الاسلاميات

السيرة النبوية فى ضوء القران والسنة ج4 بقلم الشيخ موسى الهلالى

نواصل حديثنا حول السيرة النبوية وقد توقفنا عند اقسام شبه جزيرة العرب
قسّم جغرافيو العرب شبه الجزيرة إلى خمسة أقسام:
(1) الحجاز، (2) وتهامة، (3) ونجد، (4) والعروض، (5) واليمن.
وزاد الأصطخري وابن حوقل ثلاثة أصقاع وهي:
(1) بادية العراق، (2) وبادية الجزيرة، (3) وبادية الشام «1» .
فالحجاز هي الجبال الممتدة من الجنوب إلى الشمال، وسميت حجازا، لأنها حجزت بين الغور وتهامة غربا، وبين نجد شرقا، وما بين هذه الجبال إلى سيف البحر على امتداده يسمّى (تهامة) ، وما يوجد شرق الحجاز من الأرض المرتفعة إلى أطراف العراق والسماوة يسمّى (نجدا) ، والجزء الذي يضم بلاد اليمامة والبحرين وما والاها يسمّى (العروض) ، وما يوجد حول صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشّحر وعمان يسمّى: (اليمن) ، والذي يهمنا التعريف به هو الحجاز.
الحجاز
وهو عبارة عن سلسلة الجبال الكثيرة، والممتدة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام، كما قال معظم الجغرافيين، وما حول هذه الجبال، وما يتخللها من وديان يدخل في الحجاز أيضا، وسمي حجازا لأنه حجز بين إقليم نجد شرقا، وبلاد تهامة غربا كما ذكرنا، ولكن اسم الحجاز في العرف يشمل تهامة أيضا بل عدّ بعض العلماء تبوك، وفلسطين من أرض الحجاز «2» .
وطول الحجاز من الجنوب إلى الشمال سبعمائة ميل، وعرضه من الشرق إلى الغرب خمسون وثلاثمائة ميل. وتعتبر جبال السراة هي العمود الفقري لشبه
الجزيرة العربية، وتختلف جبال الحجاز ارتفاعا وانخفاضا، فمنها ما يبلغ بضعة الاف من الأمتار، ومنها لا يزيد عن مائتي متر.

أودية الحجاز
وتتخلل هذه الجبال وديان كثيرة، وعيون وابار، وحول العيون والابار توجد الواحات، ومن أشهر هذه الوديان:

1- وادي إضم:
ويقع جنوب خيبر حتى يقارب المدينة حيث تتصل به أودية فرعية، كوادي العقيق.

2- وادي القرى:
وهو يستمد مياهه من السيول التي تنحدر إليه من العيون التي عند خيبر، ثم يتجه غربا حتى يصب في البحر الأحمر جنوب قرية (الوجه) . ووادي القرى واد مهم، لأنه كان ممر القوافل، التي كانت من أهم وسائل نقل التجارة في العالم القديم.

3- وادي الرمة:
عند حرة (فدك) يتكون من التقاء بضعة أودية ثم يتجه نحو الشرق حتى جبل (القصيم) ويبلغ طوله أكثر من خمسين وتسعمائة كيلومترا.

4- وادي الصفراء:
وهو واد كثير النخل والزروع في طريق الحجاج، سلكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض غزواته، وبينه وبين بدر مرحلة، وسمي باسم قرية (الصفراء) وهي قرية كثيرة النخل والزروع، وماؤها عيون تجري إلى ينبع.
وكان يمر بالحجاز أحد طريقي التجارة البرّيّين بين الشرق والغرب مبتدئا من اليمن، مخترقا تهامة والحجاز، مارا بمكة، ويثرب (المدينة) حتى يصل إلى (أيلة) على خليج العقبة، ثم منها إلى موانىء البحر الأبيض المتوسط.

الحجاز لم تطأه قدم مغير
وقد شاء الله تبارك وتعالى ألاتطأ الحجاز قدم دخيل قط، أو مغير، ولا كان لأحد من الدول المجاورة القوية عليها سلطان، ولعل ذلك لوعورة الأرض وكثرة الجبال، وضيق المسالك، وسعة مغاورها، كما أن حالته الاقتصادية
م تكن لتطمع أحدا فيه، فمن ثمّ بقي أهله على ما فطروا عليه من الحرية، والانطلاق، وما اتصفوا به من الخلال الكريمة، وبقيت أنسابهم سليمة من الهجنة «1» ، ولغتهم سليمة من العجمة، ولا سيما مكة المكرمة، فلم يكن بها إلا العرب الخلّص، ما عدا أناسا لا حول لهم ولا طول، ولا أثر لهم يذكر في حياة العرب في الجاهلية، وإنما كانوا يحترفون بعض الحرف كالحدادة، والصياغة، وخدمة الأشراف، والعمل لهم في تجاراتهم، وبساتينهم، وهم طبقة العبيد والأرقاء من الحبشة، والروم وفارس، ممن لا يتطاولون إلى قريش، أو مصاهرتها، أو التأثير فيها.
وبعضهم كان نصرانيا كجبر الرومي، وعدّاس النّينوي، إلا أنهم لم يكن لهم من علم النصرانية إلا الانتماء إليها، وبعضهم كان على دين قريش، وقد صار معظم هؤلاء من أسعد الناس بالإسلام وأكرمهم عند الله تبارك وتعالى، أمثال بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي- رضي الله عنهم- وأرضاهم.

أشهر مدن الحجاز
يشتمل الحجاز على قرى ومدن كثيرة أهمها: مكة، ويثرب (المدينة) ، والطائف، وجدة.
مكّة
وهي بلد الله الحرام، وفيها الكعبة المشرفة التي يحيط بها المسجد الحرام، وهي تقع في واد سهل منبسط غير ذي زرع، تحيط به الجبال من كل جانب مع تخلل شعاب بين هذه الجبال، وفي شمال مكة يوجد جبل «حراء» الذي به «غار حراء» ، وفي جنوبها يقع جبل ثور الذي يوجد به «غار ثور» .
ومكة مدينة في نشأتها لعين (زمزم) وللكعبة البيت الحرام، وهي وما حولها
حرم معلوم الحدود. وضعت على حدوده نصب، وعلامات يعرف بها، يأمن فيه الإنسان، والحيوان، والطير، فلا يسفك فيه دم، ولا يهاج فيه حيوان، ولا يصاد فيه طير، بل ولا يقطع شجرها، وقد حرمها الله وما حولها من يوم أن خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة كما روي في الصحيحين «1» ، وقد أظهر الله هذا التحريم على لسان الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتسمى (بكّة) ، قال تعالى:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) «2» .
وتسمى: (أم القرى) «3» قال تعالى:
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (7) «4» .
ولمكة مكانة ممتازة في نفوس المسلمين، ففيها الكعبة، والمسجد الحرام، والصفا والمروة، وبجوارها عرفات، والمزدلفة، ومنى، وهي من مشاعر الحج، فلذلك تهفو إليها قلوب الألوف لقضاء الحج والعمرة، من لدن الخليل إبراهيم عليه السلام إلى وقتنا هذا.
ويرجح بعض الباحثين في السيرة نشأتها إلى سنة خمسين وألفين قبل الميلاد «5» ، وقد اختلف في أول من أنشأها، فجمهور المؤرخين على أن أول من بناها وسكنها العماليق «6» ، ثم خلفهم عليها جرهم حتى أسكن الخليل إبراهيم
إسماعيل وأمه هاجر بهذا الوادي، فنشأ إسماعيل به حتى صار رجلا، واختلط بهم وصاهرهم، ثم غلبت خزاعة جرهما عليها، واستمروا حكامها حتى جاء قصي بن كلاب، فجمع قريشا فيها، بعد أن تمكن من إجلاء خزاعة عنها، وبذلك عادت لقريش السيادة على مكة وحماية البيت حتى ظهور الإسلام.
والذي تدل عليه قصة بناء الكعبة في صحيح البخاري، أن الخليل لما أسكن ابنه وأمّه هناك لم يكن بها أحد. وأن الجراهمة أول من أقاموا بجوار إسماعيل، مما يدل على أن مكة لم تنشأ إلا بعد نبع زمزم، وبناء البيت، واتصال إسماعيل بالجراهمة، ومصاهرته فيهم، وستأتي هذه القصة إن شاء الله تعالى.

المدينة
وهي تقع على بعد نحو من ثلاثمائة ميل شمال مكة، وكان اسمها الغالب عليها في الجاهلية يثرب، وقد ورد في القران الكريم، وهي تقع بين حرّتين، وأرضها تشتهر بالخصب من قديم، وبها البساتين، والنخيل، والفواكه، والزروع.
وقيل إن تاريخ نشأتها يرجع إلى نحو سنة ستمائة وألف قبل الميلاد، وكان يسكنها العماليق في بادىء الأمر، ثم ارتحل إليها بعض اليهود لما تعرضوا لموجات من الاضطهاد، والقتل، والأسر على يد «بختنصر» البابلي وغيره فأقاموا بها «1» ، حتى نزل بعد انهيار (سد مأرب) بعض القبائل العربية الجنوبية، وهما قبيلتا الأوس والخزرج، فوجدوا الثروة والمال مع اليهود فاستعانوا بإخوانهم
العرب، فأعانوهم، فقتلوا رؤساءهم وأذلوهم، وأصبح للأوس والخزرج الزعامة بيثرب.
وقد استمرت الحال على هذا حتى مجيء الإسلام، وسارعت إليه القبيلتان، وعرفتا فيما بعد (بالأنصار) .
وكانت المدينة من قديم الزمان تقع على طريق القوافل التجارية بين الجنوب والشمال، وبين مكة والشام، مما جعلها تزدهر، وقد اكتسبت بعد مجيء الإسلام وهجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إليها مكانة ممتازة، فقد أضحت عاصمة الإسلام، وقلبه النابض، وقطبه الذي تدور عليه رحاه، وقد جعل النبي المدينة حرما امنا، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
«إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها، ومدّها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» وفي رواية: «بمثل ما دعا به إبراهيم» «1» . وفي الحديث الصحيح أيضا: «إن إبراهيم حرّم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد بها صيد، ولا يهاج بها طير، ولا يعضد «2» بها شجر» ، وكذلك ورد أنها حرم في صحيح البخاري «3» .
وكانت تسمى (يثرب) فسماها النبي (طيبة) و (طابة) ، ونهى أن يقال (يثرب) ، وفي المدينة المسجد النبوي، ثاني المساجد المشرفة التي تشد إليها الرحال، وإن كان ثالثها في البناء، وفي المسجد النبوي (الروضة) ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» وفي المسجد النبوي أفضل بقعة ضمّت أفضل جسد لبشر.
وفي المدينة وما جاورها اثار وذكريات عزيزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه، ولأيام
الإسلام، وأحداثه وتشريعاته، وفيها (البقيع) مقبرة خيار المسلمين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم، والدين، فلا عجب إذا كانت تهفو إليها قلوب ألوف المسلمين كل عام، وميناء المدينة التي تشرف على البحر الأحمر (ينبع) وتبعد عنها نحوا من مائة وثلاثين ميلا.

الطائف
وهي بلدة تقع على بعد نحو خمسة وسبعين ميلا إلى الجنوب الشرقي من مكة، على ربوة عالية يبلغ ارتفاعها نحو خمسة الاف قدم على ظهر جبل (غزوان) ، فمن ثمّ كان هواؤها باردا في الصيف، وكانت- ولا تزال- مصيف أهل مكة، وغيرهم، قال الشاعر:
تشتو بمكة نعمة … ومصيفها بالطائف
ويحيط بها وديان كثيرة تتجمع بها المياه في موسم الأمطار، وبها عيون وابار كبيرة، وأرضها خصبة تكثر بها الحدائق، التي تثمر الفواكه الجيدة، وبها تجود الزروع والحبوب، ولا تزال إلى وقتنا هذا، يجلب منها لأهل مكة وغيرها الفواكه كالعنب، والمشمش، والرمان، وغيرها.
وكانت تسكن الطائف قديما قبيلة ثقيف، وكانت من أعتى القبائل، وأصعبها مراسا وعنادا، وقد استأنى بهم النبي، ودعا لهم حتى هداهم الله للإسلام.

جدّة
هي ميناء مكة على البحر الأحمر، وهي تبعد عن مكة نحو خمسة وسبعين كيلومترا، وأرضها رمليّة، وليس بها زراعة، وهي أهم موانىء الحجاز كلها، وعن طريقها يدخل المستورد، ويخرج المصدّر، وهي من المراكز التجارية المهمة بالبلاد، وتقع على أحد الطريقين المعبدين بين مكة والمدينة الان، وقد أصبحت الان عروس موانىء البحر الأحمر بعد أن ضربت في الحضارة والعمران بحظ كبير، وقد استبحر فيها العمران من جميع جهاتها ولا سيما من جهة مكة.
الهوامش
(1) مكة والمدينة، عن الأصطخري، ص 20، 21؛ وصبح الأعشى 4/ 245.
(2) المصدر السابق عن معجم البلدان 3/ 218، ط السعادة.
(1) الهجين من الإبل والخيل: من أبوه عربي وأمه غير عربية، الهجنة: اختلاط نسب العرب بنسب العجم.
(1) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب لا يحل القتال بمكة؛ وصحيح مسلم- كتاب الحج- باب تحريم مكة.
(2) الاية 96 من سورة ال عمران.
(3) العرب يطلقون القرية على البيوت المجتمعة صغرت أم كبرت، وفي الحديث الصحيح «أمرت بقرية تأكل القرى» أي المدينة.
(4) الاية 7 من سورة الشورى.
(5) حياة محمد ورسالته، ص 14.
(6) هم من العرب البائدة، وهم من نسل لاوز بن سام بن نوح، والعماليق ملكوا مصر مدة، وكونوا بها أسرة مالكة حوالي القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وملكوا العراق
– وأسسوا بها دولة حمورابي اسم أكبر ملوكها، ومؤسس أقدم شريعة في العالم في القرن السالف الذكر، وقد أغار على الدولة البابلية الأولى، وقد فني المقهورون في القاهرين وصارت الدولة البابلية عربية بحتة (دائرة معارف القرن العشرين مادة عرب) .
(1) من هذا يتبين أن اليهود طارئون ودخلاء على المدينة، ومن كرم العرب أن تركوهم يساكنونهم فيها، حتى جاء الإسلام، فاستعملوا الدس، والغدر، والخيانة مع النبي والمؤمنين، فلم يكن بدّ من إجلائهم عنها كما سيأتي في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.
(1) صحيح مسلم- كتاب الحج- باب فضل المدينة.
(2) يقطع.
(3) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب حرم المدينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى