أخبار عاجلةالأدب و الأدباء

الناقد والأديب سيد جمعه يكتب عن هدي الشريف في ..” حدائق النيران ” مجموعه قصصيه جديده


ان تكون نوبيا فهذا فخرُ لكَ ، وانت تكون مبدعاً نوبياً فهذا فخرُ للنوبةِ ، ومِصر كُلها ” .
ســ جــ
هدي الشريف ، من قرية ” ابو هور ” إحدي قري النوبة الـ ( 44 ) ، تجربتها الإبداعية لن اقول نسائية ، ذلك انها تخطت هذا الفاصل الذي لا مكان له في التصنيف الأدبي ، فالأدب ، هو أدب إنساني عام ، وهذا بُعدٌ فكّريٌ ادركته فكان بعداً مُميزاً في إبداعاتِها الشعرية والقصصية .
من حدائق النيران…
” يقبض بقدميه علي قدميها بقوةٍ، تمنت أن يحضنها خلرج هذه القاعة التي تفوح منها رائحةِ العطورِ إلي حديقتهم ، التي شهدت تلاقي الشفاه البكر وإحتضان الأنفس حين قَبل روحها ، وذابت وانصرت فيه ، بكل ما تحمله من براءة . ”

إذن ، فالقاصة تملكُ عبر مراحل عديدة من القراءات في الأدب السردي ، و قصائد الشعرِ ، مفاتيح اللغة العربية السليمة كأداة رئيسة كونها قاصة ، وشاعرة ، ومن خلال قراءاتها التي صارت هي مستودعاً لتقنياتها السردية ، فأجادت الّقطع والوصلِ ، والقدرة علي إختزال مشهد ” الحدث ” في سطور وفقرة ليست طويلةٍ بل موجزةٍ ، وايضا تُضمنها ، عمقاً تؤهل المتلقي لِيكملَ المشهدَ معها من خلال تجاربه الشخصية أ ومخزونه الفكري والوجداني والبصري ، فلا يَنتقصُ المشهد عبارةٍ او حركةٍ أوإيحاءاً ذا دلالة في السياق السردي .

في الثلاث عشر قصةٍ التي حوتها هذه المجموعة القصصية نتبين بوضوح هذا الخط العام الذي تنتهجهُ القاصة في إبداعهاالسردي ، ويحتسب هذا تميزا خاصاً كمبدعة نوبية، تحمل مع تجربتها قوةً ذات خصوصية في الأدب النوبي الذي نتطلع إلي إثراءه بعناصر شابة لمبدعين نوبيين تُكمل مسيرة الرواد النوبيين الذين مهدوا وشقوا طريقا كان مفقودا في التراث النوبي القديم والقريب إلي سنوات أو لنقل عقوداً قليلة ربما كانت ” الشمندورة ” ابرز واشهر هذه المنارات الإبداعية النوبية .
ايضا في الثلاث عشر قصةٍ ، نلحظ مع الفكر الإبداعي للكاتبة ، عمقاُ متميزاً اخر ، آ لا وهو الإدراك الكامل لِما وراء الحدث ، والعمل علي نثره بذكاء دون تَعّنتٍ ، ودون ادني جنوحٍ أو شططٍ في السرد فيتحقق – لها ولنا – رؤية ما وراء الحدثِ والمشهدِ كصورة ناعمةِ رقيقةِ وراقية ، وايضا مُحفزة ُ للتساؤل الطبيعي ، ومن ثم تحريك الساكن داخلنا في صورة فقاعات تُمثل إجابات عن عبثية دراما الحدثِ ، وفهمُ لجذوره وبداياتهِ .
وفي ” إغتيال نقرأ ….
…. ” ذلك الزوج السادي الذي امتلكها بدراهمه الذهبية حين أجبر الفقر والقهر أبويها للمتاجرة بها لقبول عرض نخاس القرية ، تتذكر يوم أن قام والدها ببيعها لذلك الثري من اجل إنقاذ باقي إخوتها من جوعٍ متوحش فاغر فاه لا يرحم ” … مُنهية القصة بــ …..
” جرس الباب ، يجبرها علي القيام مُرغمةُ لتفتح ، دخل وخلفه العروس ، إجتاحها الغثيان حين إقتربت العروس اكثر ، كانت صديقة طفولتها في القرية ! ” …
تؤكد لنا الثلاث عشر قصةٍ ، التفاعل البيئي للكاتبة ، فهي لا تغفل تضمين المشهد بدلالات واقعية تقوي المشهد وتجسدهُ امام المُتلقي ، فلا يكون المُتلقي فقط قارئا ًبل معايشاً للحدثِ في عمقهِ وابعادهِ ، مَكنها من ذلك ” الإحساس ” التام بحجم” معاناة ” السابح او السابحة في حدائق النيران .
وفي ” فتاة الورد ” لونا ونموذجا من الإحساس والمعايشة للبيئات المطحونة علي ارصفة الطريق ونهره فنقرأ …
” في غرفتها التي لم تعدُ تَسعها من كثرة زوارها ساعة النوم ، حيث الأجساد التي تكادث تكونُ فوقَ بعضها من شدة الأزدحام ، إخواتها من الأم ، إخوتها من زوج الأم ، تنزوي في ركن بعيد قرب شباك مهشم الزجاج يكاد يئن من أقدام المارة في الحارة التي تسكن بها ، كثيرأ ما تتضرع بالدعاء بعينيها إلي السماءِ أن يكون لها نصيب في حياة أخري وأن تغادر هذا الحيّ ، تهمس بعينيها لأختها الصغيرة أن تساعدها … تجيب أختها بحنو ..
– عاوزة تنامي دلوقتي .. أرفعك من علي الكرسي ..
تومئ برأسها مبتسمة ، تتعلق برقبة إختها حتي تخفف عنها حمل جسدها الثقيل … ”

*****
واخيراً مُبدعتنا النوبية / هدي الشريف ، يتيقن لنا من خلال هذه المجموعة القصصية التي بين ايدينا ” حدائق النيران ” بخلافِ قصائدِ اشعارها ، انها إجتازت بنجاح عتبات منصة ” مبدعون نوبيون ” ، وقريباً تلوحُ لنا من فوقها وبيدها بيارق النجاح والتفوق الذي هي جديرةُ بهِ .

ســ جــ
16 / 1 / 2018 م

احمد فتحي رزق

المشرف العام
زر الذهاب إلى الأعلى