اسليدرالأدب و الأدباء

” سوق الشيوخ في أرجوزة ” 

صور من سوق الشيوخ بالعراق
صور من سوق الشيوخ بالعراق

Amara1914 view_1415083525
كتب / الشيخ لفته عبد النبي الخزرجي / بابل / العراق 
أهداني الشاعر محمد علي كاظم حيدر ، ديوانه الجديد الموسوم “سوق الشيوخ في أرجوزة ” وهو وثيقة تاريخية كما وصفها الأستاذ عباس البغدادي في التقديم الذي كتبه لهذا الديوان الوثيقة وهو سفر من إسفار هذا المبدع السومري المتألق ، انه خلجات نفس ما زالت معلقة في روا زين سوق الشيوخ “وزفرات مغترب عن فضاء غادره “1
إن الشاعر يضعنا في أيقونات الحياة الاعتيادية للناس البسطاء ، وهو يتجول في أزقة المدينة التي شهدت ولادته ، ولذلك فأنه يسمعنا ” إلى البقعة التي ولدت فيها وترعرعت على ثراها وتفتحت عيناي على نورها ودرجت العب في أزقتها وشوارعها مع أترابي من الأطفال ، حتى كبرت فكان لي أصدقاء وأحباء علقت بهم وعلقوا بي وهي سوق الشيوخ “2
سوق الشيوخ ، هذه المدينة التي تطفو على ضفاف الفرات وتعانق الدواوين وتفوح في مقاهيها رائحة الشعر، وتتعطر بساتينها بأنغام الابوذية ، وتسرح في أزقتها جناسات ألعبادي وأبو معيشي ، وتتردد في منتدياتها ومقاهيها أغاني داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ، عمالقة الفن الغنائي العراقي الأصيل ،هذه المدينة التي كانت وما زالت موشومة بالشعر والأدب والثقافة وحب المعرفة والفن ومعروفة بقوافل الشعراء الذين درجوا في مرابعها واغترفوا من معين شعرها الخصب وواكبوا مسيرة أهلها في تاريخ من المتعة والجمال والفن الراقي.
جهد كبير وتألق واضح وتاريخ متوج بالأدب والمعرفة والشعر والفن والأصالة .

 ان الشاعر محمد علي كاظم حيدر ، هذا الشاعر المولع بتاريخ مدينته وتراثها وإيقوناتها ومثاباتها، قد وثق كل ذلك في هذه الأرجوزة الأدبية والقطعة الفنية الرائعة والتي اشتملت على أكثر من (1500) بيت من الشعر ، حيث تناول فيها ، الدواوين والمنتديات أيام زمان ، والشعراء والأدباء والمطربين وذوي الأعمال الحرة والشغيلة وأصحاب المعرفة والفن والأعمال التي يعرفها الناس آنذاك ، الخياطة والحياكة والزراعة والحلاقة والطرب وأصحاب الورش الحرة وغيرها من المهن الشعبية التي تواجدت في تلك الفترة من عمر الشاعر عندما كان يدرج في مرابع صباه ومثاباته مع أترابه ومحبيه وابناء جيله ومدينته ، انه يرسم خريطة واضحة المعالم لسوق الشيوخ .
سوق الشيوخ هواك في أعماقي
يجـــــــري كماء فراتك الرقراق
أهلوك أهلي حبــــــهم بنواظري
متألقا كالشــــمس في الإشراق
مهما نأيت إليك اقفل راجعا
إذ فيك كل أحبتي ورفــــــاقي
في مقدمة الأرجوزة ، يذكرنا الشاعر بحبه وشوقه لبلدته وزهوه وسر خواطره وخيال مشاعره وبيان سروره ، كما يأخذنا في سياحة مع خياله الخصب وهو يسرد لنا تاريخ مدينته وذاكرته الحية على ضفاف أنهارها وخضرة نخيلها وجمال شواطئها وعادات أهلها وتواضع رجالها وطيبة أبنائها :
سوق الشيوخ كم أحب أهلها
أحبتي وإخوتي فيا لـــــــها
من بلدة قــــامت على الإباء
والجــــــود والحنان والإخاء
انه لا يترك صغيرة ولا كبيرة في سوق الشيوخ إلا واستذكرها بمليء الفم والإحساس وقوة الذاكرة :
على الضفاف الخضر تزهو النخل
والعيــــــــش كم يحلو بها ويحلو
انه يتجول في مدينته ويترك بصمة في فظاءاتها المترامية الأطراف ، لا يألوا جهدا في استذكار شغيلتها ومفكريها وتجارها وأعيانها وشيوخ القبائل فيها ..يذكر بيوتاتها وخاناتها ومقاهيها وبساتينها ومزارعيها والفلاحين وغيرهم .
انه ينظم مسحا ميدانيا لجوانب سوق الشيوخ المختلفة ، تبدأ بمجالس المدينة ودواوينها وتنتهي بمحبي حفلات الطرب والأعراس أيام زمان .
كم أينعت في روضها العقول
وطابت الفروع والأصـــــول
والعلم في أرجائها يطوف
وقد دنت منه لنا قطوف
أما عن مجالسها ومنتدياتها ، فيقول الشاعر :
مجالس السوق هي المنابر
في كل عصر فكرها مثابر
أما عن دواوينها في تلك الحقبة التي يؤرشفها الشاعر :
من بعضها ديوان آل حيدر
بأهلها والوافدين يزخـــــر
ولا ينسى أحبته وأقران الصبا .
الحب دستور به آمنت
وكل فرد منكم أحببت
وبعد ان يستعيد بذاكرته المتوقدة كل أصحابه ، يستوقفنا قليلا :
لم انـــــس أياما بها سعدنا
وفي رياض السوق كم لهونا
ما نفحة هبت بروض السوق
إلا ارتوت من طينها عروقي
انه متجذر في طينة الأرض التي شهدت مولده ومرابع صباه ، ويئن من طول الغربة ويأخذه الاشتياق وتلم به الذكرى لأول منزل :
ذكركم على فمي نشيد
وحبكم في خافقي وطيد
ما أبعدتني عنكم الليالي
يا من تعيشون رؤى ببالي
مهما نأيت فأليكم عودتي
فقد مللت يارفاقي غربتي
ويطوف بنا في جولة حزينة ، تؤرقه سنون الغربة ، وتحزنه ليالي الابتعاد عن الأهل والأحبة وموطن الطفولة ومهاد الصبا.
ويعود بنا ليذكرنا برجال مدينته وأفرادها ، يذكرهم ويعدد مناقبهم ويمطرهم بتحنانه وشوقه ، وينزف شعره فوق أروقة سوقه ، انه متيم بحبه لمدينته :
مدينتي اخص بالخطاب
فأهلها من خيرة الأرباب
مدرســــــة للعلم والآداب
من سالف الأزمان والأحقاب
وعندما يعود بذاكرته إلى شعراء وأدباء أيام زمان ، يورد أسماء ويثبت عناوين معروفة كان قد عايشها بدمه ولحمه 
أما ذوو الفـــــنون والآداب
من صفوة الشعراء والكتاب
أولائي يا أحباب أهل القريض
ذراعهم فيه طويل عريض
ولكي لا يضيع أحدا من الأسر والبيوت التي يشار لها بالبنان في الجود ومكارم الأخلاق والطيبة والمحبة والصدق وحسن المسيرة وعزة النفس والإباء والشمم 0 فهو يحتفظ بذكريات جميلة ولقاءات موشومة بعطر الثقافة والفن والإبداع والشعر:
لي ذكـــريات معهم عــــذاب
لم تطوها عن فكري الأحقاب
ويتواصل الشاعر ليفتح لنا صفحة السوق وما تضمه من مهن ومحال وحرف ورجال عرفوا بمواقف مشهودة ، فنقرأ أسماء أعيان المدينة العريقة ، آل الهداوي وآل الدلي ، وغيرهم من البيوتات المعروفة في هذه المدينة التي تتراقص الجناسات في دواوينها ومنتدياتها ، وتكثر السجالات الشعرية في فظاءاتها وتنطق القوافي موزونة في أسواقها حيث يورد الشاعر شطرا من أرجوزته عن الشعراء الشعبيين الذين ما زالت الأجيال تترنم بمفرداتهم الشعرية باذخة الجمال :
لبلدتي ذي شعراء شعبيون
بشعرهم راح الورى ينشدون
فالشاعر الشعبي ( ابو معيشي )
يلقي القصيد الحلو وهو يمشي
وحتى لا ينسى حرفة أو مهنة أو موقعا ، نراه يذكرنا بالحمامات :
لبلدتي كان حمام واحد
لأهلها في ساحه تواجد
يوم به خصص للرجال
وللنساء كان اليوم التالي
إن هذا المبدع الجنوبي ، يتخطى حاجز النسيان ، فيرسم العناوين بذاكرة لا يشوبها الفشل في الاستذكار والإحاطة بتفاصيل الحياة في مدينته العامرة بتاريخها المتألقة بتراثها العبق بأريج الفن والشعر والإبداع 
في تقديمه لهذه الأرجوزة ، يقول الأستاذ عباس البغدادي :
إنها حياة محمد علي .

 إنها أنفاس استنشقها محمد علي ، إنها زفرات مغترب عن فضاء غادره ، انه معجون بحبها والشوق إليها ، إنها الشرف بعينه ، هذه هي معادن رجال الجنوب ، معادن لا تنسى المنجم ألذي خرجت منه انه المنزل الأول . 
ويضيف ( عندما قرأت الأرجوزة ، كأني أرى أمامي بائع الجرائد ، والحلاق ، وعزيز كمونه ، ومدرس الانكليزي جميل ، وماجد الراقص  إنهم بشر صنعوا تاريخ المدينة وذاكرتها ) .

 ويختم عباس البغدادي تقديمه بالقول ( الأرجوزة كرنفال ومهرجان المدينة ، وردت عن طريق الاستذكار ) 03
المراجع :
1،2،3،ديوان الشاعر (سوق الشيوخ في ارجوزة ) المقدمة بقلم الشاعر والكاتب والاديب عباس البغدادي. 
سوق الشيوخ : مدينة من محافظة ذي قار “الناصرية ” ، مدينة سومرية قديمة فيها قلعة اور الاثرية التي ولد في احضانها نبي الله ابراهيم عليه السلام . 
محمد علي كاظم حيدر : شاعر من محافظة بابل له خمسة دواوين شعر ، مازال متمسكا بالعمود في كتابة الشعر ، شاعر مجيد ومتمكن من صنعته تماما من مواليد سوق الشيوخ ، المدينة السومرية المعروفة

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى