النظام الإيراني بين التظاهر بالقوة والقبول المرغم بالواقع!
نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
في الأوقات الصعبة والحساسة، يدرك المسؤولون في النظام الإيراني التهديدات والتحديات التي تحيط بهم. ومع إدراكهم لعدم امتلاكهم القوة الكافية لمواجهتها أو إحباطها، يعلم قادة النظام، وعلى رأسهم الولي الفقيه خامنئي، جيداً أن الاستسلام أو الخضوع المباشر لتلك التهديدات يعني انتحاراً علنياً. ذلك أن خضوعه سيُفسَّر على أنه اعتراف صريح بأخطائه وتهوره على حساب إيران والشعب الإيراني، مما سيعجل بإشعال نار الغضب الشعبي الذي يحرص النظام كثيراً على تجنبه.
منذ انتهاء حرب الأيام الـ12 وهزيمة النظام فيها، وخاصة بعدما ظهر ضعفه وهزالة موقفه أمام خصومه لفقدانه أوراقاً كان يستخدمها للابتزاز والمساومة، يمنح النظام لنفسه فرصة للظهور بمظهر “دون كيشوتي” مفرط، خوفاً من انفجار بركان الغضب الشعبي ضده إذا ما خضع للمطالب الدولية المتعلقة ببرنامجه النووي. ففي مثل هذه الحالات، يفسح المجال لقادة الحرس الثوري لإطلاق تصريحات متشددة تتضمن تهديدات مباشرة وغير مباشرة للأطراف الأخرى.
ومن المثير للسخرية أن خصوم النظام باتوا يدركون جيداً ولعه بالتهديدات “الدون كيشوتية” التي يستخدمها لذر الرماد في العيون وإظهار القوة أمام الشعب. وقد لمس العالم ذلك بوضوح بعد الضربات النوعية لمواقع فوردو ونطنز وأصفهان، حيث سُمح للنظام بإطلاق صواريخه على قاعدة العديد في قطر لتنفجر في الجو كبالونات أو مفرقعات للتسلية.
لكن من الواضح أن النظام الإيراني يدرك جيداً أن للصبر الدولي حدوداً. ولذلك، فإنه بعد أن يقدم عرضه الاستعراضي ويطمئن بعض الشيء إلى هدوء الشارع الإيراني، يلجأ بطرقه الديماغوجية والسفسطائية للعودة إلى ما كان قد غادره، أي المفاوضات النووية وعودة المفتشين الدوليين. وهذا ما ظهر جلياً في اتفاق القاهرة الذي تم إبرامه بين رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعباس عراقجي، وزير خارجية النظام. وهو اتفاق يظهر بوضوح أنه قد أنهى مرحلة الهزل والعبث بالنسبة للنظام ووضعه أمام الواقع المر وجهاً لوجه.
من هنا، وعلى إثر توقيع اتفاق القاهرة، الذي وإن كان هشاً ومؤقتاً، فقد أعاد الملف النووي للنظام مرة أخرى إلى الواجهة وجعله مركز اهتمام السياسة الدولية. وفي الوقت الذي يحاول فيه النظام الإيراني استخدام الغموض وعدم المرونة كأدوات للمساومة السياسية بهدف الخلاص من تداعيات آلية الزناد أو تأجيلها، تشدد القوى الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية على الشفافية والتعاون الكامل. إن الفجوة بين هذين النهجين، التي تعود جذورها إلى بداية الملف النووي لهذا النظام، قد دخلت الآن مرحلة جديدة؛ مرحلة لا يمكن أن تطول.
إنها مرحلة لن تطول، لأن النظام الإيراني، ومهما بذل من مساعٍ ومحاولات، لا يمكنه الهروب من جوهر القضية وحقيقتها الأساسية الكامنة في المطالب الدولية بخصوص تخصيب اليورانيوم الذي وصل إلى درجة ومستوى لا يمكن للدول الغربية بشكل خاص التزام الصمت حياله. ويجب أن يُحسم هذا الموضوع، وحسمه لن يكون إلا بتقديم النظام لتنازلات أقل ما يقال عنها إنها موجعة. وهو يعلم الآثار المترتبة على ذلك في الشارع الإيراني، حيث من المحتمل جداً أن يكون هذا التنازل بمثابة الشرارة المطلوبة لإشعاله.
ومن الجدير بالذكر أن هذا الموضوع قد لفت انتباه المتحدثين في التجمع والمظاهرة الكبيرة للإيرانيين في بروكسل بتاريخ 6 سبتمبر. ومن بينهم مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي السابق، الذي قال في جزء من كلمته حول برنامج النظام النووي، مخاطباً الإيرانيين في الداخل والخارج: “أنتم لستم وحدكم. لم تُنسوا. إن يوم حريتكم أقرب الآن من أي وقت مضى. الشعب الأميركي، ومعه الملايين في العالم الحر، يقف إلى جانبكم حتى يتحقق ذلك اليوم”.
وأشار بنس إلى أنّ عام 2025 شكّل نقطة تحول مصيرية، قائلاً: “لقد حُرم النظام من أخطر أداة ترهيب كان يملكها، أي البرنامج النووي، بفضل الضربة الحاسمة للقوات المسلحة الأميركية، وأصبح الشعب الإيراني أقرب إلى الحرية من أي وقت مضى”.