في ظل الظروف التي تفرضها الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران من أجواء مليئة بالقمع والترهيب بعد قمع الانتفاضات الشعبية، وفي وضعٍ يمكن تشبيهه بـ”ما بعد الحرب” ضد الشعب، يكسر الشباب الشجعان والمناضلون مرة أخرى جدار الصمت المفروض في إطار “وحدات المقاومة”. في مدينة زاهدان البطلة، التي أصبحت رمزًا للصمود والاحتجاج المستمر، نزلت هذه الوحدات إلى الساحة بشجاعة منقطعة النظير، مطلقةً من خلال نصب اللافتات والكتابة على الجدران، صرخة إسقاط النظام وإرادة الشعب الإيراني لنيل الحرية. هذه التحركات هي دليل على أن شعلة المقاومة لا تزال متقدة وأن سياسة القمع باتت عديمة الجدوى. عرضت وحدات المقاومة في أنشطتها الأخيرة في زاهدان الرسائل الرئيسية والاستراتيجية للمقاومة الإيرانية على لافتات، وكل شعار منها يحمل تفسيرًا ثوريًا عميقًا: “لا للشاه ولا للملالي، نعم للحرية والجمهورية الديمقراطية”: هذا الشعار، الذي أصبح أحد المطالب المحورية للشعب الإيراني، يبطل شرعية كلا شكلي الديكتاتورية: الشاه وولاية الفقيه. تفسيره الثوري هو أن الشعب الإيراني لن ينخدع بالثنائيات الزائفة، ويرى أن الحل لا يكمن في العودة إلى ماضٍ استبدادي، بل في بناء مستقبل قائم على سيادة الشعب وجمهورية ديمقراطية. “من زاهدان إلى طهران، الموت للظالم، سواء كان الشاه أو الولي الفقيه”: يرمز هذا الشعار إلى الوحدة والتضامن الوطني في جميع أنحاء إيران. تؤكد هذه الرسالة أن الظلم، بغض النظر عن الاسم أو العنوان الذي يحمله (تاجًا كان أم عمامة)، مصيره الزوال. يُظهر هذا الشعار رابط النضال بين المواطنين البلوش في زاهدان وبقية أنحاء البلاد، ويوضح أن معركة الحرية هي معركة وطنية شاملة. “الشرط المسبق للسلام والأمن في المنطقة هو تغيير النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية”: يسلط هذا الشعار الضوء على الأبعاد الدولية لنضال الشعب الإيراني. تفسيره هو أن نظام الملالي هو المصدر الرئيسي للأزمات والإرهاب وإثارة الحروب في الشرق الأوسط، وطالما بقي هذا النظام في السلطة، سيبقى السلام والاستقرار في المنطقة بعيد المنال. الحل الحقيقي ليس مهادنة هذا النظام أو شن حرب أجنبية أخرى، بل دعم حق الشعب الإيراني في إسقاط هذه الديكتاتورية. “خامنئي، بالقنبلة النووية أو بدونها، سيتم إسقاطه”: يعبر هذا الشعار عن العزيمة الراسخة للشعب والمقاومة الإيرانية على إسقاط النظام. تفسيره الثوري هو أن أدوات مثل البرنامج النووي ليست سوى أوراق لابتزاز المجتمع الدولي وبث الرعب في الداخل، لكن أيًا منها لن يستطيع منع السقوط الحتمي للديكتاتورية. فإرادة الشعب من أجل الحرية أقوى من أي سلاح. الحل الثالث، طريق خلاص إيران إن التحركات الشجاعة لوحدات المقاومة في زاهدان تؤكد مرة أخرى على الاستراتيجية المبدئية للمقاومة الإيرانية. الهدف النهائي هو إقامة إيران حرة وديمقراطية، وهو أمر لن يتحقق إلا بالأيدي القادرة للشعب الإيراني ومقاومته المنظمة. هذا المسار هو نفسه “الخیار الثالث” الذي طرحته السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، والذي يتمثل في: لا حرب أجنبية ولا مهادنة مع الديكتاتورية الدينية. الحل يكمن في تسليم مصير إيران لأبنائها البواسل، الذين تقف “وحدات المقاومة” في طليعتهم. هؤلاء الشباب المناضلون، بتعريض حياتهم للخطر، يثبتون أن القوة الحاسمة الوحيدة لمستقبل إيران هي الشعب ومقاومته المنظمة التي تناضل من أجل الإطاحة الكاملة بالنظام وإرساء سيادة شعبية.
لماذا الخيار الثالث للمعضلة الايرانية؟
سعاد عزيز کاتبة مختصة بالشأن الايراني (Suaad Aziz) عند النظر في الاوضاع في إيران ولاسيما على أثر الحرب التي إستمرت ل12 يوما، فإننا نجد نظام الملالي يعمل في إتجاهين واضحين؛ الاول مطالبته بتفاوض من دون تهديد أو بالاحرى صفقة يخرج منها بسلام، والثاني تصعيده بإتجاه مواجهة أخرى رغم إنه لا يمتلك الامکانية لذلك، لکن النظام يعمل بهذين الاتجاهين حتى يحرف الانظار عن إتجاه ثالث يقوم على أساس دعم وتإييد نضال الشعب والمقاومة الايرانية من أجل إسقاط النظام ولاسيما بعد أن دعت أوساطا وشخصيات سياسية مرموقة الى دعم وتإييد هذا الاتجاه لکونه الاصوب والاکثر إختصارا للطريق من أجل حل المعضلة الايرانية حلا جذريا. والحقيقة إن المجتمع الدولي الذي إتخذ اسلوب للتعامل مع نظام الملالي يقوم من جهة على أساس التواصل مع هذا النظام وفق سياسة الاسترضاء ومن جهة أخرى على أساس شن الحرب على النظام، فإنه لم يتمکن من تحقيق أي نتيجة مفيدة يمکن أن تحقق له الاهداف التي يبتغيها بل وإن الذي حدث هو إن النظام قد تمکن من الاستفادة من هذا الاسلوب لکونه لم يعمل من أجل مواجهة أصل المشکلة والذي هو بقاء وإستمرار النظام ذاته وإنما ما يبدر عن هذا النظام، ومن دون شك فإن بقاء النظام يعني بقاء المشکلة لأن النظام سيواصل أساسا نهجه العدواني الشرير وإن لجأ الى التهدئة أو التزام الصمت لفترة مضطرا الى ذلك. في کل الحالات التي شهدها العالم من حيث التعامل الدولي مع نظام الملالي بالتفاوض أو الحرب، فإن النظام کان ولازال يبني إستراتيجيته على أساس المحافظة على النظام وضمان بقائه بأي ثمن کان، وقد أثبتت الاحداث والتطورات بأن کل ما کان المجتمع الدولي يعتقد إنه قد حققه من مکاسب(نظي الاتفاق النووي للعام 2015)، کان مجرد مکسب مٶقت يتبدد مع مرور الزمان حيث تعود الامور والاوضاع الى ما کانت عليه. المشکلة ليست في البرنامج النووي والسعي من أجل الحصول على القنبلة النووية ولا في التدخلات السافرة في بلدان المنطقة ولا في أي شئ آخر، بل إن المشکلة في بقاء وإستمرار النظام نفسه، وهذا هو الامر الذي حذرت منه السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية عندما دعت الى دعم وتإييد نضال الشعب الايراني من أجل إسقاط النظام الذي هو أساس المشکلة وإقامة الجمهورية الديمقراطية التي ستضع حدا نهائيا للدکتاتورية بشکليها الملکي والدين في إيران.