الاسلامياتفتاوى وأحكام مع الشيخ محمد غنيم

أضواء قرانية (سورة الفاتحة )

الشيخ /محمد محمد غنيم
///////////////////////////////////////
يوجه القرآن خطابه للإنس وللجن أجمعين. يأمرهم وينهاهم ويضع بعض المحرمات أمامهم، وينقل كلامهم وكلام الشياطين. وهو في كل هذا معجز على الدوام. ولا يكمن إعجاز القرآن هنا في مجرد النقل، بل في كيفية هذا النقل، والعناصر والصور والنقوش التي يستعملها ويختارها. والناحية الإعجازية الأخرى فيه هي أن هذه الأخبار التي ينقلها غيبية.
أجل! فقبل كل شيء فإن اختيار القرآن للعناصر والأدوات اختيار رائع وخارق للعادة. ثم إن القرآن يستعمل هذه العناصر والأدوات في اسلوب مختلف معجز لا يمكن الوصول إليه ولا حتى مقاربته. اُسلوب يخرج عن طاقة الإنس والجن. ولكن لكي ندرك هذه الناحية علينا النظر إلى آيات القرآن نظرة واسعة وشاملة، ولكي نوضح هذا الإعجاز علينا إعطاء بعض الأمثلة وبعض التفاصيل:
كثيراً ما نحس بأحاسيس ومشاعر في أعماق أرواحنا، ولكننا نعجز عن التعبير عنها، عند ذلك نئن تحت ألم العجز ونقول كما قال الشاعر “محمد عاكف”:
أبكي وأنوح… ولكن لا أستطيع إثارة البكاء!
أحس بالألم… ولكن لا أستطيع بث لواعجي
آه من قلبي الأخرس!… كم أشكو منه!
////////////////////////////////////////////////////
سورة الفاتحة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
///////////////////////
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾(الفَاتِحَة:5)
////////////////////////////////////
كما نعلم جميعاً وكما ورد في جميع التفاسير فإن مضمون النكتة هنا من تقديم المفعول به هو باختصار: اللهم إننا لا نقر ولا نعترف إلاّ بألوهيتك ولا نذعن لأحد سواك. ولا نجد الاطمئنان والسكينة والسلوى إلاّ عندك.
والنكتة الأخرى التي تستحق التسجيل هنا هي أنه عوضاً عن استعمال صيغة الماضي “عبد” وردت صيغة المضارع للفعل نفسه “نعبد”. لأن صيغة الماضي تتضمن معاني أمثال: عبدنا… صلينا… فعلنا كذا وكذا… أي هناك بعض معاني الغرور التي لا تتناسب مع روح العبادة والعبودية.
أما في صيغة “نعبد” فلا توجد أي إيماءة لمثل سوء الفهم هذا، لأن فعل “نعبد” يشير إلى عجز الإنسان وفقره أمام الحضرة الإلهية العظمى ودوام معرفة هذا العجز وهذا الفقر، ونستطيع تلخيص ما يريد أن يقوله الإنسان هنا هكذا:
“يارب!… لقد عقدت العزم على ألا أضحي بحريتي ولا أذل نفسي لأي أحد سواك. لذا فأنا أتوجه اليك وإلى بابك بملء نفسي بنية العبودية والذل، وأقبل على عبادتك وإطاعتك بنفس ملؤها الشوق والوجد، عاقداً العزم على تجنب معصيتك وكل ما لا تحبه وما لا ترضاه… نيتي هي أكبر وأفضل من عملي، وأنا أتضرع اليك أن تقبل نيتي عملاً عندك! عملاً بمقياس ما أنوي عمله وليس بمقياس ما عملته يارب!…”
ثم إنه يؤكد بأنه ليس وحده في معرض هذا الرجاء والتضرع، بل يقول إن إخوانه يشتركون معه في هذا الرجاء والتضرع، أي يعرض هنا حسن ظن واسع وشامل. وفي الوقت نفسه يضم تأييدهم واشتراكهم إلى جانبه فيضمن اتفاقاً وإجماعاً لا يمكن جرحه وهو يتوجه إلى باب قاضي الحاجات، فيتخلص من وساوس الشيطان ويعطي صورة كاملة للعبودية الكاملة تجاه الألوهية الكاملة والمطلقة.

Screenshot_38

زر الذهاب إلى الأعلى