أخبار عاجلةأخبار مصرصفحات من تاريخ مصر

الكاتب والناقد الفنى سيد جمعه ,, يكتب عن النوبه

دون الحاجة إلي إبحارٍفي كم التعريفت التي تتعاق بمدلول كامة ” ثقاف ” نوجز المعني في هذه الكلمات البسيطة والدالة عليها

” هي ذلك العامل المشترك الذي تختزنه بيئة ما ( بشرا ، وارضاً ) لِيُدلل عليها ويُميزها عن غيرها وما يجاورها . “

نتناول هنا الثقافة النوبية و دلالاتها ، وما يُميزها عن باقي ثقافات محافظات مصر الأخري ، البيئة النوبية وثقافتها  – ارضا وبشراً – قبل وبهد التهجير الذي تم بسبب تعلية خزان اسوان ثم  بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي ، اقول تتشارك  لأكنها لا تتشابه مع البيئات الأخري ، فهي تتشارك مع البيئة الصحراوية بطول شرقي نهر النيل حيث المناخ الحر والجاف علي مدار العام ، وغربي النيل حيث الحيز الجبلي الضيق ما بين النيل ، والبحر الأحمر تتشارك معهما في المناخ الحار ، والتربة الجبلية ، وتتشارك في وجود مساحة  محدودةٍ و ضيقةٍ صالحةٍ للزراعة الموسمية التي كانت سائدة قبل بناء السد العالي ، التي اضطرت اهلها إلي إعتلاء سفوح الجبال ومنحدراتها لبناءش مساكنهم قرباً من مياه الزراعة  و منسوب النهر ، فكانت زراعات بسيطة وانتج زراعي كافٍ لتغطية الأحتياجات المعيشية .

إذن  بيئة مناخه حار ، وبالتالي إنتاج زراعي محدود لندرة ماء الري ، والارض المحدودة  الضيقةِ  المساحة .

بهذه العوامل المناخية والتضاريسية وتأثِيرتها المعروفة ، نجد النوبي  القديم والحديث ، تعامل مع بِيئتِه هذه بوعي ” ثقافي ” تلقائي متخذاً من هذه العوامل المُؤثرة ، قوي مُحركةٍ ومؤكدةٌ لوجودهِ ، وقدراتِهِ ، وساهمت هذه العوامل مفُردةٌ أومجتمعةٌ في إنتاج مُنجزٍ حضاري عتيق وباق أثرهِ ليومِنا هذا من خلال موروث ثقافي مُتميز يحملهُ النوبي بفخرٍ وإعتزازٍ حتي الأن .

ولا تغيب عنا حقيقةٍ مؤكدةٍ أن التاريخ يرصدُ لنا حضاراتٍ ” سادت وبادت  ” ارضا وبشرا ” فيما عدا قليلُ من الحضارات اهمها الحضارة النوبية ، وهي ممتدةٌ من قبلِ الميلادِ وحتي اليوم ، وباقيةٍ أرضاً وبشراً ، وبالتالي ثقافةٍ.

ولعل هذا التميز بلإرث المعرفيّ والثقافي يعود إالي ” اللغة النوبية ” بغض النظر انها لغةٍ لم تكتب أو بمعني ادق ليس لها ابجدية معروفةٌ ، اللغة النوبية ، يتوارثها جيلاً بعد جيل ” ملفوظةٍ ”  لهذا قاومت دون غيرها من الحضارات علي عوامل الإندثار والفناء .

لقد حفظت ” اللغة لنوبية ” للنوبة وللنوبيين إرثا حضارياً في بيئةٍ محددةٍ ، هي الارض والبيئة النوبية  جنوب مصر وشكال السودن وعلي ضفاف النيل الخالد .

بعضٌ من العلامات والدلالات الثقافية النوبية

تشارك مصر ، دولاً عديدة من خلال الدراسات ، والتنقيبات ، وإنشاء المتاحف المتخصصة  في الحضارة النوبية القديمة شأن كل الحضارات التي ظهرت علي ضفاف النيل من منبهه وحتي مصبه ، بل ويتم نشر العادات والتقاليد النوبية في كل المجالات الحياتية اليومية من خلال الممارسات التلقائية في الأوساط النوبية بل في كثير مت الحيان ما يتم محاكاة بعضها في البيئات الأخري . وسنتسعرض بعضاً منها تحت عناوين محددة :

1 – البيت النوبي :

إن البيت النوبي فر طرزه البسيط ، صار يُحاكي في التجمعات السكنية الجديدة ، بل اخذت بت به كثيرٌ من شركات المقاولات ، وكثير من الأفراد الراغبي في المسكن الذي يتمتع بالبساطة  والجمال والمغاير للمألوف المعتاد ، فظهرت قري سساحية ، و كومباوندات كثيرة آخذة من التراث المعماري النوبي للسكن النوبي ،

فالبيت النوبي مهما كانت مساحته كبيرة أو صغيرة ، يغلبُ عليه مع إسلوب القباب وفتحات التهوية العليا وعلو السقف الخ ، ينفرد  بالتخصيص  ، فَغرفهِ متعددة و واسعةٍ ، مِنها غرف إستقبال الزوار والضيوف التي تصنف كالأتي ( الزائر او الضيف العابر ، يليه الزائر او الضيف الذي له إقامة مؤقتة اياماً معدودةً ، والزائر او الضيف المغترب  من  الأقارب أو العائلة الكبيرة ) ، جميع هؤلاء لهم غرف مُخصصة  و منعزلة عن اهل البيت  و وفق التصنيف المشار إليه ، هذه الغرف تتوافر فيها وسائل الراحة التي يحتاجها الضيفُ خلال إقامته ، فهي نظيفة ، ومرتبة ، و مريحة تهوية ٍ و إضاءةٍ ، ، ناهيك عن الزخرفة الجمالية البسيطة ، والدهانات الفتحة اللونِ لإضفاء اجواء المرح والإبتهاج ، مع الإهتمام بعدم إزعاج الضيف مع حسن إستقباله ومجالسته ، الخ

ايضا بخلاف غرف النوم هذه توجد غرف لتخزين مواد الإعاشة ، ومكانا لخبز واعداد الخبز في الأفران القديمة ، أما المطبخ وما يلزمها  فهناك  ” غرفة ” الطبيخ ” مجهزةٌ بالمواقدِ الحديثة ، والثلاجات ، و وسائل حفظ الأطعمة الخ ، يتوسط هذه الغرف ” الحوش ” الذي تفتح ابوابها عليهِ ، و الحوش  هو مكان السامر الليلي لأفراد الأسرة والعائلة والأقارب ، والجيران في فصل الصيف ويبدأ بعد غروب اشمس ،  وهذا الحوش في الغالب تتوسطه نخلةٍ ، وهي  رمزا من رموز البيت النوبي القديم بما تمثله النخلة من علو ، وسمو وطول عمرٍ ، فضلا عن ثمار البلح وهو منتج إقتصادي وموسمي في النوبة القديمة والحديثة .

2 – الملابس والإكسسوارات النوبية :

الملبوسات النوبية من خلال طَرزها البسيط ، والملون والحافل بالزركشاتِ الخاصة المستوحاة والمناسبة للبيئة الحارة في الوانها ـن وتفصيلاتها الفضفاضة التي تحترم جسد المرأة ، فضلا عن الإكسسوارات المصاحبة وهي مشهورة ومتميزة عن قريناتها ، بل  تقليدها و إنتشارها في الأسواق الأمر الذي جعل بيوت الموضة ، و واضعي تصاميم الملابس النسائية والأكسسوارات يهتمون بهذا الزي النوبي لبساطته ، وجماله في الوانه ، وإحترامه للجسد المرأة ، ما يدلل عن قوة تأثير الموروث الحضاري النوبي في المجتمعات والبيئات الغير نوبية .

3 – العادات والتقاليد النوبية :

إن الأفراح النوبية المعتادة، وما تحفلُ به من رقصات ” الأرجيدا وهي رقصة نوبية شهيرة ” يرقُصها الرجال ، والنساء كلٌ علي حدة ، مع الموسيقي والأهازيج الصوتية وضربات الكفوف مع الطبول والأغاني  الرجالية هي من التراث النوبي القديم المتوارث يسبقها طقوس الخِطبة ، والحنة الرجالية والنسائية ثم ليلة الزفافِ ولها طقوسٌ خاصةً ايضاً  مع الذبائح والأطعمة المخصصة لهذه الليلة والتي يتشارك فيها اهل القرية  رجلاً ونساءً في شكل تكافل إجتماعي بهيج ، حتي لكأئن الفرحَ فرحُ كل القريةِ ، وغالبا ما يكون ذلك مُتزامناً مع عيد الأضحي المبارك خيُ الإجازات ، وعودةِ المغتربين عن القريةِ في إجازة ٍ سنوية  طويلة يُعدُ لها بشهور ٍ .

4 – الموسيقي والغناء النوبي :

ان تراث الغناء ِ النوبي وجد فيه مطربين كثر – ومنهم المطرب المشهور حاليا / محمد منير ، وقد سبقه مطربون لهم مكانتهم وإنتاجهم الذي يتعلمُ منه الشباب الصاعد – اقول وجدوا في الكلمات النوبية وتعبيراتها وخصوصية التعبير عن المشاعر بصور مختلفة عن غيرهم فضلاً عن الإيقاعات الموسيقية اوالحركية ، ما ميز هؤلاء عن مطربين معاصرين لهم علي الساحة ، بل صار ايضا العِرسِ النوبي بطقوسه من الأشياء المحببة لدي غير النوبيين ويحرصون علي حضوره والإستمتاع به ن ايضا صارت الحفلات والتجمعات الثقافية تضم في فقراتها الغناء والرقص النوبي ، بل تعتبر الفقرة الرئيسية لهذا التجمع  .

5 – الفنون البصرية التشكيلية  النوبية :

إنفردت النوبة ، بل اقول سبق الفن  التشكيلي ، المُعبرعن  ” النوبة ”  كل البيئات والكيانات المصرية الأخري ، فنجد  وعلي فتراتٍ متقاربة وعلي مدار العام ، تُقام المعارض التي تهتم بلإبداع التشكيلي عن التراث والحضارة النوبية ” يتباري فيها الفنانون  النوبيون وغير النوبيين ، وهذا يؤكد ويدعم أن النوبة تبقي دوماً  ” تراثاً وحضارةً ” .

6– المأكولات والمشروبات النوبية :

تُعدُ المائدة النوبية ، علي بساطتها ، مائدة  صحية بالدرجة الإولي ، ذلك ان مكوناتها هي من المنتجات الزراعية أو الحيوانات والطيور التي تتغذي مباشرةِ علي هذه المزروعات ، وايضاً إعداد هذه المأكولات والمشروبات تخلو من أي إضافات غير طبيعية ، و وجدت حاليا مطاعم متخصصة  لهذه المأكولات والمشروبات  علي غرار المطاعم السورية  واللبنانية والغربية ، وهي تلقي إقبالاً من النبويين و غير النوبيين والسائحين العرب وغير العرب . تأكيدا ايضا لتفرد النوبة والنوبيين بخصوصية غير عادية .

….

 

اخيراً اتحدث عن خِصال الإنسان النوبي والذي يتسم بها وتكادُ هذه الصفات تلتصق بالشخص  والإنسان النوبي ، علي وجه الخصوص فرغم أن الفضائل الأخلاقية ، والسلوكية عامة بين الناس  ، فإن هذه الصفات المحددة عندما يُذكر النوبي لا تعنيّ إلا إياهُ ،  من هذه الصفاتِ  ” الطيبة ، الأمانة ، السلام ” ، ولدقة ما ما وصلنا إليه ، نجد ان النوبي ، حين اُضطر إلي الهجرة ، وما كان يَملكُ حرفةٍ أو صنعةٍ تعينهُ علي مواجهة الغربة والمعيشة أ فقد كانت صفاته ، وخلقهِ مؤهلاتهُ التي فتحت لهث ابواب الرزق والمعيشة عند كبراء البلد في ذلك الوقت في مهن كالحراسة ، والأعمال المنزلية البسيطة في القصور والفيلات ” سفرجي ، وطباخٍ ” ، ايضا من السلوكيات النوبية المعروفة النظافة ، فأنت لا تجد في اي قريةٍ نويبة، عمالاً لنظافة الشوارع ِ والطرقات ، حتي قشرة الموز لا تجدها في طريق أو أي مغلفات لسلعةِ كبيرةِ او صغيرةٍ ، ومع النظافةٍ تجد النظام سلوكاً مُميزا للنوبي ، واخيراً يتجنب النوبي فاحش القول في الهزلِ والجد ، فلا سبٍ ولا طعنٍ ، أما عن إحترام الآخر كبيراً او صغيراً ، رجلاً أو إمراةِ او طفلاً فهذ سلوكاً ينشأُ ويتربي عليه الأطفالُ من الصغر ،  فالإحترام والتوقير للجميع  ، ولكل الأعمار .

هذا هو الموروث النوبي يدعمُ ان النوبة ليس مجرد كيان وبيئة ، فالكيانات والبيئات قد تتشابه في بعض مما ذكرنا ، لكن الخصوصية للنوبة تأتي من كونها تراث حضاري لا زال تحمله الأرض النوبية ، والإنسان النوبي ، واللغة النوبية أهم أعمدتهُ ، لذا تجري في الوقت الحالي دراسات عن الحرف النوبي والمدونات النوبية ، مع نقل اللغة النوبية ”  الملفوظة ” للشباب النوبي  وتعليمهم إياها  كتابةً وقراءةً ، فلا تكون  الحضارة النوبية كغيرها من الحضارتِ التي سادت وبادت .

 

سـيـد  جـمـعـه  سـيـد

ناقد تشكيلي واديب

1 / 2 / 2018 م

EM : SAYEDJOMHA@ GMAIL.COM

F: CEALSAYEDJOMHA .

 

 

 

    

 

 

 

 

احمد فتحي رزق

المشرف العام
زر الذهاب إلى الأعلى