العرافة التي سرقت أمريكا… والشيطان الذي يرتدي بذلة أرماني
﴿وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله﴾ [البقرة: 102]
العرافة لم تكن تسكن كوخًا مهجورًا على أطراف الغابة، ولم تكن تضع وشاحًا أحمر أو تتكلم بصوت أجش. بل كانت أنيقة. هادئة. ترتدي بذلة “أرماني”، وتضع حذاءً فرنسيًا لا يقل سعره عن 800 دولار، وتجلس في مكتب فخم بحي هيكسفيل الهادئ في نيويورك.
تقدمت سيدة أمريكية خمسينية إلى مركز الشرطة وهي ترتجف. كانت قد فقدت زوجها حديثًا، وجاءت إلى تلك “القارئة الروحية” تطلب عزاءً… فدفعت لها ما مجموعه 62 ألف دولار على دفعات. لماذا؟ لأن العرافة أخبرتها أن زوجها لن يستريح في قبره حتى تدفع، وأن “الطاقة السوداء” تحيط بها، وأن عليها أن “تغسل أرواحها بالأموال”! السحر في أمريكا؟ لا، إنه “خدمة طاقة” لعلك تظن أن الدجل حكر على الجهل والفقر. لكن الولايات المتحدة، أغنى دولة على الكوكب، شهدت في السنوات العشر الأخيرة انفجارًا في عدد من يزعمون القدرة على التنجيم، و”جلب الحبيب”، و”إزالة الحسد”، وحتى “قراءة الأرواح”. وفقًا لتقرير رسمي صادر عن مكتب إحصاء العمل الأميركي، بلغت إيرادات خدمات “علم ما وراء الطبيعة” نحو 2.2 مليار دولار سنويًا، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.8 مليار بحلول 2030.
وتفيد جمعية مكافحة الاحتيال الأميركية (ACFE) أن أكثر من 16 ألف بلاغ سنوي يتم تقديمه ضد ممارسي “الروحانيات” في أمريكا، خاصة من النساء المسنات أو من مرّوا بصدمات عاطفية. بل إن شرطة نيويورك نفسها أعلنت عن فتح قسم خاص داخل وحدة الجرائم الاقتصادية، هدفه فقط متابعة “احتيال العرافات” بعد تصاعد الحالات في مناطق مثل بروكلين وبرونكس وكوينز. رأي الأديان؟
السحر كفر… أو تلاعب بالشيطان في العقيدة الإسلامية، السحر محرم تحريمًا قاطعًا، بل ورد في الحديث الشريف: “اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله… والسحر…” وفي تفسير ابن كثير للآية: “وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله”، يقول: “السحر لا يؤثر بذاته بل بإرادة الله، ومع هذا فهو من الكبائر المهلكة، وممارسته كفر مخرج من الملة في بعض الحالات.” أما في المسيحية، فتنص رسالة غلاطية 5:20 على أن “السحر من أعمال الجسد” التي “لن يرث أصحابها ملكوت الله”. ويقول القس جون ماك آرثر، أحد أعمدة الكنيسة الإنجيلية، إن: “اللجوء للعرافة هو رفض لقيادة الروح القدس… إنه استدعاء للشيطان، حتى لو كان تحت غطاء ‘حب’ أو ‘سلام’.” وفي اليهودية، ورد في سفر اللاويين 19:31: “لا تلتفتوا إلى أصحاب الجان والعرافين، لا تطلبوهم فتتنجسوا بهم.” ولكن… ماذا عن الواقع؟
في حديث خاص لقناة فارس منهاتن، قالت ن.ع، سيدة أمريكية من أصل سوداني: “أصدقائي العرب مذهولين من أمريكيين بيصرفوا آلاف الدولارات على ورق تاروت. بس الحقيقة إن بعضهم بيعملوا نفس الحاجة… في السر!”
أما إيمان، شابة يمنية مقيمة في نيوجيرسي، فقالت لقناة فارس منهاتن: “الموضوع مش جهل بس، ده ضعف ثقافة دينية… بعض البنات العربيات بيدوروا على جلب حبيبهم بالطاقة بدل ما يتكلموا معاه!”
لكن المفاجأة كانت من منى، فتاة عربية تعمل في مطار نيويورك، حين قالت لقناة فارس منهاتن: “أنا مرة رحت لعرافة عشان أعرف مين سرق موبايل أختي… والست قالتلي الاسم… وطلع صح!”
أوراق التاروت… من لعبة إلى لعنة في البداية كانت أوراق التاروت وسيلة للعب في أوروبا. ثم أصبحت نافذة للغيب… ثم صارت مصدر رزق. في أمريكا، هناك مدارس كاملة لتعليم قراءة التاروت، بعضها مرخص رسميًا! ويكفي أن تكتب على تيك توك “Tarot Reading” حتى يظهر لك آلاف الحسابات التي تقدم جلسات مباشرة ببطاقات فيزا، مع وعد بأن الحبيب سيعود… خلال ثلاثة أيام فقط! بل إن بعض المشاهير الأمريكيين أعلنوا علنًا عن اعتمادهم على التاروت في اتخاذ القرارات…
منهم المغنية بيونسيه والممثلة وينونا رايدر! سؤال أخير… هل نحن في زمن سيطرت فيه التكنولوجيا على كل شيء… أم أن الإنسان ما زال يركض خلف الوهم، كلما شعر بالخوف؟ هل السبب هو الوحدة؟ الألم؟ أم الجهل؟ أم أن في داخلنا شيئًا مظلمًا…
لا يعترف إلا بالسحر حين يفشل المنطق؟
أحمد مراد كاتب صحفي مقيم بنيويورك amourad978@aol.com