الاسلاميات

السيرة النبوية فى ضوء القران والسنة ج37 بقلم الشيخ موسى الهلالى

احجز مساحتك الاعلانية

النذير في مكة
وأما خبر العير فإن أبا سفيان- وهو المسؤول عنها- كان على غاية من الحيطة والحذر، فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير، وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، مستصرخا لقريش بالنفير إلى عيرهم، ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخرج ضمضم سريعا حتى أتى مكة، فصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق
(

قميصه، وهو يقول: يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.

أهل مكة يتجهزون للغزو
فتحفز الناس سراعا، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟
كلا، والله ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين، إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا، وأوعبوا في الخروج، فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، فإنه عوض عنه رجلا كان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد.

قوام الجيش المكي
وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة درع، وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام أبا جهل بن هشام، وكان القائمون بتموينه تسعة رجال من أشراف قريش، فكانوا ينحرون يوما تسعا ويوما عشرا من الإبل.

مشكلة قبائل بني بكر
ولما أجمع هذا الجيش على المسير، ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي- سيد بني كنانة- فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.

جيش مكة يتحرك
وحينئذ خرجوا من ديارهم، كما قال الله: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- «بحدهم وحديدهم، يحادون الله ويحادون رسوله» ، وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لاجتراء هؤلاء على قوافلهم.
تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في إتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان،

ثم قديد، ثم الجحفة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها: انكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا.

العير تفلت
وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسي، ولكنه لم يزل حذرا متيقظا، وضاعف حركاته الإستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره، حتى لقي مجدي بن عمرو، وسأله عن جيش المدينة، فقال: ما رأيت أحدا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته، فإذا فيه النوى، فقال: هذا والله علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعا، وضرب وجهها محولا اتجاهها نحو الساحل غربا، تاركا الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر على اليسار. وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة.

هم الجيش المكي بالرجوع ووقوع الإنشقاق فيه
ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلا: والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا.
ولكن على رغم أبي جهل أشار الأخنس بن شريق بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زهرة- وكان حليفا لهم ورئيسا عليهم في هذا النفير- فلم يشهد بدرا زهري واحد، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، واغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس بن شريق، فلم يزل فيهم مطاعا معظما.
وأرادت بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.
فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة- وهو يقصد بدرا- فواصل سيره حتى نزل قريبا من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادي بدر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى