزلها الذي تركه لها ..المكان الذي بقيت فيه ذكرياتهم وأجمل لحظات عاشوها معا ….
في أحد الأيام كانت تنظف المنزل تشغل نفسها كي تنسى قليلا …سمعت صوت مفتاح على الباب استغربت ومشت بسرعة…إذا برجل يمسكها بقوة ويدفعها على الأرض …فتحت فمها مصدومة هذا اخ زوجها الذي اعتبرته أخاها : ماذا تفعل لمَ جئت ..رسم ابتسامة خبث على وجهه :جئت من أجلك فكرت انك وحيدة وتحتاجين لمن يواسيك ..وأنا أحسن شخص صح …
وضع يده على شعرها واقترب كي يقبلها ..دفعته بقوة وقامت بسرعة هاربة منه لحقها وهو يضحك : أين تهربين ياجميلة لا مفر مني اليوم سآخذ ماجئت من أجله حتى لو كان بالغصب ..
دخل المطبخ وجدها تحمل سكينا …يداها ترجفان وعيناها قد امتلأتا بالدموع : هل جننت ..تظن أني سأسلم نفسي لك بسهولة …
لن يحصل مستحيل …اقترب قليلا ..رفعت السكين في وجهه: سأقتلك ..ابتعد …نفخ بقوة : انظري لن يعرف احد بعلاقتنا.
سيبقى كل شيء سر بيننا فقط وافقي وأعدك ستعيشين أميرة .. ليلى : لا أريد ارحل ارجوك …إلا سأصرخ وألمُ الجيران عليك .. 
ستندمين وستأتين إلي …من سيقبل بأرملة. مثلك ..لا أحد فقط عجوز يمشي بعكاز حينها لن تجديني أبدا …رفع اصبعه في وجهها : سأعود ولن أتركك في حالك …
خرج من هناك قبل أن يراه أحد ويقع في المشاكل لحقته بسرعة واقفلت الباب وراءه جلست على الأرض وضمت نفسها تبكي على حظها …
تبكي على الوضع الذي آلت إليه ..هكذا هي الأرملة.
في زمننا هذا في مجتمعنا ..يطمع فيها الجميع …يظنون أنه لا حل لها الآن سوى أن تبيع نفسها في مزاد رخيص … لم يبقى معها الكثير من المال ويجب أن تبحث عن عمل يساعدها …
ارتدت حجابها وخرجت …وقفت أمام عيادة طبية خاصة فرحت وقت قرأت الاعلان ..يحتاجون إلى ممرضة وهذا اختصاصها ..دخلت بسرعة لم تنتظر أكثر عارضتها فتاة في نفس عمرها : ماذا تحتاجين ..
ليلى : جئت من أجل إعلان العمل ..
_ حسنا سأتحدث إلى الطبيب ..أومأت برأسها وجلست تنتظرها …لحظات وعادت الفتاة : ادخلي إنه ينتظرك ..وقفت بسرعة ودخلت مكتب الطبيب ..رمشت بعينيها ووضعت يدها على فمها : وائل لا أصدق عيناي ..هل تعمل هنا ..نهض من مكانه واقترب:
ليلى انت هنا ليلى: نعم جئت من أجل العمل ..
وائل: هذا رائع أنا صاحب العيادة ….
ابتسمت له :حقا ألف مبروك …لقد نجحت …قضم شفته ووقف ينظر إليها لا يصدق أنها تعمل لديه ..
كان يحبها من أيام الثانوية ولم ينساها يوما ..نظرت إليها العجوز المريض وابتسمت : ابنتي كم في عمرك .. ليلى : 25 سنة ياخالتي .. العجوز: لا زلتي صغيرة وشابة …لدي ابن ايضا أريد تزويجه وقد اعجبتني كثيرا …اتمنى أن لايكون لديك شخص في حياتك ..أنزلت عينيها : لدي لكنه ليس هنا لقد غادر ..أشبكت العجوز حاجبيها : ماذا تقصدين ..
 
ليلى : أنا أرملة وزوجي توفي …سحبت يدها بسرعة وابتسمت بغباء : آسفة لم أكن أعلم ..لكن أنا أبحث عن فتاة عزباء لم تتزوج من قبل …ابتسمت ليلى بقهر : لا عليك خالتي ستجدينها ان شاءالله .. خرجت بسرعة من هناك تحاول اخفاء دموعها …
كم رفضت من مرة لأنّ الجميع يظنها صاحبة حظ سيء وجالبة شؤم…إذا المراة توفي زوجها سيُلقى اللوم عليها فقط …
لحقها وائل بسرعة وجدها جالسة في الحديقة اقترب وجلس بجانبها : لا تهتمي لمَ يقولون …إنها عجوز في الأخير ..
ليلى : لا إنها محقة ..من يقبل بأرملة ..يمكن لولدها ان يتزوج فتاة بعمر 20سنة ..ولم يكن في حياتها رجل قبله …أنا الآن لم يعد يحق لي الزواج من رجل أقل من 45 سنة …
لأني أرملة هل فهمت .. وائل: لم أفهم ..ماهذه الترهات التي يتفوه بها مجتمعنا …لا يهم إن كنت عزباء او أرملة ..مطلقة أو عانس كل امرأة لها الحق في العيش كما تريد وأن تحقق أحلامها …أغمضت عينيها بقوة وفتحتهم بسرعة : صعب أن أجعلك تفهم …
نظرت في عينيه: هل توافق أنت ..أن تأخذ أرملة تُنعت بجالبة شؤم وربما أنا حقا كذلك …ابتسم وامسك يدها؛ أوافق …أشبكت حاجبيها وابتعدت بسرعة عنه : هل جننت ..إذا وافقت انت …أراهنك أنَ والدتك لن توافق …
وائل: لا أهتم …افعل مايمليه قلبي علي …وقف واقترب منها بسرعة : أنت لست جالبة شؤم ..ولا صاحبة حظ سيىء ..أنتٍ فقط ضحية كلام لأناس فقدو عقولهم …ولازال تفكيرهم رجعي ..متخلف جاهلين …
لا يعيرون للمرأة أهمية مهما كانت فقط يعاتبونها ويرمون اللوم عليها …لا ذنب لك في كل ما يقولون …وانا لن أوافق على كلامهم ومازلت اريدك ليلى … كتبت هذه القصة كي اوضح شيئا …
المرأة ليست آلة ..ليست خادمة ..ليست ناقصة عقل وجالبة شؤم ..إنها إنسان ..يشعر ..يبكي يضحك..يحب ان يحلم ان يعيش …المراة ربت أجيالا كثيرة …انجبت علماء وكتاب وشعراء ..حاربت مع الرجال لتحرير اوطان .. لذا احترموها قليلا ..أحبوها ..دللوها …مهما كانت فتبقى أنثى أرق ماخلق الله ….
زر الذهاب إلى الأعلى